مقالات مختارة

فصائل الشمال السوري: إغراء.. اندماج.. وفتنة! عبد الله سليمان علي

 

لم يُحرج التورطُ الأميركي والتركي في شمال حلب الفصائلَ المُسّلحة فحسب، بل بات بعد تصاعده يُهددُّ بقلب المعادلة التي كانت تحكمُ العلاقة بين هذه الفصائل، معيداً إياها إلى مُربّع الاقتتال.

مساعي الاندماج انهارت على خلفية الفتاوى المتباينة حدّ التناقض بخصوص الموقف من القتال مع التركي أو الأميركي. واندلاع الفتنة بين «جند الأقصى» و«أحرار الشام» ليس بعيداً عن التأثر بهذه «النازلة» كما أسماها بعض المفتين، ناهيك عن حديث بعض النشطاء أن هذه الفتنة جاءت نتيجة إيحاءاتٍ خارجية صريحة. أما التسريباتُ الأخيرة حول قرب الاندماج بين ثلاثة فصائل كبرى أيّدت كلٌّ منها عمليةَ «درع الفرات»، وحثّت على المشاركة فيها، فتُشّكل دليلاً قاطعاً على أن الغزو التركي بمشاركة أميركية، هو محور كل هذا التخبط الذي تعيش الفصائل في ظلّه، وبات يهددها بجولة جديدة من الاقتتال بين بعضها بعضاً.

وقد اضطر أبو يحيى الحموي، القائد العام لحركة «أحرار الشام»، أن يخرج مرتدياً بذلته العسكرية، لإعادة تصويب الصفقة التي تمت مع «جبهة النصرة» بخصوص «جند الأقصى»، والتي شعرت قيادة الحركة أنها تسببت لها بمشكلة داخلية، نتيجة رفض العديد من قادتها العسكريين لها، فضلاً عن مشكلة مع باقي الفصائل التي سارعت للوقوف بجانبها ضد «جند الأقصى»، التي شعرت بالخيبة نتيجة صفقة الحل التي صبّت بمجملها في صالح «النصرة» التي ازدادت قوةً وعديداً بعد مبايعتها من قبل «الجند». غير أن خروج قائد الحركة بنفسه بعد توقيع الاتفاق، وهو الذي اكتفى قبل توقيعه بنشر تغريدات على «تويتر» بينما كان القتال محتدماً في أرياف إدلب، أثار العديد من الشكوك حول سبب هذه الحماسة، وعما إذا كان الخطاب المُصّور الذي وُصِف بأنه «ناري» موجهاً إلى الحركة والفصائل و «جبهة النصرة»، أم إلى الدول الداعمة؟

وقال عبد الله الحموي في كلمته إنه تمّ القضاء على فصيل جند الأقصى «إنهاءً كاملاً»، وأن «العمل جارٍ على ملاحقة قادته ورؤوس الغلو فيه»، واصفاً إياه بـ»الشرذمة النجسة». وحذّر من محاولة عناصر «الجند» إعادة تجميع أنفسهم مرة ثانية قائلاً: «إنّا إن لمسنا من بعض عناصر العصابة المحلولة غدراً أو تهرباً أو مماطلة أو محاولة لإعادة تجميع أنفسهم، فلن نتوانى بعون الله عما ابتدأناه من استئصالهم».

هذا التصعيد الكلامي استدعى رداً مماثلاً من حسام الشافعي، المتحدث الرسمي باسم «جبهة النصرة»، الذي فهم الرسالة الموجهة إلى جماعته، فقال «عذرًا أيها الشيخ الكريم، فإننا لم نقبل بيعة «شرذمة نجسة» بل مجاهدون أطهار سمع الجميع بصولاتهم في معركة تحرير إدلب». وحذر الشافعي بدوره من «العودة إلى المربع الأول لحرب طويلة» في حال الافساح «للمحرشين مدخلاً للدخول منه».

ولا تزال الأسباب التي دفعت إلى اندلاع الاقتتال بين «أحرار الشام» و «جند الأقصى» غير واضحة، في ظل عدم قناعة العديد من المراقبين بأن يكون السبب هو عمليات الخطف المتبادل. وكان من اللافت أن التصعيد ضد «الجند» والمطالبة بالعودة إلى خيار الاستئصال، جاء من قبل قادة عسكريين في «أحرار الشام» محسوبين على الجناح السياسي الأكثر قرباً من تركيا، وهو ما أثار تساؤلات عما إذا كان للأخيرة دور في اندلاع الفتنة، وما هي مصلحتها.

وقد تكون بعض الإجابات كامنة في ما تمّ تسريبه من قبل بعض النشطاء ووسائل الإعلام المعارضة بخصوص مفاوضات بين ثلاثة فصائل كبرى بهدف الاندماج في ما بينها. ويأتي هذا التسريب بعد فشل مساعي الاندماج العام الذي راهنت عليه «جبهة النصرة» بعد فكّ ارتباطها مع «القاعدة»، كما يأتي في ظل التوتر الحاصل بينها وبين «أحرار الشام» على خلفية الموقف من «جند الأقصى»، ولكن الأهم أنه يأتي من حيث التوقيت في ظرفٍ دولي شديد التعقيد قد يتطلب الخروج منه، تقديمَ كبشِ فداء.

والفصائل الثلاثة التي يجري الحديث حول قرب اندماجها هي «أحرار الشام» و «نورالدين الزنكي» و «فيلق الشام». ورغم أن التسريبات تشير إلى إمكان انضمام فصائل أخرى إلى هذا الاندماج لاحقاً، إلا أنه من الواضح أن «جبهة النصرة» لن تكون إحداها. ويعود ذلك لسبب بسيط هو أن الأخيرة حرّمت القتال تحت الراية التركية في إطار عملية «درع الفرات»، فيما الفصائل الثلاثة التي من المتوقع أن تندمج تشارك عملياً في هذه العملية.

ويعني ذلك كله شيئاً واحداً، وهو أن الاندماج الجديد في حال نجاحه سيكون بديلاً عن «جيش الفتح» الذي تشكل «جبهة النصرة» عموده الفقري. بمعنى آخر، سيؤدي الاندماج إلى تقسيم الفصائل وفق موقفها من التدخل التركي والأميركي. فالفصائل الرافضة له مثل «جند الأقصى» و «التركستان» و «القوقاز» و «جنود الشام» و «إمارة القوقاز» و «الأوزبك» تنضم إلى «جبهة النصرة»، فيما تنضم الفصائل الأخرى إلى الاندماج المزمع تشكيله بحسب التسريبات. وهو ما يترك الباب مشرعاً أمام تداعيات هذا الفرز وانعكاسه على «جبهة النصرة» التي ستصبح مكشوفة أمام الاستهدافات الدولية.

وهنا يبرز تساؤل مهم حول موقف «أحرار الشام» من التدخل الأميركي في الشمال السوري، فهي، وإن أصدرت فتوى واضحة بجواز الاستعانة بالجيش التركي، إلا أنها اعتبرت مسألة التدخل الأميركي «غامضة» وبحاجة لمزيد من البحث، فهل يعني قبولها الانخراط في الاندماج مع فصيلين يؤيدان هذا التدخل أنها حسمت موقفها من التدخل الأميركي واصبحت تجيز أيضاً القتال تحت رايته؟

وأكد أسامة أبو زيد، المستشار القانوني لـ «الجيش الحر»، موضوع الاندماج من دون أن يذكر اسماء الفصائل المشاركة فيه، فقال إن «قوى ثورية وازنة ستعلن توحيد جهودها العسكرية والأمنية»، مشدداً على أن التوحد سيأتي «قبيل انطلاق واحدة من أكثر المعارك مفصلية في مواجهة الاسد والاحتلال الإيراني ـ الروسي». وكانت مصادر عدة تحدثت خلال الأيام الماضية عن تحضير الفصائل لهجوم معاكس في حلب الشرقية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى