مقالات مختارة

عزلة عباس تزداد: عاموس هرئيل

 

هذه ايام صامتة لحكم محمود عباس في الضفة الغربية. عملية الانهيار البطيئة وانهاء حكم الرئيس الفلسطيني تتواصل. والامر اصبح حقيقة واقعة من قبل جميع من لهم صلة.

يواجه عباس اصوات منددة داخل حركة فتح، وحماس ايضا. وفي الاونة الاخيرة ايضا هناك تآمر واضح من الدول العربية. عزلته المتزايدة تزيد من التوتر الداخلي في رام الله. ويحتمل أن يؤثر ذلك على الاستقرار الداخلي في المناطق وعلى العلاقة المتوترة مع اسرائيل.

يبدو أن التحدي الأصعب لعباس هو التهديد الداخلي، من أحد قادة فتح، محمد دحلان. ولا يخفي عباس الاحتقار الشخصي لدحلان، الذي سقط قطاع غزة في أيدي حماس من خلال انقلاب عسكري عنيف خلال نوبته في حزيران 2007. الهوس في مكتب الرئيس تجاه دحلان كبير. ولكن يبدو أن لذلك أساس، وخصوصا الآن. وقد أدى التنافس بينهما في هذا الاسبوع الى مظاهرات عنيفة في مخيمات اللاجئين في جنين وبلاطة في نابلس والأمعري في رام الله.

الخلفية ترتبط هذه المرة باحتفالين قام دحلان بتنظيمهما بغطاء اكاديمي في مصر وبمشاركة مئات النشطاء. أحدهما تم في القاهرة بالتعاون مع معهد الابحاث قرب صحيفة “الأهرام” وتناول المشكلة السياسية الفلسطينية، لكن قيادة السلطة رأت فيه وبحق، استعراض عضلات استفزازي من دحلان وبغطاء مصري.

حاولت السلطة وضع العقبات أمام ذهاب الفلسطينيين من المناطق الى القاهرة، لكن الكثيرين وصلوا من الضفة الغربية بطرق التفافية وبعضهم خرج من غزة بموافقة حماس ومصر. أحدهم من سكان الأمعري، جهاد طمليه، عاد الى الضفة بعد انتهاء اللقاء وتم طرده من مؤسسة فتح. وردا على ذلك شارك المئات في المظاهرات – وتدهور الوضع في بلاطة وجنين الى تبادل اطلاق النار مع اجهزة الامن الفلسطينية.

يلامس دحلان النقطة الحساسة بالنسبة لعباس: حجم شرعية الرئيس كممثل للشعب الفلسطيني. منذ أكثر من عقد لم تتم في المناطق انتخابات للرئاسة أو للبرلمان. ويتحدث عباس مؤخرا عن اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، لكن هذا الوعد لم ينفذ ايضا من قبل ياسر عرفات، الامر الذي سيكون مقرونا ايضا بمشاركة الفلسطينيين في الشتات في الدول العربية المختلفة. تصريحات عباس تبدو غير واقعية خصوصا على ضوء فشل السلطة الفلسطينية في اجراء الانتخابات للمجالس في المناطق التي كان من المفروض أن تتم في هذا الشهر، لكنها تأجلت الى اشعار آخر.

محيط عباس يشتبه وبحق بأن دحلان يريد أن يعزز مكانته كمرشح سري للرباعية العربية التي تتشكل من السعودية ومصر والاردن ودولة الامارات.

وكما جاء في بداية الشهر من اهود يعاري في القناة الثانية، فان الرباعية تدفع بأن يكون ناصر القدوة وريثا للرئيس، وهو إبن أخت عرفات وسفير سابق لـ م.ت.ف في الامم المتحدة. ولكن دحلان يحاول أن يكون من ضمن الثلاثة أو الاربعة للقيادة المستقبلية على طريق تسلق مرحلة اخرى في السلم.

مصر لا تخفي تأييدها لدحلان. والممثلون المصريون يتحدثون عن ذلك بشكل علني في المحادثات مع الاسرائيليين. وفي رام الله اشتباه بأن الاعلان السعودي في هذا الاسبوع حول تجميد اموال السلطة يتعلق بهذا الامر.

في نفس الوقت، دحلان يصور نفسه على أنه الوحيد القادر من بين قادة فتح على الحديث بشكل مباشر مع حماس، رغم سمعته السيئة لدى حماس في السابق (بأمر من عرفات طلب دحلان من رجاله حلق لحى أسرى حماس في سجن غزة في منتصف التسعينيات). وفي هذا الاسبوع سمحت حماس في غزة لزوجة دحلان، جميلة، بالدخول الى القطاع واجراء نشاطات خيرية وزعت خلالها مبالغ كبيرة من الاموال.

التطورات في الضفة الغربية دفعت الاجهزة الامنية الاسرائيلية الى الاهتمام بشكل خاص. في الجيش الاسرائيلي يعمل منذ بضعة اشهر طاقم يهتم بالاستعداد لليوم الذي سيلي عباس في المناطق. اسرائيل لن تتخذ اجراء فاعلا، خصوصا عسكريا، في موضوع انتقال السلطة الفلسطينية. ولكن يجب عليها الاستعداد لسيناريوهات مختلفة منها صراع فلسطيني عنيف على وراثة عباس. وبات واضحا أن الرئيس الفلسطيني يعيش في الوقت الضائع. وقد بدأ العد التنازلي لانتهاء حكمه.

وزير الدفاع افيغدور ليبرمان صب الزيت على النار في المقابلة التي أجراها هذا الاسبوع – الاولى منذ دخوله الى منصبه في أيار – وبالتحديد مع صحيفة “القدس″ في القدس. ومن قراءة ترجمة المقابلة ومتابعة الردود، يبدو أن ليبرمان قد حقق الهدفين اللذين وضعهما وهما استعراض اعلامي واسع في اسرائيل في نهاية موسم الجفاف الطويل للأعياد وتموضعه كصوت أمني سياسي مركزي في حكومة نتنياهو (التي ينشغل رئيسها الآن في موضوع اغلاق هيئة البث العام والاستعداد لهجوم دبلوماسي محتمل من ادارة اوباما بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة).

معظم الامور التي قالها ليبرمان هي استمرار للسياسة التي وضعها عند تعيينه. فقد عاد وأكد على أن عباس “ليس شريكا”. هذا التشخيص زاد لديه على خلفية فشل الانتخابات للسلطات المحلية. ولكن التهديد القديم تجاه حماس، حول الحرب القادمة في غزة وبأنها حين تنشب ستكون “الحرب الاخيرة”، أي أنها ستنتهي باسقاط سلطة حماس، أضيفت ايضا اشارة أكثر تفاؤلا: اذا توقفت حماس عن حفر الانفاق واطلاق الصواريخ فان وزير الدفاع على استعداد لفحص اقامة ميناء ومطار في غزة، الامور التي تحفظ منها في السابق.

رغم أنه من الصعب رؤية استجابة حماس لهذا الامر – أعلن متحدثوها بعد المقابلة أن المنظمة لن تتنازل عن سلاحها – فان اقوال ليبرمان كانت رسالة للسلطة ايضا. فهو يريد العمل مع مراكز القوة في المناطق وليس مع رموز قومية بدون مضمون، كما يعتبر عباس بنظره. هذان الاعلانان هما صفعة لعباس، الذي ما زال رجال أمنه ينقذون في كل اسبوع مواطنين وجنود اسرائيليين يدخلون بالخطأ الى مناطق السلطة الفلسطينية، وأن التنسيق الامني الكثيف ساعد على تخفيف العنف في الضفة الغربية في الاشهر الاخيرة.

ليبرمان دخل الى منصبه في ظل التهديد الفارغ على حياة اسماعيل هنية (“سنقلته خلال 48 ساعة”)، الذي أطلقه قبل ذلك بوقت قصير دون أن يتخيل بأنه سيكون وزيرا للدفاع. والآن هو يتحدث عن بديل سياسي، حول الاتفاقات المرحلية العملية، استمرارا لخطة “العصا والجزرة” في الضفة التي قدمها في الصيف. الرسالة للفلسطينيين مزدوجة: أنا العنوان، صاحب البيت وأنا أتحدث معكم من فوق رأس عباس. ويمكن الافتراض بأن هذه المقابلة ايضا شكلت سببا للقلق في المقاطعة في رام الله.

دروس الموصل

في الاسبوع الثاني على المعركة على الموصل، لم تدخل بعد قوات التحالف التي تحارب ضد داعش الى داخل المدينة العراقية. الجيش العراقي من الجنوب والقوات الكردية من الشمال يتقدمون ببطء وحذر ويتوقعون مقاومة قوية، رغم أنه من المتوقع أن تنتهي الحرب بطرد داعش من المدينة.

والى أن يحدث ذلك، سيكون هناك المزيد من الدمار والقتلى المدنيين، اضافة الى الخسائر العسكرية في الطرفين. آلاف اللاجئين الذين يتمكنون من الهرب من داعش، يهربون من المدينة. ويعتقد المحللون العسكريون أن مصير الموصل لن يكون مختلفا عن مصير مدينة أصغر مثل الرمادي، التي تم تحريرها من داعش في كانون الثاني، فقط بعد إحداث الدمار الكبير. بالكلمات التي استخدمها ضابط امريكي اثناء الحرب في فيتنام، من اجل انقاذ الموصل هناك حاجة الى تدميرها.

حول المعركة في المنطقة المدنية المكتظة المليئة بالانفاق والمباني المفخخة والمخربين الانتحاريين، ينظر ايضا المهنيون الذين لا يشاركون بشكل مباشر. هكذا الى درجة كبيرة ستبدو معارك المستقبل في الشرق الاوسط: احتكاك شديد في المناطق المأهولة، حيث أن السكان المدنيين سيعلقون بين الاطراف المتحاربة ويتحولون رغم ارادتهم الى درع بشري. حزب الله ايضا، الذي يعمل بعض مستشاروه مع المليشيات الشيعية التي تساعد الجيش العراقي، يشاهد ما يحدث عن كثب، وبالتأكيد بمساعدة النيران الكثيفة التي تقوم باطلاقها القوات الامريكية في صالح المهاجمين.

يوجد لحزب الله ايضا زاوية مشاهدة قريبة على ساحة اخرى هي حصار حلب في سوريا. حيث تقوم روسيا هناك، التحالف العسكري مع نظام الاسد والمستشارين الايرانيين ضد المتمردين. وقد نشرت في تويتر في هذا الاسبوع صورة من غرفة العمليات المشتركة في حلب، ويظهر فيها عدد من قادة المليشيات المختلفة، وفي الخلفية أعلام روسيا وايران وسوريا وحزب الله. المنظمة الارهابية الشيعية أصبحت عضو مركزي في التحالف مع قوة عظمى، وشريكة فاعلة حتى لو كانت هامشية، في التحالف الذي قامت بنسجه القوة العظمى المنافسة. سيكون لحزب الله ما يتعلمه في الجبهتين.

دروس الموصل لها صلة باسرائيل ايضا، التي ستتم حروبها القادمة، اذا نشبت، في المناطق المكتظة في غزة وفي جنوب لبنان. ليبرمان الذي طلب من الجيش الاسرائيلي تعديل الخطط التنفيذية من اجل احتلال غزة، يجدر به متابعة ما يحدث في العراق. إلا أن القوى العظمى لديها أولويات غير موجودة لاسرائيل.

الساعة السياسية في الحرب التي تخوضها اسرائيل تعمل بسرعة أكبر (والدليل على ذلك هو عدم تحرك المجتمع الدولي تجاه المجزرة المستمرة التي تسببها طائرات روسيا والاسد في حلب). في حلب والموصل لن توقف صور الاطفال القتلى استمرار القصف، كما حدث في اسرائيل مرتين، في عملية “عناقيد الغضب” في قرية قانا في العام 1996، وبعد عقد في حرب لبنان الثانية. الامريكيون والروس لا يواجهون ايضا تهديد الصواريخ والقذائف على سكانهم المدنيين اثناء الحرب.

بالتوازي مع معركة الموصل يتحدث قادة في الجيش الامريكي عن الاستعداد القريب من اجل بدء معركة الرقة في شمال شرق سوريا، عاصمة الخلافة الاسلامية، التي أعلن عنها داعش. هنا ايضا يتوقع أن يُهزم التنظيم الارهابي، لكنه سيزيد من جهوده في تنفيذ العمليات في الغرب، والذي يحصل على التوجيه واحيانا التمويل من القيادة في سوريا.

لكن استيقاظ الخلايا النائمة والمخربين الافراد الذين يعملون بالهام من داعش ملائمة ايضا في البلاد، خصوصا في اوساط المواطنين العرب. وقد تم تقديم في الاسبوع الماضي لوائح اتهام ضد زوجين من سخنين تسللا الى العراق قبل سنة مع ولديهما الصغار من اجل انضمام الزوج للتنظيم كمقاتل فيها. وتركت العائلة الموصل في حزيران قبل الهجوم على المدينة، وتم اعتقالهما عند عودتهما الى البلاد.

الجيش الاسرائيلي يقلل من اهمية التهديد الحالي لداعش لأن العمل العسكري لأذرعه في الحدود الاسرائيلية، جنوب سوريا وسيناء، ليس موجها ضدنا. “الشباك” قلق بشكل أكبر لأن تأثير داعش يتسلل الى الداخل، وقد جر وراءه عشرات من العرب في اسرائيل.

زعرنة متزايدة

في الساحة الداخلية الاسرائيلية تقترب محاكمة اليئور أزاريا، مطلق النار في الخليل، من نهايتها. في 7 تشرين الثاني يفترض أن تبدأ مرحلة التلخيص في المحكمة، التي لا زالت تجذب اليها اهتمام كبير من قبل الجمهور. القناة الثانية خصصت لذلك ساعة بث خاصة في هذا الاسبوع، وفي ذروة المشاهدة، كان من الصعب التملص من هذا البرنامج الذي ظهر فيه أحد مؤيدي الجندي وهو يلاحق الصحفي امنون ابراموفيتش ويشتمه عند الخروج من المحكمة العسكرية.

في التغطية الاعلامية للحدث تم التأكيد على الفجوة بين الماضي العسكري للمتظاهر، الذي خدم في الجبهة الداخلية وصرخ على ابراموفيتش “من المؤسف أنك لم تحترق حتى الموت في الدبابة”، وبين الصحفي الذي هو من معاقي الجيش الاسرائيلي والذي حصل على وسام رئيس الاركان بسبب دوره في المعركة في حرب يوم الغفران. ولكن العنف والتهديد يرافقان هذه المحكمة منذ اليوم الاول. وتعرض الصحفيون للشتم والبصق منذ كانت الجلسات في معسكر الكستينة (ليبرمان كان في حينه عضو كنيست في المعارضة وكان يأتي للتضامن مع الجندي).

هذه الزعرنة ليست جديدة على ابراموفيتش نفسه. وعندما انتقد في صحيفة “معاريف” ادارة حرب لبنان الثانية، تعرض للاهانة والتنديد. ايضا قبل عامين، اثناء الجرف الصامد، تم تهديده عند ظهوره في الاستوديو المفتوح لشركة الاخبار قرب الكرياه.

شارون غال ايضا، الذي أشعل الغضب تجاه الجهاز العسكري منذ بداية المحكمة، شعر في هذه المرة بأنه تم تجاوز الحدود، وقام بنشر تنديد للهجوم على ابراموفيتش.

أول أمس، في اليوم التالي لبث البرنامج في القناة الثانية، كشف المدعي العسكري نداف فايسمان، مراسلة بين شاهد الدفاع الذي هو مُركز الأمن للمستوطنين في الخليل، يولي بلايخبيرد وبين أحد محامي أزاريا، المحامي ايال بسارغليك. ويتبين أن الأخير، من خلال رسالة في الواتس آب، سأل المُركز اذا كان يمكنه المساعدة في الدفاع في “القضاء على قائد الكتيبة”. ولا شك أن المحامي لم يقصد القضاء عليه جسديا، بل اسقاط رواية الجنرال ياريف بن عزرا، قائد كتيبة الخليل اثناء الحادثة.

إلا أن فايسمان الذي كما يبدو استغل سذاجة الشاهد الذي وافق على عرض الرسائل، كشف هنا مزاج ملفت. حسب النواة الصلبة لمؤيدي ازاريا، كل السبل مسموحة. الصحفي الحاصل على الوسام يجب أن يحترق، وقائد الكتيبة يمكن القضاء عليه. ما زالت العاصفة حول ازاريا مستمرة. واذا انتهت المحاكمة بالادانة – وهذه النتيجة تبدو واقعية بناء على النقاشات – فان العاصفة ستزداد.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى