ترامب.. خطوط حمراء هنا وهناك.. دونالد وغاندي أخوان: ناحوم برنياع
في أثناء الحملة المذهلة التي وضعته على مسافة لمسة، بل وأي لمسة، من البيت الابيض، قال دونالد ترامب الكثير من الامور. أحد تصريحاته تناول المنشورات عن أفعاله في الماضي. “يمكنني أن اطلق النار على أحد ما في الجادة الخامسة. وحتى عندها لن أخسر الناخبين”، .
يتبين ان هذا كان صحيحا حتى نقطة معينة. فمقطع الفيديو الصوتي من العام 2005، والذي تبجح فيه بغزواته الجنسية وفصل في الحديث عن أعضاء النساء التي يسعى الى الاتصال بها، كان على ما يبدو نزعا واحدا أكثر مما ينبغي. فقد تميزت نهاية الاسبوع الماضي بالهرب الجماعي لشخصيات جمهورية مما بدا كسفينة غارقة. يحتمل مزيد من المفاجآت، ولكن الزمن الذي كان ترامب يمكنه فيه أن يطلق النار على احد ما في الجادة الاكثر اكتظاظا في منهاتن ويخرج بلا ضرر انتهى بلا رجعة. حتى ترامب نفسه يفهم هذا.
عن السباق الى البيت الابيض في 2016 ستكتب عشرات الكتب. مؤرخون، كُتّاب وصحافيون سيرهقون لوحة مفاتيح حواسيبهم في محاولة لشرح ما حصل، كيف حصل ولماذا. ثمة، مع ذلك، درس واحد ايجابي يمكنه استخلاصه من قضية الشريط منذ اليوم. يتبين أنه في الحياة العامة ليس كل شيء ينجح. توجد توقعات، توجد قيم، توجد خطوط حمراء حتى لدى اولئك الذين ملوا السلامة السياسية. كان يمكن لترامب أن ينكل بكل اولئك المساكين حتى حدود معينة. في اللحظة التي تبين انه ينزل الى مستوى أدنى أكثر مما يجاز في أمريكا في خطاب الرجال في البار، تبدد السحر.
قوة هذا الدرس جميلة ايضا للمجال العام في اسرائيل. ففي السنوات الاخيرة تدور رحى صراع على تخليد رحبعام (غاندي) زئيفي. فقد نال زئيفي تخليدا رسميا لانه قتل على أيدي مبعوثي منظمة ارهابية فلسطينية. فالمعلمون في اسرائيل يؤمرون بتعليم مذهبه في يوم واحد في السنة؛ شوارع، طرق بين المدن وجسور، وربما مدارس أيضا، سميت على اسمه؛ الحكومة تعهدت باستئجار بيت يخلد فيه عمله.
المشكلة هي أن زئيفي لم يكن في حياته شخصية قدوة. العكس هو الصحيح – فقد كان ترامب، وأسوا من ترامب. تقرير لعمري اسنهايم، الذي بث هذه السنة في برنامج “عوفدا” التلفزيوني ادعى ظاهرا بافعال جنائية، بينها: افعال اغتصاب لمجندات عملن تحت إمرته، تحرشات جنسية، مساعدة بعد الفعل لقتل مزدوج في العالم السفلي، افعال ارهاب وتنكيل بمنتقديه وعائلاتهم، وغيرها. بعض من هذه الافعال نشر في الماضي، ولكن زئيفي، مثل ترامب، لم يتضرر. فقد حمته المنظومة.
بين أبناء عائلة زئيفي وسكرتير الحكومة الاسبق، تسفي هاوزر جرت مفاوضات على البيت الذي سيخلد فيه زئيفي. العائلة ضغطت، وهاوزر استسلم. المبنى الذي اختير هو الخان التركي القديم في باب الواد، بيت له أهمية رمزية وتاريخية وموقع استراتيجي. وقد اتخذ القرار بخلاف رأي قدامى لواء هرئيل من البلماخ، ممن فقدوا في القتال هناك العديد من رفاقهم. على المبنى ان يخلدنا، لا أن يخلد زئيفي، يقولون. في يوم الجمعة سافروا الى باب الواد للتظاهر ضد القرار.
كان شيء ما مثير للانفعال، للتقدير، لاحتجاجهم، في العقد التاسع من حياتهم. ولكن مع كل الاحترام لعملهم، المشكلة التي تثور بسبب مشروع تخليد زئيفي لا تتلخص في العقارات. ومثلما فهم ملايين الامريكيين، بتأخير محرج، بان ليس كل شيء يمر، حان الوقت لان يفهم هذا ايضا متخذو القرارات في اسرائيل. فافعال زئيفي غير جديرة بالتخليد – لا افعاله في الجيش ولا افعاله خارج الجيش. اذا كانت ملابسات موته تستدعي تخليده، فيجدر عمل ذلك بتواضع وبعقل، لا بدروس تعليمية ولا على أم الطريق الرئيس الى القدس (أحد ما سبق أن اقترح، بنزعة شر، تخليده في بار – بقر، مشروع اللحوم الذي قتل فيه رفاقه ضحاياهم).
نحن نعيش في فترة انتقالية. المجتمع الامريكي يبحث عن طريقه في متاهة التصريحات العنصرية الفضائحة. والعاصفة التي نشبت حول دونالد ترامب هي مدعاة للحرج، ولكنها فرصة ايضا. احيانا تكون حاجة الى وضع حد.
هذا هو الحكم بالنسبة لارض رحبعام زئيفي. كل مجتمع وترامبه، كل مجتمع وحدّهُ.
يديعوت