مقالات مختارة

هذا ما كان ليقوله نصرالله عن الحريري لو اراد «اجهاض التسوية» الرئاسية ابراهيم ناصرالدين

 

عندما جلس رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مع نواب كتلته في اجتماعات منفصلة شارحا لهم وضعه الصعب الذي يفرض عليه الذهاب الى خيار تبني ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون، وصلت النقاشات مع بعض «الصقور» ومنهم الرئيس فؤاد السنيورة الى «حائط مسدود»، مما اضطر الحريري الى سؤال المعترضين «هل مشكلتكم في عودتي الى السراي الكبير، ام في وصول «الجنرال» الى بعبدا؟ هذا السؤال يضيء على حال من «اللامنطق» و«التخبط» وانعدام التوازن لدى تلك الشخصيات التي تدير حملة مركزة انطلقت بعد انتهاء الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من كلمته العاشورائية… نعى هؤلاء «التسوية» الرئاسية انطلاقا من «هجوم» السيد على السعودية، وانطلقوا من «خارطة الطريق» «التعجيزية»التي وضعها السيد امام عون للاستنتاج بان حزب الله لا يريد «الجنرال» رئيسا… ولا يريد اصلا «الافراج» عن الاستحقاق الرئاسي…فهل حقا اراد السيد «تفجير» التسوية؟

اوساط بارزة في 8آذار»تسخر» من هذا الاستنتاج، وتستغرب كيف ان خطابا واضحا يحتاج الى كل هذا التأويل، وتقول: «لو اراد السيد نصرالله تخريب التسوية الرئاسية لما اعطى الحريري ما لا يستحق من لقب في «الشجاعة» الوطنية، قد تكون «الشجاعة» التي قصدها شجاعة فردية ترتبط بمصلحة ذاتية، بعد ان قرر رئيس تيار المستقبل التراجع عن استراتيجية الانتحار السياسي والشخصي وقبل بتجرع «العلقم» بدل تجرع «السم» القاتل…وهذا ما قدّره السيد، لكن لو اراد حقا افشال مهمته لقال صراحة ان ما يقوم به الحريري او يفكر بالقيام به لا علاقة له بمصلحة البلاد العليا، او بهيبة الرئاسة، او حقوق المسيحيين او انقاذ البلاد من حالة المراوحة المتواصلة منذ سنوات…الحريري في موقف صعب للغاية يبحث عمن ينقذه من «الغرق»، هو من جاء الى «التسوية» بقدميه لم يغره احد بها، ولم يستعطفه احد للقبول بها، شروطها واضحة رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الحكومة «ونقطة على السطر»..وغير ذلك ثمة خارطة طريق لم يخترعها السيد نصرالله بل هي جزء من منظومة سياسية يعرفها الحريري وعون وهي تشكل مسار طبيعي للتفاهمات في البلاد، كل ما قام به السيد هو انه ارشدهما الى الطريق علنا ليخلي مسؤوليته، وليضعهما امام مسؤولياتهما الطبيعية، وسيقوم بما عليه حين يحين الوقت لذلك.. واذا كان رئيس التيار «الازرق» يبحث عن اثمان لاستدارته فهو بالطبع لن يقبضها من حزب الله…

ولو كان السيد نصرالله يريد نسف التسوية تضيف الاوساط لكان استحضر كلمات احد خطاباته الشهيرة وتوجه للحريري بالقول «من انت وشو تاريخك وشو بتمثل الان لتعود الى رئاسة الحكومة»، وكان سيصارح الجمهور حول الحاح الحريري على عقد تسوية تعيده الى السلطة، وكان سيشرح ايضا كيف ان حزب الله لا يحتاج الى ملف الرئاسة للمقايضة عليه في ملفات اخرى، لا محلية ولا اقليمية، فالرئاسة لا تقدم ولا تؤخر في القضايا الاستراتيجية التي تعني حزب الله، اما في الداخل فلدى الحزب من عناصر القوة التي لا تسمح لاحد بتجاوزه، ولا يحتاج الى رئاسة جمهورية لتزيد نفوذه.. نعم مصلحته العليا في الاستقرار الذي يؤمنه حل معضلة الشغور الرئاسي.. السيد يريد ان يوفي بوعده الاخلاقي والسياسي بانتخاب عون ليتوج بذلك تفاهمه مع التيار الوطني الحر…ولذلك فهو غير معني بالتعطيل بل يريد رئيسا يكون انعكاسا لموازين القوى المحلية والخارجية..

وبرأي تلك الاوساط، لو اراد نصرالله ضرب التسوية لفتح جردة حساب طويلة مع الحريري كمغامر «خاسر» لم يحسن في اي محطة مفصلية قراءة المشهد السياسي والعسكري بشكل صائب،.. فتاريخ الرجل حافل بالرهانات ضد المقاومة، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فتح الحزب يديه وحاول «احتضان» نجله الطري العود القادم الى عالم السياسة باوامر ملكية سعودية لم يستطع التنصل منها، جرى اطلاعه على كامل التفاهمات بين والده والسيد نصرالله، تحمس في البدء لاستكمال ما بدأ به الحريري الاب، لكنه ما لبث ان تنصل من الاتفاق «الرباعي» وانساق الى الرغبات الدولية والاقليمية الراغبة بضرب حزب الله، كان الموقف الاكثر سوءا في حرب تموز وبيان «المغامرين» الشهير، فيما على الضفة الاخرى كان الجنرال عون يقول لمن طالبه بموقف ادانة للحزب «هؤلاء ابناء بلدي انتصر معهم او اهزم واياهم»..

انتهت الحرب ومع كل مرارات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة «سامح» حزب الله لانه لايملك الا هذه الفضيلة لحفظ الاستقرار الداخلي…بعد نحو سنتين جاء القرار الشهير بتفكيك «سلاح الاشارة» التابع للمقاومة، فكانت احداث 7ايار 2008بعدها ايضا لم يستثمر الحزب «انتصاره» العسكري في السياسة فجاء اتفاق الدوحة ليعيد الجميع الى «المربع الاول»، وللتاريخ ايضا، لم يصغ حزب الله يومها للضغط الذي مارسه عون «لقلب الطاولة»، طالب يومها باستثمار الانتصار لفرض شروط تغّير قواعد اللعبة السائدة منذ اتفاق الطائف…لكن الحزب كان مصرا على عدم «كسر» السنة في لبنان…طبعا للحريري قراءته الخاصة واستراتيجة «النكران» استمرت وفق «قاعدة» راسخة لدى تيار المستقبل تقوم على عدم الاستعداد لدفع ثمن الخيارات الخاطئة..ومن هنا ذهب الحريري بعيدا في استخدام المحكمة الدولية كمنصة لحشر حزب الله وابتزازه مع علمه المسبق بعدم القدرة على تسييل قراراتها على الساحة اللبنانية، وكانت «الرسالة» الاكثر دلالة على ذلك، انه دفع ثمنا معنويا كبيرا عندما اخرج من السلطة، وهو على «ابواب» البيت الابيض..

رغم ذلك توالت الرهانات الخاطئة وكان الاستثمار بالتطرف لحشر حزب الله في الداخل من عرسال وجرودها الى طرابلس باحداثها الامنية والعسكرية الى ظاهرة احمد الاسير وخطره «الاستراتيجي» على بوابة الجنوب وصولا الى الرهان على انتصار «الثورة» السورية وسقوط الرئيس بشار الاسد بما يعنيه ذلك من سقوط محتم لحزب الله، طبعا لم يكن الدعم في السياسة فقط، دور النائب «الهارب» عقاب صقر بات معروفا للقاصي والداني، وكذلك دور رئيس فرع المعلومات الشهيد وسام الحسن..

اذا كل رهانات الرئيس الحريري فشلت باعتراف الدول الاقليمية الراعية، على حد قول الاوساط السعودية سحبت هباتها المالية لانها شعرت انها تستثمر في المكان الخاطىء، تيار المستقبل لم ينجح في توظيف الدعم السعودي وحتى الاميركي في وجه حزب الله، رئيس تيار المستقبل لم يحقق اي نجاح يذكر والان يريد العودة الى السلطة «ومربح حالو جميلة» انه يقبل بتسوية انتخاب الجنرال عون رئيسا…هو اكتشف بعد سنتين ونصف من العناد ان لا امل برئاسة الحكومة الا بانتخاب «الجنرال»، هي فرصة له فاما يقطفها او يجلس مجددا على «رصيف الانتظار» بانتظار «لاشيء»…

هذا قليل من كثير لم يقله السيد نصرالله لانه يريد انجاح التسوية وليس اجهاضها…اما اتخاذ الهجوم على السعودية للايحاء بان التفاهم قد انهار، فليس الا ذر «للرماد في العيون»، فهل كان هناك تفاهم بان يعود الحريري الى «حضن» الاسد ويسكت حزب الله عن جرائم السعودية؟ ونكث به السيد؟ طبعا لا…وهل يتوهم احد ان حزب الله قد يقايض «الرئاسة» بمسايرة الرياض ومباركة دعمها للارهابيين في سوريا وقتلها الشعب اليمني والتآمر على الحزب في كل الساحات؟ الحزب يدرك ان تحييد الملف الرئاسي عن قضايا الاقليم يوفر ظروف النجاح، ومن يحاول الربط يريد اجهاض الفرصة..اما من يربط بين موقف السيد نصرالله التصعيدي لرفض عون فعليه ان يشرح لجمهوره عما اذا كان الوزير سليمان فرنجية يختلف مع الحزب في الموقف الاستراتيجي وفي قضايا المنطقة؟ الحريري يدرك ذلك واذا تذرع بالخطاب للتراجع يكون «الفيتو» السعودي قد دخل على الخط من جديد.. السيد نصرالله وضعه امام امتحان «الشجاعة» الحقيقية ليمضي في «التسوية» حتى لو قالت له السعودية «لا»… فهل يتجرأ؟

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى