بقلم غالب قنديل

مجزرة صنعاء والمأزق السعودي

غالب قنديل

أثارت المجزرة البربرية التي ارتكبتها المملكة السعودية بقصف مكان مدني وقاعة معروفة ومعلومة، وهي جريمة حرب في اقل التوصيفات التي اطلقت عليها في جميع وسائل الاعلام العالمية، وفي التصريحات الصادرة عن حلفاء المملكة السعودية انفسهم فحتى الولايات المتحدة وجدت نفسها امام هول المذبحة التي لحقت بأهالي صنعاء، ومهما كانت طبيعة العمليات العسكرية لم تستطع الولايات المتحدة الا ان تصدر استنكارا علنيا لهذه الجريمة، ودفعت بان كي مون رجلها في الامم المتحدة الذي تجاوز ربما للمرة الاولى حالة القلق والاسف التي حفلت بها بياناته السابقة ليدين المجزرة ومرتكبيها وليدعو الى تحقيق ومحاسبة.

السعودية تواجه هذا المأزق الخطير بنتيجة جريمتها والولايات المتحدة التي تتنصل بالإدانة عمليا هي شريك اساسي للمملكة السعودية في كل ما تشهده اليمن من مجازر ومذابح جراء العدوان الجوي المستمر، وما يفرضه الحصار العدواني من نتائج وتداعيات تشكل جرائم ضد الانسانية فثمة نقص خطير في الادوية والمواد الغذائية في اليمن بات يخرج الى العالم صور ومشاهد عن مجاعة حقيقية في هذا البلد العزيز الذي تسعى العائلة السعودية الحاكمة الى تدميره بالكامل عقابا على تمرده ورفضه الخضوع لهيمنتها وان يبقى في حالة الحديقة الخلفية التي تتحكم بها المملكة السعودية كيفما تشاء اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.

الاميركي الشريك هو شريك في المسؤولية، وشريك في جميع الجرائم التي ارتكبت ضد اليمنيين وتنصله بالدعوة الى التحقيق يمثل نوعا من الاحراج السياسي للنظام السعودي الدائر في فلكه والذي ينفذ توجهاته في كل مجال وليست هذه البادرة الوحيدة التي تقلق الحكم السعودي فنحن على مسافة زمنية قصيرة بعد صدور قانون “جاستا” عن الكونغرس الاميركي بإجماع جمهوري ديمقراطي والذي قاد مباشرة الى حجز الودائع السعودية في الولايات المتحدة وسيقود في سياق المقاضاة المتوقعة التي سيلجأ اليها اقارب ضحايا 11 ايلول في الولايات المتحدة الى سلسلة من الاجراءات وربما سلسلة اخرى من الفضائح التي تتصل بمعلومات وحقائق قد تكشفها استجوابات المحاكم الاميركية عن ارتباط منفذي هجوم 11 ايلول وشبكة القاعدة بالكامل بالنظام السعودي وهذه حقيقة يعرفها الكثيرون وتنكرها المملكة السعودية ومن المرجح ان الشواهد والوقائع والاعترافات التي ستخرج من المحاكم الاميركية في حاصل الدعاوى المقامة لتدفيع المملكة السعودية تعويضات مالية لذوي الضحايا وعائلاتهم سوف تشكل مستندا اخر يطرح موضوع المحاسبة على دور السعودية في احتضان القاعدة وفي تأسيسها وفي تمويلها وينجو الشريك الاميركي بفعلته من اي حساب طالما المنظومة الدولية القائمة على حالها وطالما تتكرر جرائم مشابهة لما حصل في افغانستان في الثمانينات في سوريا وفي العراق وفي ليبيا وحيث الفعل الاجرامي فعل اميركي سعودي مباشر تشترك فيه اسرائيل اولا والى جانبها تركيا وقطر وتنظيمات الاخوان المسلمين.

الوقائع تقول للمملكة السعودية ان لعبتها في اليمن بلغت خطوط النهاية وتوشك ان تتحول الى عملية انتحار للحكم السعودي ولطموحات محمد بن سلمان السياسية وهنا بيت القصيد فأي متابعة لألية اصدار القرار بالغارة على صنعاء وهي غارات تحدد اهدافها بخرائط رقمية توفرها الاقمار الصناعية الاميركية سوف تقود الى مصدر تلك الاوامر اي وزير الدفاع في المملكة السعودية.

بالمقابل تعيش المملكة حالة من الاختناق الاقتصادي والمالي وقد أعلن يوم امس رسميا كما نقلت الصحف السعودية صباح هذا اليوم عن بلوغ الديون العامة للخزينة السعودية خلال عشرين شهرا خمسة اضعاف ما كانت عليه فهي اليوم 270 مليار ريال سعودي ومن الواضح حسبما تحدثت الصحافة السعودية ان المملكة ستتخذ قرارا وشيكا بإصدار سندات دين بالدولار وتتوجه بها الى الاسواق العالمية لتقترض المليارات المطلوبة لتمويل انفاقها بعدما شحت الموارد بفعل تراجع الفورة النفطية ووصول المملكة الى يوم اسود لم تحسب له الحساب في عز ارتفاع اسعار النفط فلم تنوع موارد اقتصادها ولم تعود المواطنين المترفين من حاشية النظام القائم على سبل التقشف والاقتصاد بدلا من البذخ والهدر المفتوحين وقد وصلت ايقاعات الازمة الاقتصادية الى درجة ان ما نقل عن الملك سلمان مؤخرا في حديثه الى عدد من امراء العائلة الحاكمة يؤكد انه لم يعد بالإمكان مواصلة الهدر والبذخ الذي درج عليه امراء آل سعود بنهب العائدات النفطية في بلد تقول التقارير الدولية ان من بين ابنائه اكثر من اربعة ملايين جائع تحت خط الفقر.

المملكة تخسر رهاناتها وحروبها على امتداد المنطقة باسرها وهي توشك ان تخسر علاقتها بالدولة المصرية التي اعلنت عن مساندتها لها وعن تحالفها معها منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى قصر القبة فما الذي يجري حتى توقف السعودية امدادات النفط والغاز المتفق عليها الى مصر وتدفع بمصر في أزمة البحث عن البدائل وفي تهديد امكانية ان يحرم المصريون من الوقود الذي يحتاجونه في حياتهم اليومية ومن الواضح تماما ان الامر له صلة بشح الموارد كما له صلة بمواقف مصر السيسي التي لا تلائم السياسة السعودية في موضوعي سوريا واليمن فمصر لم تكن طيعة في مجاراة الحرب السعودية على اليمن واكتفت بمواقف سياسية اعلامية دون ان تنخرط في العمليات العسكرية التي تتحول الى سلسلة مجازر وجرائم، ومصر ايضا حرصت على تمييز موقفها عن المملكة السعودية ازاء الوضع السوري بتأكيدها على ضرورة التمسك بوحدة الارض والتراب وسيادة الدولة الوطنية السورية ودعمها لجهود الجيش العربي السوري في وجه الارهاب التكفيري الذي ترعاه المملكة السعودية وتمده بالمال والسلاح ولكن هذا لا يعني ان مصر في هذا المجال اختارت الجبهة المقابلة حتى الان لكن لا تستطيع السعودية بعد اليوم ان تتصرف وكأن الموقف المصري ورقة في حقائب عادل الجبير المثقوبة.

انها حالة من الترنح والتأزم وجاءت المجزرة التي ارتكبت في صنعاء لتكون كالقشة التي يفيض بها الكأس فأحد مواجع النظام السعودي هي قدرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على دك العمق السعودي وهذا جرى وسيجري وسيتوسع في الفترة القادمة لان الشعب اليمني الذي انتفض لكرامته بعد المجزرة التي ارتكبت في صنعاء طالب قياداته بضرورة اتخاذ التدابير الرادعة للعدوان.

لا بد من الاشارة الى ان تمادي الاجرام السعودي جاء كنتيجة مباشرة للصمت العالمي والاقليمي على الحرب التي استهدفت اليمن وبعد مجزرة صنعاء بات لزاما على روسيا والصين اتخاذ مبادرات جديدة حول اليمن داخل مجلس الامن الدولي من اجل الزام المملكة والولايات المتحدة برفع الحصار ووقف جميع الاعمال العسكرية التي تستهدف الشعب اليمني.

السؤال الكبير الذي يرتسم على امام القيادة السعودية هو بالتحديد من سيدفع الثمن من اركان السعودي لهذا الفشل المدوي في اليمن؟ وهو يستتبع سؤالا اخر من الذي سيتخذ القرار بعزل محمد بن سلمان؟ فمن الواضح ان الملك السعودي متمسك بتوريث ولده وبإعداد السبل المؤدية الى تلك الخطوة فهل يتحرك الاميركي لإنقاذ النظام السعودي من عنجهيته ومن جنونه ومغامراته المهزومة؟ ام انه يريد له بالأصل مزيدا من التورط وهو يحضر اوراقا بديلة في ساعة صفر لا يمكن التنبؤ بموعدها لكن الاكيد انها ليست بعيدة بعدما تحولت الملكة في عهدها الحالي الى عبء حقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى