بقلم ناصر قنديل

انتصار إيراني دبلوماسي 4+4

ناصر قنديل

– عندما نضجت شروط السعي لحلّ تفاوضي حول الملف النووي الإيراني ببلوغ إيران قدرة تخصيب لليورانيوم فوق مستوى 20 بطاقة خمسة كيلوغرامات شهرياً، ما يعني تقليص المدة اللازمة في الحسابات الأميركية لقدرة امتلاك ما يكفي لتصنيع أول قنبلة إيرانية من سنوات إلى أشهر، أدركت الدبلوماسية الإيرانية نقطة قوتها التفاوضية، كما أدركت أنّ أيّ تفاوض سيشترط عليها وقف التخصيب على هذه النسبة المرتفعة، فرسمت لحركتها الدبلوماسية محورين، الأول ربط التفاوض بسقف زمني كي لا يصير تفاوضاً للتفاوض يحرمها من التقدّم في ملفها النووي ويطمئن خصومها بوقفها للتخصيب «المزعج»، والثاني التوقف بالتفاصيل الدقيقة أمام تركيبة الهيئة المفاوضة، التي رست على صيغة الخمسة زائداً واحداً، بعدما فرضت إيران عدم إضافة أيّ دولة إقليمية، خصوصاً تركيا والسعودية، سواء تحت شعار دول الجوار، أو الدول الإسلامية، أو دول الخليج المشاطئة لإيران ومفاعلاتها، فولدت صيغة الخمسة زائداً واحداً، وحدّدت مهلة التفاوض بسنة انتهت بالفشل مرتين، وأكملت إيران تطوير برنامجها النووي وأجهزة الطرد المركزي لديها، حتى كانت السنة الأخيرة التي مدّدت لسبعة شهور وانتهت بتوقيع التفاهم.

– بلغ الوضع في سورية مرحلة شبيهة بتلك التي بلغها الملف النووي الإيراني مع دخول عامل الزمن في دفع الغرب والخليج لحساب مخاطر إدارة الظهر في ظلّ غياب القدرة على وضع البديل العسكري فوق الطاولة جدياً، والكلام التصعيدي عن خيارات بديلة وتهويل بالحرب، خبرته إيران من قبل مع ملفها النووي، وسكين الحسم العسكري يقترب من رقاب الجماعات المسلحة التي يموّلها ويشغلها كلّ من السعودية وتركيا وقطر، خصوصاً في شرق حلب، سواء لأهمية حلب المجمع عليها، أو للرمزية التي تمثلها في قلب الحرب السورية، هذا عدا عن المصير الصعب الذي ينتظر هذه الجماعات المسلحة في جنوب سورية ووسطها مع الانهيارات التي تصيب مواقعها في كلّ مكان، لذلك توقفت الدبلوماسية الإيرانية أمام الدعوة إلى اجتماع لوزان ببراعة وحنكة تنطلقان من خبرة طويلة بفنون التفاوض من جهة، وإدراك لموازين القوى من جهة أخرى، وتوقفت أمام حساب وقوفها مقابل السعودية وتحييد تركيا وقطر وتشجيعهما لدور الوسط، فيما تقف روسيا مقابل أميركا أو تقفان معاً كمدير للتفاوص. ولما تداعت السعودية وقطر وتركيا لاجتماع خليجي تركي خرج بمواقف تصعيدية حول الوضع في سورية وعدائية تجاه إيران رمت الدبلوماسية الإيرانية في وجه الأميركي والتركي والسعودي والقطري قرارها بمقاطعة الاجتماع الذي تدرك أنه يفقد قيمته بغيابها، ونصفه مصمّم لجمعها مع السعودية، سواء حول سورية أو سائر ملفات الصراع في المنطقة.

– استلهمت إيران صيغة خمسة زائداً واحداً وتقدّمت بشرط للعودة إلى المشاركة بأن تضمّ مصر والعراق إلى لائحة المدعوين، فأسباب مشاركتهما أكبر بكثير من مشاركة سواهما. العراق الجار العربي الأهمّ لسورية، والحرب على الإرهاب شراكة بينهما، ومصر الدولة العربية الأكبر، وصاحبة مبادرة جمع المعارضة في القاهرة قبل المبادرة السعودية في الرياض، وللعراق ومصر قيمتهما المضافة، بوقوفهما المختلف عن الضفة التركية والسعودية، طالما أنّ قطر مستدعاة لاكتمال الزينة الخليجية، كوسيط علني مع تنظيم القاعدة، فمصر سبب إزعاج لكلّ من السعودية وتركيا، وتوازن معهما، بما يكفي، فهي لم تتصالح مع تركيا وتراها خطراً على أمنها. وهي تبتعد عن السعودية ويقع الطلاق السياسي والمالي بينهما مع تبني مصر لسياسة مستقلة في شأن سورية ترجمها حضور الرئيس المصري لاجتماع مجلس الأمن وتحدّثه عن علاقة مصر بطرفي النزاع السوريين حكومة ومعارضة، ودعوته لتمثيل متوازن وشامل للمعارضة عبر مؤتمر القاهرة، وتتويج ذلك بالتصويت المصري إلى جانب مشروع القرار الروسي وما جلبه من غضب سعودي. والعراق قطع شوطاً في مواجهة السياسات السعودية والتركية يجعله في مكان ومكانة تكفيان للغضب السعودي والتركي، وحجم العراق وحجم مصر في عيون الروس والأميركيين لا يقلّان عن حجم كلّ من تركيا والسعودية.

– هندست إيران مشهد طاولة التفاوض بتحييد وزن روسيا وأميركا بسبب التعادل والتفاهم، وبحصر التفاوض بينها وبين السعودية، والعراق نصير للموقف الإيراني بلا جدال، كما قطر نصير للموقف السعودي، مع فارق القدرة والقوة والأهمية، وتركيا ومصر في سباق على دور الوسط، فإنْ أعلنت تركيا انحيازها للسعودية فازت مصر بجائزة الدور المنوط بلاعب الوسط، وإنْ تعقّلت تقاسمت تركيا ومصر هذه الجائزة، فيكون التفاوض روسياً أميركياً إيرانياً سعودياً، وأدوار تقابلها للأربعة الآخرين تركيا ومصر العراق وقطر، ولأنّ الحساب الإيراني مبني على الدقة والحنكة وافقت واشنطن على الشرط الإيراني، وموسكو ترحّب بالتأكيد، فولد إطار أربعة زائداً أربعة، كانتصار للدبلوماسبية الإيرانية، يمكن أن يتحوّل إلى إطار يواكب أزمات المنطقة وصناعة التسويات فيها، أسوة بلقاء خمسة زائداً واحداً الذي صار إطاراً للأزمات الدولية وليس للملف النووي الإيراني فقط، بصورة تمنح لقاء الخمسة زائداً واحداً صفة مرجعية النظام العالمي الجديد، ومعها إيران، وتمنح لقاء الأربعة زائداً أربعة صفة مرجعية النظام الإقليمي الجديد ومعها سورية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى