بقلم غالب قنديل

عرس الجمهورية اللبنانية

غالب قنديل

يشبه العماد ميشال عون في مسيرته السياسية ما تضمنته الاساطير القديمة عن المحارب الإغريقي الذي لا يكل ولا يمل حتى يبلغ هدفه فهذا الزعيم السياسي والشعبي الذي ينتخب اليوم رئيسا للجمهورية اللبنانية يعتبر الوصول الى رئاسة الجمهورية مفتاحا سليما دستوريا لترجمة ما لديه من افكار وتطلعات بخصوص الاصلاح والتغيير في بنية الدولة والمجتمع.

والمسيرة التي اطلقها العماد عون بعودته الى لبنان جعلت من صورته الناضجة والمكتملة واقعيا مثالا للقائد السياسي الذي يحظى بتأييد شعبي واسع ويخوض المنافسة الديمقراطية وفق القوانين والانظمة السارية رغم اعتراضه عليه ويقدم بتياره السياسي والشعبي كتلة نيابية نموذجية في ممارسته للتقاليد البرلمانية وفي ما تطرحه وتقدمه من مشاريع تتناول هموم الناس وقضاياهم وخلال السنوات التي انقضت منذ ذلك اليوم ظهر العماد ميشال عون مضحيا بطموحه الذي وصف انه شخصي وهو في الواقع سياسي ووطني له محتواه البرنامجي عندما سار بخيار انتخاب العماد ميشال سليمان في اتفاق الدوحة تسهيلا للوفاق الوطني وهذا يعاكس كل الحديث الذي عممته الدوائر المعادية للجنرال وكانت يومها مطابخ السفارة الاميركية هي التي تشتغل على ذلك من ان الجنرال عنيد ولا يمكن التفاهم معه على شيء فكان صاحب المبادرة في القضية الاكثر حساسية واسقط الرواية الكاذبة التي عممها الخصوم ومن اهم المحطات في مسيرة الجنرال السياسية منذ عودته الى لبنان انه قد يكون الوحيد بين الزعامات والقيادات الذي يشغله هم نسج التفاهمات العابرة للطوائف والاحزاب والمذاهب والتيارات الايديولوجية والسياسية فالجنرال اقتحم مجال نسج التفاهمات والتوافقات منذ اللحظة الاولى وكان التلاقي بينه وبين السيد حسن نصرالله في تفاهم مار مخايل ركيزة حاسمة حمت لبنان فالانتصار في حرب تموز لم يكن نصرا لحزب الله وحده بالمعنى الذاتي الضيق للكلمة كان نصرا لبنانيا عظيما صنعه حزب الله بقيادة السيد حسن نصرالله وكان شريكه يومذاك في صنع هذا النصر العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري والوزير سليمان فرنجية وسائر القيادات والقوى الوطنية التي وقفت بثبات منذ 12 تموز حتى لحظة احتفال النصر الكبير الذي توج ملحمة من اعظم واهم الملاحم في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.

المصداقية التي اكتسبها العماد ميشال عون في تفاهمه مع السيد حسن نصرالله اسست لتعميم هذه الروح في نهجه السياسي واراد بحزم وبصدق ان ينتقل من التفاهم في مار مخايل الى تفاهمات اخرى واطلق عدة مبادرات على هذا الصعيد وغير مرة مع الجهة ذاتها كان العماد يحاول ويحاول لأنه مؤمن بروح الشراكة الوطنية.

اما في مجال فهم التحديات فلم يقتصر الامر على ترجمة قناعة الجنرال الذي هو القائد العسكري العارف والمجرب بان المقاومة ضرورة لحماية لبنان وان شراكتها مع الجيش والشعب هي المعادلة الذهبية التي تحمي الوطن وهذا ما قاله الجنرال في عروض متلاحقة ومداخلات متعاقبة قدمها لوجهة نظره في استراتيجية الدفاع على طاولة الحوار الوطني واصطدم يومها بكل المخالفين الذين يعولون على حماية الغرب وضمانات الغرب التي هتكتها الاعتداءات الصهيونية واسقطتها وقذفت بها الى جبال النفايات اللبنانية.

العماد ميشال عون المؤمن بالوفاق وبالشراكة والمتمسك بالوحدة الوطنية والمتمسك باستقلال الوطن وبمقاومته وجد نفسه في وجه الارهاب التكفيري مندفعا الى تأكيد التضامن مع الشقيقة سوريا وعلى ضرورة التمسك بالتعاون وبالعمل في قضية مصيرية مشتركة تخص المنطقة كلها وحين دخل حزب الله الى سوريا لمحاربة الارهاب ولصد خطره عن لبنان وعن سوريا معا كان الجنرال بكل ثبات ومن غير تردد واقفا الى جانب المقاومة ليس من قبيل الوفاء للسيد حسن نصرالله فحسب وليس من قبيل ترجمة الشراكة مع المقاومة في السراء والضراء بل اكثر من ذلك لان الجنرال كان على قناعة بحقيقة الخطر الارهابي التكفيري الذي دفع الى المنطقة وبات يهددها برمتها ومنها لبنان اساسا وبصورة اخص الوجود المسيحي في لبنان وفي الشرق ولذلك فان بعضا من وجوه يوميات الجنرال هو المتابعة التفصيلية لمسار المعارك التي يخوضها الجيش العربي السوري وحلفاؤه ولا سيما المقاومة البطلة على الارض السورية ضد عصابات الارهاب والتكفير.

هذا الجنرال القائد العسكري المقاوم الوحودي الذي يريد انقاذ لبنان يستحق من جميع اللبنانيين الدعم والتأييد والمؤازرة والتضامن من خلفه من اجل تحقيق الطموحات التي أمنوا بها وهذا الجنرال أثبت في تجربته ايضا انه ديمقراطي وليس انقلابيا فهو جاء يحتكم الى صناديق الاقتراع عندما عاد من منفاه وبصناديق الاقتراع حقق حضوره السياسي وحجمه الشعبي وفرض نفسه في المعادلة وبالمسيرات الشعبية والتحركات السلمية دعا انصاره الى تسجيل اعتراضهم على العقبات التي واجهت حركته البرلمانية والسياسية السليمة ولذلك هو ضامن للديمقراطية وللحوار وللشراكة وللحياة السياسية السليمة التي ترسخ الاستقرار ولا تعرضه للخطر.

بكل تلك الابعاد وبكل تلك القيم يأتي انتخاب العماد ميشال عون اليوم لرئاسة الجمهورية نقلة هجومية الى الامام في سبيل انقاذ لبنان ومفصلا تاريخيا كبيرا لانتشال لبنان من مستنقع التعفن والاهتراء الذي دخل فيه بسبب النظام الطائفي وبسبب الرأسمالية المتوحشة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى