مقالات مختارة

حلب: هدوء نسبي بين عاصفتين علاء حلبي

 

خمسة أيام مضت على بدء الفصائل المسلحة هجومها على محور حلب الغربية ضمن المعارك التي حملت أسماء عديدة أبرزها: «ملحمة حلب الكبرى»، التي هدف المسلحون من خلالها إلى اختراق الأحياء الغربية للمدينة وكسر الطوق العسكري عن الأحياء الشرقية منها.

ونجح الجيش السوري في التصدي للمرحلة الأولى من الهجمة العنيفة التي شاركت فيها جميع الفصائل المسلحة على مختلف مشاربها، لتعيش المدينة هدوءاً مؤقتاً سيسبق العاصفة المقبلة، التي تشير جميع التوقعات إلى أنها ستكون مفصلية.

الهجمات الأولى للمسلحين أدت لانسحاب قوات الجيش السوري من ضاحية الأسد القريبة من الأكاديمية العسكرية، إضافة إلى التراجع عن منطقة منينان (بنيامين)، قبل أن تعود تلك القوات وتستعيد أجزاءً واسعة من منينان المحاذية لحي حلب الجديدة المكتظ بالسكان.

واستعملت الفصائل المسلحة في هجومها تحت قيادة «جبهة النصرة» المفخخات بشكل رئيسي إلى جانب القذائف الصاروخية، التي مثَّل الـ «غراد» أبرزها. وأشارت تقديرات ميدانية إلى أن عدد العربات المفخخة التي دخلت المعركة في المرحلة الأولى منها بلغ 18 مفخخة، نجح الجيش السوري في تفجير معظمها قبل أن تصل إلى أهدافها.

كذلك مثَّل «انغماسيو الحزب الإسلامي التركستاني» قوة ضاربة لدى الفصائل المسلحة، حيث تولى «الانغماسيون» مهمة اقتحام الصفوف الأولى من ضاحية الأسد بالإضافة إلى تنفيذ تفجيرين انتحاريين في منطقة مشروع 1070، الذي يتقاسم الجيش السوري والفصائل المسلحة السيطرة عليه، من دون أن تحقق هذه التفجيرات أي تقدم يذكر داخل منطقة المشروع.

سلاح الجو السوري كثف طلعاته خلال الأيام الماضية، كما شارك سلاح الجو الروسي الذي استهدف خطوط إمداد الفصائل المسلحة، الآتية من ريف حلب الغربي، بعمق يتجاوز العشرة كيلومترات بعيداً من حدود مدينة حلب، وذلك تبعاً للقرار الروسي القاضي بتعليق الطلعات الجوية في سماء حلب.

بعد هدوء ضجيج معارك الأيام الثلاثة الأولى، ومع نجاح الجيش السوري في استيعاب الهجوم، الذي وصفه مصدر عسكري تحدث إلى «السفير» بأنه «الأعنف الذي تشهده جبهة حلب الغربية»، استقدم الجيش تعزيزات عسكرية جديدة لتنفيذ عمل عسكري واسع على الجبهة المحاذية للمناطق المكتظة بالسكان، وذلك بهدف إبعاد ميدان المعارك عن المناطق السكنية، وتأمين الخاصرة الغربية للمدينة.

وأكد المصدر العسكري لـ «السفير» أن العقيد سهيل حسن الملقب بـ «النمر»، تولى عمليات المحور الغربي، آتياً من حماه التي نجح في استرجاع معظم المناطق التي اخترقها مسلحو «جند الأقصى» خلال الفترة الماضية في الريف الشمالي.

الفصائل المسلحة وبعد فشلها في تحقيق الخرق المرجوّ من الهجوم، برغم استعمال قوة كبيرة فيه ومشاركة أكثر من 20 دبابة، بالإضافة إلى الانغماسيين، توقفت مؤقتاً عن متابعة عملياتها القتالية. وفي هذا السياق، ذكر مصدر معارض لـ «السفير» أنّ الفصائل المسلحة تعمل في الوقت الحالي على إعادة تجميع قواتها، كما تحاول تثبيت مواقع سيطرتها قبل إطلاق المرحلة الثانية من العمليات.

وتوقع المصدر أن يطلق المسلحون هجماتهم مع عودة الأمطار الغزيرة إلى سماء حلب اليوم الثلاثاء، حيث يحاول المسلحون الاعتماد على الأمطار في تحييد ما يمكن تحييده من سلاح الجوّ.

الجيش السوري، وتمهيداً للمعركة المقبلة، أصدر بياناً شرح من خلاله وقائع الأيام الماضية.

وذكر البيان أن «التنظيمات الإرهابية تستغل فترة التهدئة لتصعيد هجماتها على مدينة حلب واستهداف المدنيين في الأحياء الآمنة»، وتابع «بلغ عدد القذائف التي أطلقتها التنظيمات الإرهابية خلال الأيام الثلاثة الماضية وسقطت على المناطق السكنية في حلب أكثر من مئة قذيفة هاون و 50 صاروخ غراد و 20 أسطوانة غاز إضافة إلى أعمال القنص، ما أدى إلى ارتقاء 84 شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة 280 بجروح مختلفة وإلحاق أضرار كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة».

وأضاف «هذا التصعيد بلغ ذروته بإقدام المجموعات الإرهابية على استخدام قذائف تحوي غاز الكلور على اتجاه 1070 شقة وحي الحمدانية السكني في حلب ما أدى إلى حدوث 48 حالة اختناق».

بيان الجيش السوري تزامن مع تصريح جديد لوزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف أكد من خلاله أن موسكو تعتبر جميع المسلحين في أحياء حلب الشرقية أهدافاً مشروعة، لكونهم متعاونين مع «النصرة». وقال الوزير خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره القبرصي في موسكو، أمس الإثنين، «يُعدّ تعليق طلعات القوات الجوية الفضائية الروسية وسلاح الجوّ السوري لمدة نحو أسبوعين، كافياً للفصل (بين الإرهابيين والمعتدلين). وإذا لم يحدث ذلك، فعلينا أن نراجع تقييماتنا السابقة بقدر ما».

لافروف أكد أيضاً خلال المؤتمر الصحافي أن الحوار الجادّ مع واشنطن مستمر، «بما في ذلك على مستوى العسكريين»، إلا أنه استدرك قائلاً «الولايات المتحدة وحلفاؤها لا يريدون عزل المعتدلين عن جبهة النصرة»، مشيراً إلى أن « المسلحين الموجودين في حلب الشرقية، يبقون، بإرادة أو بغير إرادة، متواطئين في جرائم النصرة».

بموازاة ذلك، نقلت صحيفة «التايمز» البريطانية عن مصادر استخبارية غربية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يُخطّط لاستغلال الفراغ السياسي في واشنطن خلال الانتخابات الرئاسية وما بعدها، لضمان تحقيق نصر حاسم لمصلحة حليفه (الرئيس السوري بشار الأسد) في شرق المدينة، الذي يُسيطر عليه المُسلّحون، بحلول منتصف كانون الثاني المقبل». ونقلت الصحيفة تحليلات استخبارية تُفيد بأن «حاملات الطائرات الروسية التي تتموضع في شرق البحر المتوسط، ستُستخدم لتعزيز القوة النارية الروسية في حلب دعماً للنظام السوري».

بدورها، ذكرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية أنّ ثلاث غواصات نووية روسية مزوّدة بصواريخ «كروز» في طريقها الى الشواطئ السورية، موضحة أن هذه الغواصات قد تساند في العمليات المرتقبة في حلب.

وتتوافق ميادين القتال مع التصريحات السياسية المرتفعة النبرة حول حلب، الأمر الذي يؤكد أن عاصفة المعارك المقبلة في المدينة ستكون عاتية، وذلك في حال التأكد من فشل مساعي إخراج المسلحين من الأحياء الشرقية للمدينة، واقتناع المسلحين بعدم جدوى الهجوم غرباً، خصوصاً أن التقديرات المبدئية تشير إلى مقتل أكثر من 200 مسلح وإصابة أكثر من 300 آخرين، معظمهم من «المهاجرين» (غير السوريين) من دون تحقيق الخرق المنتظر خلال هجوم الأيام الخمسة الماضية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى