هولاند وجونسون… الردّ على موسكو… بالمظاهرات؟
ناصر قنديل
– لو قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مواجهة الحرب التي أدارتها واشنطن وحلفاؤها في سورية أو فعل، ما قاله ويفعله الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في مواجهة الدور الروسي في الحرب نفسها، لصار الرئيس بوتين مصدراً للسخرية والضحك. فقد قرّر الرئيس الفرنسي استباق زيارة مقرّرة للرئيس بوتين إلى باريس بالدلع ومتسائلاً عن التفكير بجدوى استقباله، وأعدّ لتظاهرات ترافق زيارته لباريس، وأعلن وزير الخارجية البريطاني أمام البرلمان البريطاني أهمية التفكير بخروج تظاهرات أمام السفارة الروسية، رداً على مطالبات نيابية بتصرّف فاعل طالما أنّ طريق الدبلوماسية مسدود.
– ليس الأمر استخفافاً بأهمية دور قوى الرأي العام في السياسة على الإطلاق، بل بمناقشة وتقييم معادلة التناسب بين الفعل والفاعل من جهة، وبين الفعل والفعل المقابل من جهة أخرى، كما تجري المقارنة من جماعات المعارضة السورية بتقييم تصرف طبيب جراح مع جرح نازف بوصفة يمكن أن تقدّمها سيدة المنزل، بدلاً من الجراحة وتخييط الجرح، أو بوصف طبيب قلب حبوب مهدئة لمعالجة مرض عضال، وكما تجري المقارنة على الضفة المقابلة بتقييم تعامل من يدّعي أنه فتوة الحي الذي يحمل مسدساً مع شاب قوي البنية يطاله بصفعة فينصحه بالتروي ويدعوه لشرب فنجان قهوة معاً، أو بتهديده بالشكوى لأهله. فلو دعا الرئيس بوتين لتظاهرات ضدّ الحرب على سورية أو تساءل عن جدوى لقائه بالرئيس الأميركي باراك اوباما لقيل في تصرفه الكلام نفسه على الضفتين، مع تبادل الأدوار في تعليقات الحلفاء على حلفائهم وخصومهم.
– بالتأكيد لا يفعل هولاند وجونسون ما يفعلان، ولا يقولان ما يقولانه، حكمة سياسية وتقديراً للعمل الشعبي وإيماناً بفاعلية ما يقولان ويفعلان، وعادة الدول ذات التاريخ الاستعماري دائماً كانت حتى أمس قريب، التلويح بقرارات رادعة أقلها قطع العلاقات الدبلوماسية، واعتبار روسيا في حالة حرب، لأنها تمسّ بالمصالح العميقة لدول الغرب، بتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة روسية، لأنّ أحداً لا يصدّق كلام فرنسوا هولاند وبوريس جونسون عن البعد الإنساني في سورية، ولكلّ من الدولتين الفرنسية والبريطانية سجل مليء بالجرائم بحق المدنيين، وتكفي رؤية ما يجري في الفاجعة اليمنية مع الجرائم السعودية وآخرها جريمة قتل المئات بدم بارد بغارات جوية على قاعة عزاء، لم يجرؤ موظف على مستوى سفير في حكومتي بريطانيا وفرنسا أن يقول فيها كلمة عتب.
– تبدو حكومتا بريطانيا وفرنسا وقد تجرّدتا من كلّ حول وقوة، ومن شجاعة الإقدام، وانتقلتا إلى رسم السياسات بقوة رفع العتب وإبراء الذمة والتسليم بالعجز، والبحث عن ملهاة تعبّئ فراغ الرأي العام وتحمّله مسؤولية الردّ على موسكو، بدلاً من أن يحمّلها هو هذه المسؤولية، ومن جهة مقابلة تقدم فواتيرها للسعودية التي تتولّى سداد استحقاقات المشاركين في الحرب، لتقول إنها لم تصمت لروسيا وتفعل الممكن، بمثل ما تقبض ثمن مواقفها المخزية بالصمت على الجرائم السعودية في اليمن.
– عندما تشيخ الإمبراطوريات الاستعمارية تتذكّر التعبيرات السلمية، كما يحدث مع الأحزاب الكبرى التي تخرج من الحكم وتضمُر فتتذكر تاريخها القديم بالتحركات المطلبية، بعدما كان ترد على مطالب جماعاتها بقرار حكومة وأمر إدارة. وها هو بوريس جونسون يردّ على أحد نواب البرلمان البريطاني الذي يسأله هل ستقوم الحكومة بتقديم سلاح نوعي للجماعات المسلحة في شرق حلب، يمكّنها من الصمود بوجه الهجوم الذي يشنّه الجيش السوري بدعم روسي ناري، بالقول إنّ حكومته لا تفكر بذلك لأنها تتصرف من ضمن حلف الأطلسي مجتمعاً، ولا تتفرّد بقرارات لا يشاركها فيها الحلفاء، بينما تستطيع تنظيم تظاهرات دون العودة للحلفاء!
(البناء)