عودة مصر حميدي العبدالله
لا شك أنّ مواقف مصر، منذ سقوط حكم الإخوان المسلمين، شهدت تحوّلاً واضحاً. تجسّد هذا التحوّل في البداية بوقف مساهمة مصر في إذكاء الحروب على خلفيات لا يمكن أن تخدم وحدة شعوب المنطقة وتصبّ في مصلحة العدو الصهيوني والولايات المتحدة، وكان من أبرز شواهد هذا التحوّل الموقف الرسمي المصري مما يجري في سورية، حيث أصرّ نظام الحكم الجديد الذي كان ثمرة الثورة المصرية الثانية في 30 حزيران/ يونيو على ضرورة اعتماد الحلّ السياسي للأزمة في سورية، وعدم الاستجابة لطلبات دول حليفة لمصر مثل المملكة العربية السعودية التي كانت تريد من مصر انخراطاً واضحاً لمصلحة العمل على إسقاط نظام الحكم في سورية.
وإذا كانت مصر في السنتين الأخيرتين سعت لتبني مواقف قائمة على مبدأ التوفيق بين موقفها الجديد من الحرب على سورية، وبين مراعاة متطلبات حلفائها ولا سيما السعودية، إلا أنّ مجموعة من التطورات ساهمت في تطوّر الموقف المصري ولا سيما في الفترة الأخيرة وصولاً إلى توجيه دعوة لرئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك لزيارة القاهرة، وتمخض عن الزيارة اتفاق على تنسيق المواقف السياسية والأمنية بين البلدين.
من بين أهمّ التطورات التي دفعت مصر الرسمية لتطوير مواقفهما من الحرب على سورية، أولاً قناعة القاهرة بأنّ الجماعات التي تقاتل الدولة السورية وتسعى إلى إسقاطها هي ذاتها الجماعات التي تسعى الآن لإسقاط الدولة المصرية وضرب الاستقرار في أرض الكنانة. والمقصود هنا جماعة الإخوان المسلمين وبعض التشكيلات السلفية الوهابية، بما في ذلك التنظيمات التابعة للقاعدة وداعش. وثمة مصلحة ترتبط بالأمن القومي المصري تفرض على القيادة المصرية التعاون مع سورية.
وثانياً وصول القيادة المصرية إلى قناعة بأنّ حكومة المملكة العربية السعودية، لم تقم بأيّ جهد يوازي ما كان عليه الحال في عهد الملك عبدالله لدفع قطر لتغيير موقفها من مصر، بل أكثر من ذلك سعت السعودية إلى تعزيز علاقاتها مع تركيا التي تشكل الدولة الأكثر نشاطاً في دعم جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمات القاعدة، إضافة إلى أنّ السعودية في ضوء دعمها للجماعات الإرهابية في سورية والعراق، ودخولهما بمغامرة الحرب على اليمن، وما ترتب على ذلك من استنزاف كبير لقدراتها مع تراجع عائدات النفط، لم تعد بوضع قادر على تقديم المعونات المالية الكافية لإخراج الاقتصاد المصري من أزماته.
وثالثاً التحوّلات الميدانية في سورية لصالح الجيش السوري، ولا سيما بعد مشاركة روسيا في الحرب على الإرهاب، حيث بات إسقاط الدولة السورية أكثر من حلم.
هذه التطورات مجتمعة ساهمت في تعزيز التحوّل في السياسة المصرية بعيداً عن الانخراط في حروب الفوضى والتفكك التي فجرها التحالف الغربي في المنطقة.
(البناء)