مقالات مختارة

نتنياهو يمس بجميع المنظمات الحقوقية والإنسانية والاعلامية: بن كسبيت

 

       من حظ رئيس الوزراء انه يكون هناك دوما من يتيح له العودة الى الساحة المريحة له كدرع الشعب اليهودي وحامي اسرائيل على أجيالها. في كل مرة يعلق فيها في مشكلة يكون هناك من يتيحون له ان يضفي على نفسه تلك المسحة، التي يؤدي بها على أي حال غايته الحقيقية ومهامة حياته. وفي نهاية هذا الاسبوع كان هؤلاء الكسالى الاستعماليون هم اليونسكو و “بتسيلم”. فقد عطل نتنياهو للحظة مفاوضاته المكثفة مع اسحق هرتسوغ والتي في اطارها وافق على تفاهمات بعيدة المدى في المجال السياسي، بما في ذلك تجميد البناء، وعاد ليكون بيبي: هجوم غاضب على اليونسكو، وتسخيف غاضب على “بتسيلم”، “المنظمة الهاذية” على حد قول بيبي “التي تحاول أن تحقق من خلال الاكراه الدولي ما فشلت في تحقيقه بالطريق الديمقراطي”.

نبدأ بـ “بتسيلم”: ما قاله مدير عام “بتسيلم” حجاي العاد امام مجلس الامن هو أنه يجب وقف الاحتلال الاسرائيلي في المناطق. ويخيل لي أنه يمكن ان نجمع على خطاب العاد تواقيع كل أعضاء مجلس الامن، بما في ذلك الولايات المتحدة على أجيالها. كل اوروبا أيضا، بل وكل افريقيا، ناهيك عن آسيا. كل العالم بأسره جسر ضيق وهاذٍ جدا، يحمل ذات الرأي الغريب الذي يقول ان اسرائيل تتحكم منذ خمسين سنة بشعب آخر. لعلم نتنياهو: يمكن للمرء أن يكون مواطنا اسرائيليا مخلصا ومحترما للقانون، وان يقول هذا الرأي في الخارج ايضا. ثمة غير قليل من الاسرائيليين الذين يفكرون هكذا. هذه هي الديمقراطية. اذا ما غيرنا زاوية النظر من وطنية الى دولة، فان الهاذي هنا هو دولة اسرائيل، التي توجد في عزلة لامعة امام عالم كامل يتبنى باجماع نادر في أن الفلسطينيين يوجدون تحت الاحتلال.

كل ما قاله نتنياهو في موضوع الفلسطينيين، صحيح وحقيقي ومستقر. هم بالفعل لم يفوتوا أي فرصة لتفويت الفرص. وهم يردون علينا بالسوء مقابل الجميل، هم يقتلون وبعضهم لا يريد السلام ويفضلون القاءنا الى البحر. كل هذا لا يغير الحقيقة الاساس في أنه يوجد هنا شعب محكوم من شعب آخر، نقطة. زعيم جدي لا يهرب من هذه الحقيقة، بل يحاول مواجهتها وايجاد حلول لها. تجميد البناء خلف الكتل الاستيطانية، مثلا، هو فعل لا يمس بأمن اسرائيل، ولكنه يثبت صدقها في طرح حل الدولتين.

انا مؤيد صغير جدا لـ “بتسيلم”. هم افضل من “نحطم الصمت” التي تركز معظم عملها في الخارج، ولكن ليس لي ظل من شك في أنهم اسرائيليون، صهاينة يؤمنون بكل قلوبهم بانهم يعملون من أجل مستقبل اسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. جدالي مع “بتسيلم” وأمثالها هو أنه في نمط العمل هذا يفقدون الجمهور، يجعلون الشعب يملهم ويحققون هناك اقل بكثير مما يخسرونه هنا. هذا جدال تكتيكي في أساسه. لهم الحق في أن يقولوا رأيهم في كل مكان، وان يتطلعوا ايضا لان يتدخل العالم وينقذ اسرائيل من نفسها. هذه ليست خيانة.

ما يفعله نتنياهو يمس بشرعية هذه المنظمات، بالضبط مثلما يمس هو بشرعية الصحافيين الذين ينتقدونه. هذا تحريض، وبالتأكيد من شأنه في هذه الاجواء ان يكون خطيرا. من يتابع الشبكات الاجتماعية أو يتلقى البلاغات الالكترونية، الرسائل الالكترونية وباقي التهديدات من اليمين، يعرف بان احد الادعاءات التي تطرح الان ضد الاعلام النقدي هو على مجرد حقه في انتقاد شخصية تاريخية كبنيامين نتنياهو. عندما ينتقل النقاش الى مجرد الشرعية، فان المنزلق يصبح سلسا أكثر من أي وقت مضى. ففي موعد ما، عندما يقتل احد ما من “بتسيلم” او “نحطم الصمت” او صحافي، سيسارع نتنياهو الى غسل يديه من الذنب، بالضبط مثلما فعل بعد اغتيال رابين. ففي حينه ايضا كان على رأس المحرضين. وفي حينه ايضا حذرته، صراحة، محافل رسمية واناس في قيادته هو على حد سواء. في حينه أيضا استخف بالتحذير وفر بعد ذلك من المسؤولية.

بضع كلمات عن اليونسكو: الهجوم الغاشم على هذه المنظمة البائسة هو ذروة جديدة من حالة اسرائيل المثيرة للشفقة. فاليونسكو لم تقرر شيئا في نهاية الاسبوع. اليونسكو هي منظمة تفعل الامور، واسرائيل تحظى بالتعاون معها في مشاريع عديدة، مثمرة ومجدية لمنفعة كل الاطراف. من اتخذ القرار السخيف كان 24 دولة، في التصويت. من عارض كان 6 دول. اين اختفى تبجح نتنياهو الذي لا ينتهي مع الاعلام عن تحطم الاغلبية التلقائية ضد اسرائيل؟ اين كتل الدعم الجديدة التي تبلورت في صالحنا؟ الحد الاقصى الذي نجحنا في عمله هو أن نقلنا بضع دول اوروبية من التصوت مع الى الامتناع. تصفيق حاد. ليس لقرار اليونسكو أي تأثير، أهمية او أي نتائج. وهو لا يشبه الاعلان اياه في الامم المتحدة عن الصهيونية كعنصرية. وعليه فان هجوم نهاية الاسبوع، يخدم مرة اخرى، الهدف الاسمى لنشر ستار من الدخان والرمال في عيون الجمهور بمثابة الجميع لاساميون وبيبي وحده سينقذنا منهم.

في هذه الاثناء، وبينما يواصل شتم الامم المتحدة وسب “بتسيلم” ويطالب بتمديد لنصف سنة اخرى لاخلاء عمونة، فقد أدار ويدير نتنياهو مفاوضات طويلة، شاملة ومضنية مع اسحق هرتسوغ، في اطارها وافق، اكثر من مرة واحدة، على حد قول اكثر بكثير من شاهدين (من عدة قوميات) على تجميد البناء في المناطق، خلف الكتل، دون تاريخ انتهاء نفاد. في كل مرة يصل فيها الى هذا التوافق، ترتعد فرائصه ويفقد وجهه الدماء ويفزع ويندم ويفر – وإن كان في أعماقه يعرف بنيامين نتنياهو بان هذا هو الفعل الذي من الصحيح عمله. في هذه التوافقات، يتخلى ايضا في الواقع عن البيت اليهودي في صالح المعسكر الصهيوني، قرار استراتيجي هام، ضروري، هدفه منعنا جميعا من أن نصبح هاذين. ولكن في هذا الموضوع، بخلاف التهجمات على اليسار والاعلام، ليس لدى نتنياهو الشجاعة اللازمة كي ينتقل من الاقوال الى الأفعال.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى