مقالات مختارة

ما زالت اسرائيل تستخف وتتلاعب بالعالم مثلما استخفت بالعرب في العام 1973: بن كسبيت

 

الاعلان الذي نشره البيت الابيض أول أمس، ردا على نية الحكومة اقامة مستوطنة جديدة في الضفة الغربية لمن سيتم اخلاءهم من عمونة، كان يجب أن يشعل في أي دولة سليمة، ضوء تحذير بحجم شمس صغيرة. وفي اسرائيل أشعل الاعلان الامريكي عدد من الاعلانات المضادة والرقص واخراج اللسان.

في ظل تراجع العلاقة بين الدولتين، لا أحد يتذكر اعلانا رسميا كهذا صدر من الادارة، الذي فيه غضب مقدس واهانة وخيبة أمل شديدة واشارات لا تبشر بالخير. يمكن أن يكون الاعلان الذي خرج عن طوره تجاه افعال اسرائيل، يهدف الى ايجاد مخرج لمشكلة عمونة، لكن في حالة كهذه فان ضوء التحذير يكون مضاعفا: اذا كانت هذه هي المشاعر التي تنتاب براك اوباما في الآونة الاخيرة، فهذا دليل على أنه يخطط لشيء كبير لتشرين الثاني وكانون الاول. وبدل السعي الى عدم فعل أي شيء مزعج في الاشهر القريبة لتجاوز تشرين الثاني وكانون الاول بسلام، تستمر اسرائيل فيما تريد.

اليكم تلخيص للاعلان الامريكي: نحن نستنكر بشدة نية اسرائيل بناء مستوطنة اخرى في قلب الضفة الغربية. هذا الامر سيلحق الضرر بفرص حل الدولتين. المصادقة بأثر رجعي على شرعية البؤر الاستيطانية غير القانونية القريبة، أو اعادة رسم حدود المستوطنات القائمة، لا تغير حقيقة أن الخطوة الاسرائيلية تناقض تصريحات حكومة اسرائيل القائلة بأنها لا تنوي بناء مستوطنات جديدة. موقع وجود هذه المستوطنة في قلب الضفة هو أقرب للاردن منه لاسرائيل، وهو سيستمر في خلق خط طويل من البؤر الاستيطانية غير القانونية التي تقسم الضفة الغربية الى قسمين، وتُبعد امكانية اقامة الدولة الفلسطينية…”.

“هذا مؤسف جدا”، قال الامريكيون، “بالذات عندما توقع اسرائيل والولايات المتحدة على اتفاق المساعدات الامنية غير المسبوق الذي يهدف الى تقوية أمن اسرائيل، تقوم اسرائيل باتخاذ قرار يناقض مصالحها الامنية بعيدة المدى… وما يبعث على اليأس هو أنه عندما تكون اسرائيل والعالم في حالة حداد على موت شمعون بيرس وزعماء العالم احترموا ذكرى أحد ابطال السلام، تم وضع هذه الخطط التي تعمل على افشال فرص حل الدولتين، الحل الذي أيده بيرس… على اسرائيل الاختيار بين نشر المستوطنات وبين الحفاظ على فرصة حل الدولتين… تطبيق القرار الاسرائيلي الاول هو مرحلة اخرى في تخليد واقع الدولة ثنائية القومية… وخطوات كهذه ستؤدي الى تنديد المجتمع الدولي وتُبعد عن اسرائيل من يؤيدونها وتظهر أكثر التساؤل حول التزامها الحقيقي بالسلام”.

الاعلان الامريكي الأولي تم نشره من قبل وزارة الخارجية الامريكية، لكن هذا الامر لم ينته هنا. فبعد ذلك جاء المتحدث بلسان البيت الابيض، جورج آرنست، وأضاف هنا وهناك. “الاصدقاء لا يتصرفون هكذا”، “يوجد هنا مكان للقلق، لقد أثارت خطوة اسرائيل لدينا في واشنطن مشاعر قوية”. وهناك ثلاثة اسباب متراكمة لاقوال آرنست: مبدأ قرار اقامة مستوطنة جديدة، موقعها المستفز، والتوقيت المستفز أكثر، بعد التوقيع على اتفاق المساعدات وجنازة بيرس. وأكد آرنست على أن سياسة الادارات الامريكية منذ العام 1967 بالنسبة للمستوطنات كانت متطابقة وبقيت كذلك.

الامريكيون في العادة هم أصحاب مزاج بارد، وهم يتعاملون مع الاساس بشكل كبير. فجأة يخرجون باعلان كهذا، عاطفي، يعبر عن الاهانة وغاضب. وبعد لحظة قد يبكون. إنهم يربطون بين اتفاق المساعدات وبين نكران جميل اسرائيل. وقد قاموا بادخال شمعون بيرس الى هذا الامر ايضا. يمكن الجدل حول الاعلان الامريكي. ويمكن الادعاء أن الحكومة تحاول ايجاد مخرج للمشكلة القضائية الجماهيرية التي نشأت بخصوص عمونة (اليكم نصيحة: ببساطة، أن لا يتم بناء مستوطنات على اراض فلسطينية خاصة. نقطة). ويمكن التلفح بالصمت والأمل بأن الامريكيين سيهدأون ويمر الامر. المسألة هي أن اسرائيل 2016 هي دولة ثملة من القوة والمسيحانية، متفاخرة بذاتها ومقتنعة أنها الكلب وليس القرادة التي توجد على الذيل.

تسيبي حوطوبلي سارعت الى التنديد بالاعلان الامريكي. وأنا أعتقد أنه في أعقاب هذا التنديد تم اضاءة المصابيح في الغرفة البيضوية طوال الليل. وفي اعقاب حوطوبلي نشرت وزارة الخارجية الاسرائيلية اعلانا تحريضيا يشمل كثير من الاكاذيب (“اسرائيل ما زالت تلتزم بحل الدولتين”). ولكن الارقام القياسية تتحطم في الشبكات الاجتماعية، حيث ينفعل هناك الصحفيون والابطال في نظر أنفسهم الذين يعلنون “الامريكيون فقدوا الصلة”، “الامريكيون لا يعرفون”. ويقولون ايضا إن المساعدة التي تبلغ 38 مليار دولار حصلنا عليها “لأننا الواحة الوحيدة المستقرة في المنطقة” وليس بسبب جمال عيوننا. إذاً ليبحث اوباما عن اصدقائه ولينزل عن أكتافنا قبل أن نصاب بالهستيريا. ويضيفون: لقد حذرتم في العام 2011 من تسونامي سياسي كبير، ولم يحدث أي شيء. لهذا توقفوا عن ازعاجنا.

الركوب على الحمار

نحن في عشية يوم الغفران. وهذا التوقيت يُحدث لأبناء جيلي بشكل تلقائي القشعريرة في الظهر. كثيرون منا لم يكونوا هنا في يوم الغفران في 1973، أو أنهم كانوا صغار، وآخرون نسوا ذلك. عندها ايضا كنا نثق بأنفسنا، شرم الشيخ بدون سلام أفضل من السلام بدون شرم الشيخ. الامبراطورية الاسرائيلية ستقضي على كل تهديد، لا حاجة لتجنيد الاحتياط، الجيش النظامي سيقوم بالعمل، سلاح الجو سيضربهم قبل أن يفهموا ما الذي يحدث. كان هناك مفهوم انهار وكاد يؤدي الى خراب الهيكل الثالث (اضافة الى 2.800 قتيل).

في الوقت الحالي النظرة ما زالت مشابهة. العرب غير هامين، بل العالم هو الهام. بيبي جعل اوباما يركع على ركبتيه ولقنه درسا، وأخرجه عن طوره. وعلى مدى ثماني سنوات لم يتنازل عن أي شيء، بل العكس، عدد المستوطنين في المستوطنات المعزولة زاد بعشرات الآلاف، والوضع في الضفة يسير بشكل سريع نحو نقطة اللاعودة. ليس مهم ما يقوله الاغيار، المهم ما يفعله اليهود. وكأننا لم نكن في وضع كهذا.

ليكن واضحا: لا أعتقد أنه يوجد الآن اتفاق سلام على الطاولة. أو أنه يوجد شريك حقيقي. لا يوجد سبب لاخلاء حاضرات. لا أحد يطلب ذلك من اسرائيل الآن. ويبدو لي أنه في الوقت القريب لا توجد فرصة لأن نقف أمام مفارقة كهذه. كل ما هو مطلوب منا هو أن نكون انسانيين ونتصرف كأناس متحضرين ونثبت أنه حين نعلن عن التزامنا بحل الدولتين، أننا لا نفشل ذلك في نفس الوقت. لو كانت اسرائيل سليمة لكانت بادرت وأعلنت عن تجميد البناء وراء جدار الفصل أو خارج الكتل الاستيطانية. كان يجب أن تقوم بعدة خطوات لبناء الثقة في الميدان. كان يجب أن تنزل عن أكتافها عبء اثبات نظافة أيديها.

بدل ذلك، يستمر نتنياهو في تضليل العالم واللعب ببوجي بقدرة فائقة. وبعد ذلك يستغرب لماذا لا يوجد أحد في العالم (باستثناء شتاينيتس ودافيد بيتان) يؤمن بكلمة واحدة تخرج منه. فمرة يتحدث في بار ايلان، وبعد ذلك يلغي هذا الحديث. تعلن وزارة الخارجية التزام اسرائيل بحل الدولتين. ونائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطوبلي، ترفض هذا الحل بكلتا يديها. ولم نتحدث بعد عن بينيت وشكيد وسموتريتش.

القضية هي أنه بعد كل ذلك ما زلنا على قناعة أنه يمكننا الركوب على هذا الحمار والى الأبد. وأنهم سيستمرون في تصديقنا والدفع لنا وتمويلنا واستخدام الفيتو من اجلنا. جميع من يزعمون أن امريكا لم تعد ذات صلة، كانوا سيضطرون الى البكاء لولا المساعدات الامنية الامريكية التي تجعل الاجهزة الامنية تقف على أرجلها وتحافظ على قوة اسرائيل في هذا المكان.

الآن، عندما تصل الدراما الى الذروة، واوباما يفكر ويتردد اذا كان سيقوم بخطوة تاريخية تغير الواقع في الشرق الاوسط النازف، وكذلك شروط اللعبة التي نجحنا في فرضها، نحن نصل في المقابل الى ذروة الوقاحة والانتعاش وكأن اسرائيل بالفعل هي قوة عظمى عالمية، والولايات المتحدة تجلس الى جانبها وتستمتع من الفتات الذي تقدمه لها. هذه متلازمة دائمة ترتبط بجميع سنوات نتنياهو في الحكم. وقد قال الرئيس بيل كلينتون جملة كهذه لمستشاريه بعد لقائه الاول مع نتنياهو في العام 1996: “من قائد القوة العظمى هنا، ومن هو رئيس حكومة الدولة التي تحصل على الرعاية؟”.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى