بقلم غالب قنديل

الكانتونات التلفزيونية في لبنان

غالب قنديل

تتحول بعض المناطق اللبنانية إلى كانتونات تلفزيونية يقرر فيها موزعو الكابلات ما هو المسموح والممنوع على الناس مشاهدته من القنوات والبرامج التلفزيونية وهكذا مثلا تمنع قنوات لبنانية وعربية في العديد من المناطق ويمارس بعض الموزعين ابتزازا ماليا على جميع شركات البث التلفزيوني مقابل تمكين المواطنين من متابعتها وأي دراسة علمية تكشف عن سلطة خفية تتحكم بما يصل بيوت اللبنانيين من بث تلفزيوني بواسطة الاشتراكات عن طريق الكابلات المستمرة في العمل كأمر واقع وفي ظل تعطيل الخطة الوطنية للبث التلفزيوني الرقمي ومع غياب أي رقابة فعلية للدولة على محتوى ما يوزع من مواد تلفزيونية ومن خدمات بواسطة شبكات عشوائية تجتاز أسطح المباني وتنتهك أعمدة الكهرباء والهاتف او بواسطة شركات نالت ترخيصا موقتا باستعمال ترددات معينة لتوزيع خدمات إعادة البث لا يعطيها حق الاستنساب في محتوى ما تبثه الأمر الذي يفترض ان يكون خاضعا لإذن مسبق ولرقابة لاحقة كما هي الحال في الدول التي تحترم حقوق مواطنيها وذوقهم العام.

يتمادى مالكو مجموعات الكابل غير المرخصة في انتهاك حقوق المواطنين بالمعرفة والاطلاع وبتلقي بث جميع القنوات التلفزيونية المتاحة للمشاهدين على قاعدة المساواة وهم يتصرفون استنسابا بحجب مؤسسات إعلامية لبنانية مرخصة وقنوات عربية عديدة عن بعض المناطق بحسابات سياسية وحزبية بينما يشرعون شبكاتهم لقنوات خلاعية وافدة ولبث إباحي خاص يفترض ان يكون مشفرا وغيرمفتوح كما توزع تلك الشبكات قنوات تكفيرية مذهبية ومن المفترض ان  تمنع تلك البرامج جميعا من إعادة البث في لبنان حماية لأخلاقيات الناشئة وحرصا على الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني في البلاد ولتحصين المجتمع اللبناني ضد الفتنة والتحريض المذهبي والطائفي وسبق ان جرى التحذير من هذه الظواهر الخطيرة بينما تلقى المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع شكاوى متكررة عن حجب قنوات المستقبل والجديد والمنار وmtv والميادين والعربية والفضائية السورية وسواها في العديد من المناطق اللبنانية وتلك أفعال وجرائم تمس حقوق المواطنين وهي اعتداء مباشر على صلاحيات هي حصرا من مسؤوليات الدولة ومؤسساتها يغتصبها موزعو الكابلات الذين يبيحون بالمقابل قنوات الخلاعة والتكفير فإذا بهم سلطات امر واقع في كانتونات تلفزيونية تمارس جباية غير مشروعة وتنتهك مرافق عامة.

إن هذه المجموعات التي تستعمل مرافق عامة وبلدية بصورة غير شرعية ومن دون مقابل تراكم أرباحا غير مشروعة في ظل التغاضي الرسمي المتواصل منذ صدور قانون الإعلام المرئي والمسموع عام 1994 بدافع مراعاة البعد الاجتماعي لكنها في الواقع تستغل تقصيرات الدولة وإهمالها لتجني مبالغ طائلة من غير رقيب او حسيب وهي تتحكم بتحديد ما يشاهده المواطنون وما لا يشاهدونه تبعا لتحزب مالكيها واهوائهم .

لم تهتم الحكومات السابقة بهذه المعضلة سوى عندما تحركت لتدفيع الموزعين اموالا لشركات البث السعودية والخليجية ولشركات التوزيع الأميركية فحركت النيابات العامة والقوى الأمنية لجلب الموزعين إلى قصور العدل ولإلزامهم بتوقيع تعهدات تحولت إلى مبالغ مالية تدفع بانتظام لشركات غير لبنانية كبدل لإعادة البث في لبنان وهي بقوة الأمر الواقع معفاة من الرسوم والضرائب وبلا مرجعية قانونية او إدارية لكونها تنفذ من خلال مؤسسات غير مرخصة وغير قانونية فضلا عن كونها معتدية على المرافق العامة ويتوجب قانونا ان تزال انتهاكاتها وفقا للقوانين والأعراف.

سبق لمجلس الوزراء ان اتخذ قرارا بتنفيذ خطة وطنية لإنشاء شبكة عامة للبث التلفزيوني الرقمي عامودها الفقري تلفزيون لبنان وما تزال معلقة ومتعثرة منذ سنوات وهي تضمنت تدابير وإجراءات تضع حدا للفوضى التي تفاقمت نتائجها الضارة والتخريبية التي تنتهك الحريات الإعلامية العامة وتهدد السلامة العامة والوحدة الوطنية.

في معظم دول العالم تملك الدولة شبكات البث الأرضية التلفزيونية الرقمية التي تعتبر مرفقا سياديا وحيث يرخص لشركات خاصة بهذه الخدمات تلزم تلك الشركات بأصول وقواعد صارمة أقلها إلزامية التوزيع المجاني للقنوات الوطنية وفرض رسوم على إعادة بث القنوات غير المحلية وهو ما يمكن ان يمول صندوقا لدعم تلفزيون لبنان والقنوات المحلية لتعويض المنافسة غير المشروعة المتواصلة لأكثر من عشرين عاما.

يعيش اللبنانيون في كانتونات تلفزيونية فتبعا للهوية الحزبية لمالكي مجموعات الكابل تحجب بعض المحطات اللبنانية المرخصة وبعض القنوات التي تبث من لبنان وقنوات عربية عديدة.

يبقى الحل الجذري وضع خطة البث الرقمي التلفزيوني موضع التنفيذ كما صدرت عن مجلس الوزراء وتاهت في مماطلة وتاجيل وعرقلة لا تخدم سوى مصالح المتحكمين بالخدمات التلفزيونية غير الشرعية الذين راكموا ثروات كبيرة واستثمروا خارج الأصول القانونية المغيبة وفتحوا البلد على كمية كبيرة من الأخطار وفرضوا منافسة غير مشروعة على الإعلام الوطني اللبناني لحساب قنوات يوزعونها فتحصد حصة كبيرة من موازنات الإعلان المخصصة للبنان على حساب التلفزيونات المحلية المتعثرة والمستنزفة وغير المحمية نهائيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى