العراق: ثمن الدعم الأميركي حميدي العبدالله
تحرص الحكومة العراقية على الحصول على دعم الولايات المتحدة السياسي أولاً، والعسكري ثانياً. في الواقع أنّ الدعم العسكري الأميركي يمكن الاستغناء عنه والتعويض عن المساهمة الأميركية في محاربة داعش من دول أخرى عرضت على الحكومة العراقية تقديم الدعم، وقدّمت هذا الدعم عندما كانت واشنطن متردّدة والمقصود بذلك روسيا.
لكن لا يبدو أنّ لدى الحكومة العراقية بدائل للدعم السياسي. والمقصود هنا ترويض مواقف السعودية وقطر وتركيا، ونزع الصفة المذهبية عن استهداف داعش، فلولا الدعم السياسي الأميركي لكانت هناك مواقف وتدخلات تركية وسعودية وقطرية، ولوصف الصراع ضدّ داعش بأنه استهداف لأبناء المذهب السني، ولكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قادرين على شيطنة الحكومة العراقية ورئيسها على غرار ما حدث لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي. افتراضياً هناك بديل للدعم السياسي الأميركي لو نجحت الحكومة العراقية في تجنّب الانقسام المذهبي، ولكن كيف لها أن تفعل ذلك وأحزابها الأساسية التي تتقاسم السلطة هي أحزاب مكونة على أساس مذهبي وعرقي.
لكن الثمن الذي تدفعه الحكومة العراقية مقابل الدعم السياسي الأميركي هو ثمن باهظ جداً، باهظ أولاً، لأنّ الحسم العسكري ضدّ داعش مرتبط بشروط تضعها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون وعلى رأسهم تركيا والسعودية وقطر، ولعلّ ما تفوّه به الرئيس التركي حول ما بعد تحرير الموصل، واشتراط عودة السنة العرب والتركمان إلى الموصل دون بقية المكونات الأخرى من سكان المحافظة، وما يترتب على ذلك من نتائج إن لجهة تقوية النزعات المذهبية والتأثير السلبي على الوحدة الوطنية الهشة، وما ينجم عن كلّ ذلك في المستقبل لجهة عدم الاستقرار واستمرار الصراع يوضح مستوى هذا الثمن الباهظ.
لكن ليس ذلك وحده هو الثمن الذي يدفعه العراق مقابل حصوله على الدعم الأميركي، إذ أنّ واشنطن تضع قبل أيّ معركة ضدّ داعش شرطان، الشرط الأول أن لا يشارك في المعارك أيّ مكون يعارض الوجود العسكري الأميركي في العراق، والشرط الثاني زيادة عديد القوات الأميركية بذريعة الحاجة إلى هؤلاء لكي تنجح المعارك، الأمر الذي رفع عديد القوات الأميركية والغربية في العراق إلى أكثر من 7 آلاف عسكري، وهذا من شأنه أن يؤثر على المعادلات الداخلية ويحول دون الاستقرار في العراق بسبب الانقسام داخل الحكومة العراقية حول الموقف من الولايات المتحدة والقوات التابعة للغرب في العراق.
لا شك أنّ الدعم السياسي الأميركي فعّال في الحرب ضدّ داعش في العراق، ولكنه مقابل اقتلاع داعش يزرع بذور صراعات جديدة تجعل مرحلة ما بعد داعش أكثر ضبابية ولا يختلف الوضع كثيراً عما كان عليه قبل هذه العملية.
(البناء)