بقلم غالب قنديل

مرسوم بوتين والحزم في سورية

غالب قنديل

تقود روسيا منذ سنوات حملة لانتزاع الاعتراف الغربي والأميركي بشراكة ندية متعددة الأقطاب في العلاقات الدولية وهي تطمح عن هذا الطريق إلى رد الاعتبار لمكانتها التي تعرضت للانتهاك والتطاول والإهانة بغطرسة اميركية وغربية واسعة دامت لربع قرن منذ انهيار الاتحاد السوفيتي .

جرى خلال الحقبة السابقة مد الأيدي في قلب الفناء السيادي الروسي وتم اجتياح المجال الحيوي التاريخي لدولة عظمى كانت وما تزال بحكم الموقع والقدرات ذات خصائص إمبراطورية وروسيا تتطلع لاسترجاع كل ما انتزعه الغرب بقيادته الأميركية من شرق اوروبا السلافي الأرثوذوكسي الذي كان دائما متصلا بالعمق والمرجعية الروسيين ولاستعادة بهاء الدولة العظمى المهابة التي يحسب لها ألف حساب عسكريا وسياسيا واقتصاديا وهو ما ميز التاريخ الروسي في زمن القيصرية وفي الزمن السوفيتي كذلك بفضل عوامل الجغرافية والاقتصاد والتطور الحضاري.

تكمن تلك الحوافز في قلب الموقف الروسي من الحرب على سورية وفي نسيج الشراكة المتينة مع الرئيس بشار الأسد وحليفيه إيران والمقاومة اللبنانية حول هدف مشترك هو السعي للتخلص من الهيمنة الأحادية الأميركية وقد شكل الصمود السوري ركيزة حاسمة لفرض تطويع الولايات المتحدة واستدراجها إلى تراجعات كثيرة وللاعتراف بمبدأ الاضطرار إلى التعاون الدولي مع روسيا .

أولا ان روسيا تدافع عن امنها القومي في سورية من خلال التصدي لتشكيلات وفصائل إرهابية تضم اكثر من عشرين ألفا من التكفيريين المنتمين إلى أقاليم روسية ودول من الجوار الروسي أي من الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا حيث تنشط بدعم غربي وتركي سعودي فروع تنظيمات الأخوان المسلمين وفصائل القاعدة وهو ما عرضه الرئيس فلاديمير بوتين في “قمة دوشنبي” لرؤساء “مجموعة الدول المستقلة” عشية إرسال القوات الجوية الفضائية الروسية إلى سورية بناء على اتفاق أبرمه مع الرئيس بشارالأسد فمقاتلة الإرهابيين في سورية هي شرط لحماية روسيا وجوارها من ارتدادهم وفقا لما قاله بوتين لشركائه يومها وهو العارف بالمعلومات والوثائق بأن إعادة توجيه الإرهاب من سورية إلى اهداف جديدة هو غاية مركزية وفقا لخطط استنزاف أميركية تقوم على تنظيم حروب بالواسطة ضد الخصوم والمنافسين وللصين حصة من تلك الخطة المطبقة في سورية بواسطة عصابات الإيغور التي تعمل مع مثيلاتها من الشيشان والتركمان والأوزبك والآذريين وسواهم .

ثانيا تدافع روسيا عن مكانتها العالمية ومصالحها الحيوية من سورية حيث تطل على حوض المتوسط وتحيك شراكة استراتيجية في أسواق النفط والغاز العالمية وخطوط النقل العملاقة لموارد الطاقة بفضل علاقاتها التي تتطور بسرعة مع إيران والصين حيث تمثل سورية مرفأ التصدير المثالي والممر والمصب الحليف الآمن لخطوط النقل العابرة للقارات وإلى هذا البعد الاقتصادي الحيوي فإن روسيا ومنذ الفيتو المزدوج في العام الأول لشن الحرب الاستعمارية ضد سورية طورت من مكانتها الدولية استنادا إلى صمود الحليف السوري وقد نقلت مقارنات روسية عديدة بين صمود سورية لسنوات وانهيار الحليف الأوكراني في ساعات وينبغي الانتباه دائما في كل ما تقدم إلى ان المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة تتسم بطابع حاد لأنهما ترتكزان اقتصاديا إلى قطاعين رئيسيين متماثلين هما النفط والغاز وصناعة السلاح .

ثالثا شكل الانخراط العسكري الروسي في سورية فرصة لاستعراض قوة الأسلحة الروسية وتفوقها ولتقديم نموذج فعال في حسم الصراعات العسكرية ومكافحة الإرهاب وكلفة العمليات الروسية في سورية هي في الواقع كناية عن موازنة دعائية لصناعة السلاح الروسية بواسطة العروض الميدانية للصواريخ والطائرات الروسية وقد حصدت موسكو بنتيجتها ارتفاعا كبيرا لمبيعاتها العسكرية هذا مع العلم ان الرئيس بوتين كشف قبل أشهر ان تكاليف العمليات في سورية مغطاة من موازنة التدريب الخاصة بالقوات الروسية وهذه المعطيات تسقط المراهنة الأميركية الدعائية على استنزاف روسيا بكلفة العمليات في سورية فهذه الكلفة هي ذات طابع استثماري سواء لحماية مصالح روسية استراتيجية ام لحراسة استثمارات نفطية ضخمة أو لترويج السلاح الروسي .

رابعا حدد الرئيس فلاديمير بوتين وفي ذروة اختبار القوة حول سورية لائحة الشروط الروسية الاستراتيجية في التعامل مع الولايات المتحدة وذلك في نص المرسوم الرئاسي الذي أصدره بتعليق العمل باتفاقية البلوتونيوم وجاءت على النحو التالي :

الشرط الأول تقليص البنى التحتية العسكرية وتعداد وحدات القوات الامريكية الموزعة داخل أراضي دول الناتو التي انضمت الى الحلف بعد 1 سبتمبر/ أيلول عام 2000 ( أي دول اوروبا الشرقية ) وذلك لتصبح عند المستوى الذي كانت عنده في يوم بدء سريان مفعول الاتفاقية والبروتوكولات الملحقة بها وهذا يعني تفكيك الدرع الصاروخي وسحب قوات الناتو من جميع مواقع انتشارها قرب الحدود الروسية.

الشرط الثاني تخلي الولايات المتحدة عن السياسة غير الودية تجاه روسيا وهو ما يجب أن يظهر على شكل ” إلغاء ما يسمى ” قانون ماغنيتسكي” الامريكي الصادر في 2012 وكذلك قانون دعم حرية أوكرانيا في عام 2014، الموجه ضد روسيا وكذلك إلغاء كل العقوبات المفروضة ضد الشخصيات والمؤسسات الروسية، ويجب أيضا تعويض الضرر الذي لحق بروسيا الاتحادية نتيجة فرض العقوبات بما في ذلك الخسائر التي نجمت عن العقوبات المضادة التي اضطرت روسيا لفرضها ضد الولايات المتحدة.

الشرط الثالث يجب ان تقدم الولايات المتحدة خطة واضحة ودقيقة حول التخلص الذي لا عودة فيه من البلوتونيوم الذي يقع تحت تأثير الاتفاقية.”

من سورية تتصدى روسيا للغطرسة الاستعمارية الغربية التي تستهدفها كما تستهدف الصين وإيران وسورية والعديد من الدول المستقلة في العالم وكل كلمة او حركة روسية في الموضوع السوري هي جزء من عملية متسارعة غايتها فرض الخضوع الأميركي لتوازنات جديدة في الواقع الدولي ساهمت في صياغتها الجمهورية العربية السورية شعبا وجيشا وقيادة في ملحمة تاريخية دفاعا عن مباديء الاستقلال والتحرر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى