بقلم غالب قنديل

حزب الله وترشيح العماد عون

غالب قنديل

قدم حزب الله في موقفه من الاستحقاق الرئاسي امثولة غريبة عن التقاليد اللبنانية المعروفة من خلال الالتزام السياسي والأخلاقي بتبنيه لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ورغم الوضوح الشديد لهذه الحقيقة في خطب السيد حسن نصرالله وسائر المتحدثين باسم الحزب يصمم رواد المستنقعات السياسية على محاولات الصيد في المياه العكرة .

أولا في وسائل الإعلام عشرات الروايات والتقارير التي تشكك في جدية موقف الحزب بلغة تحريضية غايتها دق الأسافين بين المقاومة وحلفائها وداعميها بحيث يوزعون أهدافهم بين حليفي حزب الله : التيار الوطني الحر وحركة امل والامر الفاضح هو ان تلك الحملات تقول الشيء وعكسه فبينما توحي للعونيين بأن حزب الله ليس جديا في ترشيح الجنرال لأنه لم يرغم الوزير سليمان فرنجية على الانسحاب ولم يكره الرئيس نبيه بري على تبني ترشيح عون تردد الجهات نفسها معلومات عن خلافات تعصف بتحالف الثامن آذار حول الموقف من الانتخابات الرئاسية وتوزع منتجات الحرب الإعلامية معلومات عن قطيعة بين الحزب والمردة وتوتر بينه وبين حركة امل .

لم تتوقف تلك الحملات بعد خطاب السيد نصرالله الأخير ويبدو أصحابها مصممين على قول الشيء ونقيضه فهم من جهة يعتبرون الحزب غير جدي في ترشيح عون ومن جهة ثانية يؤكدون ان الحزب يخسر حليفين مهمين لأنه يتمسك بهذا الترشيح .

ثانيا بالمعيار السياسي يحق لحزب الله اعتبار انتقال الرئيس سعد الحريري وكتلته إلى دعم ترشيح العماد ميشال عون حين يحصل انتصارا سياسيا كاملا للحزب ولأمينه العام الذي سبق ان كشف معلومات عن تبني الحزب لترشيح الجنرال قبل حرب تموز 2006 وأنه أبلغ القرار لجميع الحلفاء ومعلوم ان العماد عون تخلى طوعا عن ذلك الترشيح في مؤتمر الدوحة تسهيلا للوفاق الذي أفضى لانتخاب العماد ميشال سليمان والذي خرج مؤخرا يتحدث عن اعتبار تسمية الرئيس بالتوافق تعيينا وكان الأوجب عليه ان ينتقد نفسه على الأقل لقبوله المنصب عبر تلك الآلية نفسها.

بعد تلك التجربة ومع تأكيد العماد عون لترشحه ترسخت قناعة الحزب بدعم خياره للاعتبارات السياسية والأخلاقية المعروفة وكل الكلام عن جدية هذا الموقف لا قيمة له طالما لم يعلن الرئيس الحريري قراره النهائي لتنطلق عملية التعامل الانتخابي والسياسي مع الاستحقاق.

ثالثا إن نهج حزب الله في التعامل مع حلفائه مبني على مبدأ احترام الخصوصيات وتقدير التباينات التي ظهرت غير مرة في مواقف حلفائه الذين لم يوجه إليهم حزب الله أي طلب خاص يتعارض وتقديراتهم أومصالحهم الخاصة بأي منهم ولطالما تحاشى حزب الله إحراج الحلفاء والشركاء في الثامن آذار وهكذا اتخذ قراره منفردا بالقتال ضد الإرهاب التكفيري في سورية وعلى الحدود اللبنانية الشرقية ولم يلزم احدا ولم يطلب تغطية سياسية من احد وهذا ما يعرفه الجميع بدون استثناء وقد صدرت عن العديد من حلفاء الحزب مواقف مخالفة له ومتمايزة عنه تراعي دولا انخرطت في الحرب على سورية كالمملكة السعودية وقطر وتركيا ولا تتبنى منطق المقاومة بكليته وبجذريته في التعامل مع الخطر التكفيري الذي يهدد لبنان حتى اليوم وقد اكتفى بعض الحلفاء بالكلام عن التصدي لهذا الخطر ضمن حدود منطق النأي بالنفس الذي أدخله إلى لبنان ورغم ما يجمعهم من علاقات بسورية وبالقيادة السورية لم يبلغوا درجة المشاركة في القتال إلى جانب حزب الله باستثناء الحزب السوري القومي الاجتماعي ولم يتعاملوا مع الحرب على سورية بوصفها عدوانا استعماريا تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها.

وعندما انطلق العدوان السعودي على اليمن اظهر بعض أطراف الثامن آذار مواقف مناقضة لما أعلنه حزب الله بوضوح وبدون مسايرة لأي كان بهدف كسر جدار الصمت على مذبحة متمادية ضد شعب شقيق يقتل بدم بارد وبلد عريق يحرق ويدمر على مرأى العالم ولم يفسد ذلك أبدا علاقة الحزب مع حلفائه الذين افترقوا عنه بل سادت لغة الحوار الصريح والنقاش المبني على الاحترام من غيرانفعال او ارتجال.

رابعا إن دعوة السيد نصرالله للعماد ميشال عون لفتح خطوط الحوار والتشاور مع سائر الأطراف والقوى المعنية بالاستحقاق ولاسيما مع الرئيس نبيه بري والوزير سليمان فرنجية هي الطريق الطبيعي لتوليد تفاهمات تسهل انطلاق عهد الرئيس ميشال عون دون عقبات وتنطلق أصلا من الثقة بقدرة الجنرال وبإيمانه بالسير إلى تفاهم وطني يشمل الجميع لتحصين الرئاسة الأولى بالإلتفاف المنشود الذي يعطيها القوة والفاعلية ويمنع تحول الرئيس إلى رهينة سياسية مكبلة .

لقد سبق ان خاض التيار الوطني الحر تجربة التفاهم مع حزب الله ثم توصل إلى إعلان مشترك مع القوات اللبنانية وهو يسعى إلى تفاهم مع المستقبل فما هو المانع من التفاهم مع سائر القوى والكتل الكبرى اما السؤال عن دور حزب الله فهو قائم ومستمر في سعيه لتحطيم جدران الجليد لكن المبادرة مطلوبة من مرشحه الرئاسي وفريقه .

لكن يخطيء من يتوهم أن حزب الله يستطيع أو يريد جر أي من حلفائه إلى خياره عنوة والدليل البسيط الذي يفترض أن العونيين يعرفونه هو موقف حزب الله من تفاهمهم مع القوات التي يثابر رئيسها على مهاجمة المقاومة ويتلفظ مثله مثل الرئيس سعد الحريري بأبشع كلمات التحريض ضدها وضد سورية فهل طلبت قيادة حزب الله من قيادة التيار الوطني الحر يوما تعليق تفاهمها مع القوات او مع المستقبل على تعديل لغتهما واشتراط سحب افتراءاتهما ضد حزب الله او سورية ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى