مقالات مختارة

سلوك نتنياهو وعباس لا يلحق فقط ضررا في المدى القصير: براك ربيد

 

العصف العاطفي الذي نشب في أعقاب قرار اللجنة الادارية لمنظمة اليونسكو في موضوع القدس كان متوقعا، ولكنه فاجأ بقوته وبحجمه. فقد ضخم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكثيرون آخرون في الائتلاف قليلا معاني القرار لاغراضهم السياسية الداخلية، ولكن قسما لا بأس به من الغضب في اسرائيل وفي الجاليات اليهودية في ارجاء العالم على أن القرار وصف جبل البيت ومحيطه وفقا للرواية الاسلامية فقط وادخل بين هلالين الاسم العبري “الكوتل الغربي”، كان أصيلا ومبررا.

ومما كان غير مفاجيء نشرت المديرة العام لليونسكو، ايرينا مكوفا بيانا طويلا ومفصلا انتقدت فيه بشدة القرار الذي أيدته 24 من الدول الاعضاء في اللجنة الادارية لليونسكو. وبلغة دبلوماسية، ولكن واضحة، هاجمت مكوفا دوافع الدول التي بادرت، دفعت وايديت القرار. “فنفي، اخفاء او شطب التقاليد اليهودية، المسيحية او الاسلامية في القدس يقوض وحدة المدينة”، اشارت مكوفا وشددت على أن المسجد الاقصى أو الحرم الشريف بالنسبة للمسلمين هو جبل البيت بالنسبة لليهود.

قرار اليونسكو هو مثال آخر على التدهور الخطير في العلاقات بين اسرائيل وبين الفلسطينيين منذ دخول بنيامين نتنياهو مكتب رئيس الوزراء في العام 2009. بشكل طبيعي يحب نتنياهو أن يعزو لنفسه كل نجاح في الساحة الدولية. ولكن عندما تكون اخفاقات سياسية كهذا فانه لا يسارع الى اخذ المسؤولية. من هذه الناحية تكون هذه نتيجة قوة عليا أو مجرد لاسامية.

غير ان القرار كان مصيبة معروفة مسبقا. فبذور الشغب غرست في تشرين الاول 2011، عندما قبل الفلسطينيون كدولة عضو في اليونسكو. والسبب الاساس في أن الفلسطينيين قرروا هجر المفاوضات والعمل من طرف واحد في مؤسسات الامم المتحدة في تلك السنين كان نتيجة عدم ثقة عميقة من جانبهم بنتنياهو وبجدية نواياه تجاه المسيرة السلمية. في واقع سياسي مختلف بين اسرائيل والفلسطينيين يحتمل أن تكون الامور تتخذ مظهرا آخر.

ليس صدفة انه عندما أدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مفاوضات مع رئيس الوزراء في حينه ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية في حينه تسيبي لفني في عامي 2007 – 2008 فانه لم يعمل بل وعارض بشدة كل خطوة في الامم المتحدة وتمسك بالمحادثات المباشرة. اما عندما سمع عباس من نتنياهو في ايلول 2010 بانه يرفض البحث في موضوع الحدود وانه حتى اذا قامت دولة فلسطينية، فان قوات الجيش الاسرائيلي ستبقى في اراضيها على مدى 40 سنة على الاقل، استنتج بانه لا يوجد مع من يمكن الحديث وانتقل الى خطوات في الامم المتحدة.

تشير المواجهة حول قرار اليونسكو ايضا الى نقلة مقلقة جدا في خطاب القيادة الاسرائيلية والقيادة الفلسطينية بالنسبة للمسيرة السلمية. فمنذ بداية مسيرة اوسلو في مستهل التسعينيات وحتى مسيرة أنابوليس في 2008 تركز المفاوضات بين الطرفين على محاولة ايجاد حل عملي لنزاع سياسي – اقليمي بين الشعبين وليس الانجرار الى نقاش ثيولوجي، تاريخي او ديني.

ولئن كانت الروايات التاريخية والدينية في الماضي من خلف الكواليس أو أدت دورا هامشيا في النزاع، ففي عصر نتنياهو وعباس رفعت القيادتان عن وعي هذه المسائل القابلة للانفجار الى مركز الساحة. فبدلا من الحديث عن الحدود، الأمن والحلول العملية لمسائل مثل اللاجئين والقدس، أدار نتنياهو وعباس جدالات على أحداث وقعت قبل 3 الاف سنة، على روايات وطني وعلى معتقدات دينية.

منذ 2009 وبقوة اكبر في السنتين الاخيرتين كان خطاب القيادة الاسرائيلية والفلسطينية خطابا يؤدي الى حرب دينية. والمفارقة هي أن نتنياهو وعباس على حد سواء يدفعان الى هناك رغم أنهما ليسا متدينين. فنتنياهو علماني تام ويفهم جيدا بان النزاع هو سياسي وقابل للحل. فالاتفاق الذي وقع عليه ونقل فيه السيطرة على الخليل مدينة الآباء والاجداد الى الفلسطينيين هو مثال بارز على ذلك. نماذج مشابهة يمكن ان نجدها ايضا بالنسبة لعباس. ولكن منذ 2009 يركب الرجلان على هذا النمر.

ان الخطاب الذي يتطور في حراستهما هي خطاب لعبة مجموعها الصفر حيث يتحدث الطرفان عن إما نحن أو هم، حيث انه واضح للجميع بان كل حل سيكون حلا يكون فيه نحن وهم على حد سواء. ان سلوك نتنياهو وعباس هذا لا يلحق فقط ضررا في المدى القصير من حيث انعدام الحل السياسي بل وايضا يلحق ضررا بعيد المدى في الرأي العام بين الطرفين. اذا كان النزاع هو على العدالة، التاريخ والدين فان الحجج في الطرفين تصبح اقل عقلانية والحل الوسط يصبح ذي صلة أقل.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى