مقالات مختارة

ترامب في إسرائيل أيضا: تسفيا غرينفيلد

 

لا يمكن عدم ملاحظة الشبه الكبير بين التطورات العميقة التي مرت على الاحزاب الكبيرة في الولايات المتحدة في الاربعين سنة الاخيرة وبين ما حدث في اليسار واليمين في إسرائيل. إلى جانب الجمهور المؤيد من المهاجرين والنساء الذين يأملون أن تتحسن حياتهم نوعيا، فان الحزب الديمقراطي يمثل الآن الطبقة المتوسطة المثقفة نسبيا وخريجي الجامعات ممن يلبسون البدلات، الذين كانوا يصوتون حتى السبعينيات للجمهوريين، وانتقلوا بمعظمهم إلى الديمقراطيين تاركين وراءهم المؤسسة النخبوية واعضاءها. في المقابل، المهنيون الصغار واصحاب الياقات الزرقاء وجمهور الناخبين الشعبي الذين كان الحزب الديمقراطي يمثلهم، انتقلوا وأيدوا الحزب الجمهوري.

نحن نشاهد اليوم حزبا يمينيا جمهوريا (من الاغنياء) يمثل البيض من الطبقة الدنيا، وحزبا يساريا ـ وسط ديمقراطي يمثل الاقليات وأبناء الطبقة المتوسطة حتى العليا.

اسباب هذا الانقلاب في اوساط الجمهور كثيرة: التعليم والهجرة والفرص الاقتصادية تعتبر امورا هامة من اجل فهم هذه العملية. ولكن رغم الفرق الكبير في الظروف الخاصة، من المفاجيء رؤية كيف أن هذه العمليات السياسية التي حدثت في الولايات المتحدة تشبه العمليات السياسية التي حدثت في البلاد. ايضا في إسرائيل فقدت احزاب اليسار تأييد قطاعات شعبية سكانية، حيث انتقلت طبقة العمال المتوسطة حتى الدنيا، واصبحت تؤيد احزاب اليمين المحافظة. احزاب اليمين مثل الليكود والمفدال، التي اعتمدت على البرجوازية المثقفة مثل الدكتور يوحنان بادر ويوسف بورغ أو دان مريدور (ايضا بنيامين نتنياهو) تعكس اليوم توجهات الطبقة الدنيا التي تشعر بأنها مستبعدة.

سؤال لماذا هذا الشبه الكبير في التطورات السياسية رغم الفوارق الكبيرة بين الدولتين في جميع المجالات، هو سؤال مثير للفضول. فهو يعزز الفهم بأن جميع العمليات المتعلقة بهذه التغييرات تحتاج إلى الفحص والاستيضاح الاساسي. وفي هذه الاثناء حيث لا توجد تفسيرات بما يكفي لهذه الظاهرة، يمكن اقتراح فكرتين.

الفكرة الاولى للأمريكيين: سواء انتصرت كلينتون أم لا، فان ما حدث لليكود سيحديث ايضا للجمهوريين. ومثلما أن الليكود يتعرض للترامبية التي في اطارها تسد الفجوات بين مصوتي الليكود وزعمائه، ايضا الفجوة بين المؤسسة الجمهورية النخبوية وبسطاء الشعب الذين يؤيدونها ـ هذه الفجوة التي خشي الكثيرون من أنها ستتسبب بتراجع الحزب ـ سُدت في هذه الاثناء من قبل ترامب. والكثيرون الذين يشبهونه وسيأتون في اعقابه.

الفكرة الثانية تخصنا: احزاب اليسار تعتمد الآن على الطبقة المثقفة والمستقرة اقتصاديا، المتوسطة حتى العليا. واضافة إلى التساؤل حول التفسير الفلسفي لهذا التطور الغريب، الذي ينجذب فيه لايديولوجيا اليسار ليس من هم يحتاجونها. ومن يحتاجونها يرتدعون منها ـ يجب أن تكون هناك امكانية للتوصل إلى استخلاصات سياسية عملية. إن انضمام أبناء الطبقات الدنيا لاحزاب اليمين في البلاد وفي الولايات المتحدة هو موضوع جدي لا يجب تركه للمبررات فقط.

إن حقيقة أن احزاب اليسار في إسرائيل ملزمة الآن بالتركيز على المواضيع السياسية، تعفيها من الحاجة الفورية للتعاطي مع المفارقة. ولكن بنظرة شاملة وبعيدة من الواضح أنه يجب تجديد افكار اليسار من الاساس. من يكتفي بالتفكير الاجتماعي مثل بارني ساندرز، ليس فقط أنه لن يكون ذا صلة بالنسبة للجمهور الواسع الذي يريد تمثيله، بل هو سيستمر في الخسارة في الانتخابات.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى