مقالات مختارة

بوتين يصمم على اعادة مكانة روسيا كما كان الاتحاد السوفييتي سابقا: يعقوب عميدرور

 

مكانة روسيا في الشرق الاوسط تغيرت في السنوات الاخيرة. وهناك من يعتبر أنها اصبحت القوة العظمى الاهم في العالم. على الاقل في السياق السوري. السبب الاساسي لذلك هو قدرة رئيس روسيا فلادمير بوتين على استثمار الامكانيات الحقيقية والدخول في مخاطر المنطقة من اجل تحقيق مصالح بلاده.

لذلك هناك قائمة من الخطوات العملية: النجاح في الحرب من اجل استقرار نظام الاسد، المشاركة في تدمير الدولة الاسلامية (داعش)، اقامة موقع عسكري روسي جوي في شمال سوريا ونشر قوات برية (بدء من خريف 2015)، استخدام القوة الجوية من موقع في ايران (آب 2016)، الخلاف ومن بعده التعاون مع تركيا، تزويد ايران بالسلاح ومؤخرا التوقيع على الاتفاق (الذي فشل كما يبدو) مع وزير الخارجية الامريكي، جون كيري، حول مستقبل سوريا – حيث أن روسيا، خلافا للولايات المتحدة، لم تتنازل عن مواقفها.

دروس صعبة من ليبيا

يمكن فهم اسباب جهد روسيا في المنطقة اذا فهمنا العلاقة بينها وبين احداث خارجها، مثل الحرب ضد جورجيا في 2008، وضم شبه جزيرة القرم، وتهديد سلامة اوكرانيا وتحذير دول البلقان. كل ذلك قرره شخص واحد، لذلك هناك كما يبدو شيء مشترك بينها جميعا.

يبدو أن ما يحرك روسيا الآن في جميع هذه الحالات هو عدم التسليم بالمكانة الهامشية التي يدفع بها الغرب روسيا اليها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. لهذا روسيا تصمم على اعادة ولو جزء بسيط من مكانة الاتحاد السوفييتي السابق لروسيا اليوم.

هذا الامر يجد تعبيره في الامور الرمزية وفي الامور العملية. في الجانب الرمزي يبرزون في روسيا دور الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، واسهامه في الانتصار والتضحيات التي قدمها. وفي الجانب العملي تبذل روسيا جهدها من اجل الحفاظ على تأثيرها في المكان القريب منها وفي العالم ككل. لذلك ردت روسيا بهجومية استثنائية عندما اعتقدت أن الناتو يحاول الانتشار باتجاه دول اخرى قريبة منها. وهي ليست على استعداد للموافقة على جهود الاحتواء والاستبعاد التي تتم ضدها. وحسب اعتقاد موسكو، أن ذلك يتم بقيادة الولايات المتحدة، تفسر روسيا خطوات الناتو والاتحاد الاوروبي على أنها تهديد وهي لا تقبل تفسير الغرب بأن الحديث يدور عن خطوات دفاعية. وهي تعتقد أن هذا جزء من المؤامرة الامريكية لعزل واضعاف روسيا.

إن جزء كبير من خطوات روسيا موجه ضد الولايات المتحدة التي تعتبر العدو الاول. وفي نفس الوقت تعتبر قوة عظمى ضعيفة، لا سيما بسبب طبيعة الادارة الحالية التي تخشى من أي مواجهة قد تتحول الى مواجهة عسكرية.

هذا هو السبب الذي يدفع روسيا الى عدم التنازل، ليس فيما يتعلق بضم القرم ولا الاستمرار في مساعدة جهات في شرق اوكرانيا، وايضا فيما يتعلق بمكانة الاسد في دمشق. روسيا متشددة جدا في مفاوضاتها حول هذه الامور وهي تصمم على استخدام القوة العسكرية. وحتى الآن نجحت في ذلك.

عندما يكون الدافع القومي والاستخلاص حول الولايات المتحدة هما الخلفية، يمكننا فهم أفضل ما تقوم به روسيا في الشرق الاوسط، المكان الذي هو قريب جغرافيا لها.

الحدث الصعب الذي يؤثر في الوقت الحالي على سلوك روسيا هو الازمة الليبية. وقد وافقت روسيا الانضمام الى قرار مجلس الامن في آذار 2011. الذي تمت صياغته بحذر من اجل شن الحرب الشاملة على نظام القذافي. وبالفعل، وجدت روسيا نفسها متفاجئة من الغرب. حيث أنه تحت مظلة القرار تم القضاء على النظام الذي استثمرت فيه روسيا، ومن قبل الاتحاد السوفييتي، الكثير من الاموال والجهد السياسي.

النتائج التدميرية لهذه العملية أدت الى انهيار الدولة والى الفوضى، التي لم تستقر الى الآن. وتحولت ليبيا الى مصدر السلاح الرئيس للمنظمات الارهابية، وبقدر كبير جدا. وهي تجذب لاجئين من جميع أنحاء افريقيا في طريقهم الى اوروبا.

الوضع السائد حاليا في ليبيا يثبت لروسيا وللآخرين لماذا يجب عليهم منع تكرار ذلك. هذا هو سبب رفض روسيا لكل قرار يعطي فرصة للعمل ضد النظام في سوريا، منذ بدء الاحداث المشابهة هناك.

أحداث مصر ايضا التي تمت قبل ذلك بأشهر، أثرت على روسيا في عملية اتخاذ القرارات. نتيجة احداث الربيع العربي وعزل مبارك، تم اعتبار الولايات المتحدة حليفة تترك من سار معها على طول الطريق. كان من المهم لروسيا الظهور على أنها تختلف تماما في هذا عن الولايات المتحدة. أي أنها مخلصة وغير خائنة.

هذان الحدثان، في ليبيا ومصر، شكلا الرد الفوري لموسكو على الاحداث في سوريا. ووقفت بسرعة وبشكل واضح الى جانب الاسد.

ثمن قلة الحذر

دافع آخر هام يؤثر على سياسة روسيا في المنطقة هو الخوف من زيادة التطرف الاسلامي السني وانتشاره الى روسيا، التي فيها خمس السكان من المسلمين السنة. إن زيادة قوة داعش واذرعه في العالم وايضا العدد الكبير من المتطوعين القادمين من روسيا الى صفوف داعش، اضافة الى العمليات الارهابية التي تعرضت لها روسيا في السابق، كل ذلك يبرر قلق روسيا ويؤكد ادعاءاتها بأن القضاء على صدام حسين من قبل الولايات المتحدة وتعزيز المعارضة السنية في سوريا من قبل حلفاء الولايات المتحدة، هو المسؤول عن ما وصل اليه داعش اليوم. العالم يدفع ثمن عدم حذر الغرب.

إن تدخل روسيا في سوريا تطور في ثلاث مراحل. الاولى نبعت من اعتماد الجيش السوري بشكل كامل على السلاح الروسي. روسيا استمرت في توفير احتياجات الجيش السوري. لذلك وسعت سيطرتها في ميناء طرطوس حيث زاد عدد السفن التي كانت تقوم بايصال السلاح الى هناك بشكل مطرد. في البداية كان الحديث عن الذخيرة. ولكن فيما بعد تم احضار سلاح متطور لا يحتاجه النظام في الحرب. وبعضه تم نقله لحزب الله دون أن يوقف الروس ذلك. صفقات السلاح هذه تشير الى امكانية أن الربح الاقتصادي مهمة ايضا وهي جزء من اعتبارات روسيا.

المرحلة الثانية في التدخل الروسي كانت أقل وضوحا للعين. ولكن في مرحلة معينة زاد تدخل المستشارين والاجهزة الاستخبارية الروسية في الحرب. ويصعب القول كم كان عددهم والى أي مدى تدخلوا، لكن من الواضح أن ذلك كان أكثر من مجرد تزويد السلاح. يبدو أن الادوات الاستخبارية المتطورة لروسيا قد رجحت الكفة وأوقفت تدهور الجيش السوري في ارض المعركة.

المرحلة الثالثة، الحالية، التي بدأت بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران. هي المرحلة التي تشمل نشر الطائرات المتقدمة والمساهمة العلنية والمباشرة والهامة جدا في الحرب، وكذلك القوات البرية من اجل حماية مواقع مثل المطار والميناء. روسيا تعمل بكل قوتها (احيانا بدون أي مراعاة انسانية) وبالتعاون الكامل مع ايران وحزب الله من اجل انقاذ النظام العلوي. والاولوية الثانية هي الحاق الضرر بداعش والمنظمات المتطرفة الاخرى.

لقد استغلت روسيا الفرصة التي سنحت لها وحولت ميدان المعركة في سوريا الى ساحة لتجربة الاسلحة الجديدة وساحة لعرض قدرتها الاستراتيجية بشكل أكبر كثيرا مما تحتاجه ساحة المعركة.

على سبيل المثال، قامت روسيا باطلاق صواريخ من بحر قزوين في حين أن الطائرات كانت تبعد 150 كيلومتر عن الاهداف التي تم قصفها، واستخدمت بوصلات استراتيجية ونشرت صواريخ اس 400 (مضادة للطائرات والصواريخ) بلا أي حاجة تنفيذية. لأنه لا توجد أي قوة جوية تعرض القوات الروسية في سوريا للخطر. وكان مهم بالنسبة للروس استعراض قوتهم كقوة عظمى امام دول المنطقة وأمام متخذي القرارات في اوروبا والولايات المتحدة.

انتقام بوتين

الامتحان الصعب للقيادة الروسية أمام تركيا، خرجت منه بطريقة تؤكد قدرتها على مواجهة الازمات.

لقد اعتبرت تركيا تدخل روسيا في صالح الاسد امر سيء. لأن اردوغان عمل بشكل كبير ضد الرئيس السوري الذي يكرهه. ولأن هذا الامر أدى الى انتشار القوات الروسية في جنوب تركيا. هذه القوات التي عملت قريبا من حدود تركيا. وتجاهلت اختراق الطائرات الروسية لتلك الحدود. نوع من الاستخفاف الروسي بتركيا. وردا على ذلك قام الاتراك بنصب الفخ واسقطوا طائرة روسية زعموا أنها اخترقت الحدود التركية في تشرين الثاني 2015.

كان ذلك امتحان لبوتين. وقد قرر الرد بقوة. وبشكل فوري توقفت العلاقات التجارية مع تركيا (باستثناء موضوع الغاز). وبدأت روسيا في حملة شخصية ضد اردوغان وابناء عائلته. وأهم من كل ذلك كان الخطوة الاستراتيجية، حيث بدأت روسيا بالتقرب من الاكراد في شمال سوريا. صحيح أن هؤلاء هم اعداء الاسد لأنهم يريدون حكما ذاتيا في منطقتهم، لكن لا شك أن هذه الورقة الاكثر اهمية امام تركيا، التي تخاف من أي علامة على السيادة الكردية على طول الحدود بين تركيا وسوريا.

الحديث يدور عن الاكراد الذين يديرون علاقات شجاعة مع المنظمة الكردية المسلحة في تركيا الـ بي.كي.كي. والتي تعتبرها تركيا منظمة ارهابية ويحاربها الجيش. وفهم اردوغان ان خطرا الاستراتيجيا قد ينتج عن خطوة روسيا فقرر تغيير العلاقة مع روسيا بشكل تام. واستغل الفرصة بعد فشل الانقلاب في تركيا في تموز الماضي واعتذر لروسيا عن اسقاط الطائرة. وتنازل عن طلب الاستقالة الفورية للاسد. وفي الصراع بين زعيمين قويين في المنطقة خرج بوتين ويده هي العليا.

تدخل روسيا في صالح انقاذ النظام العلوي لم يتم لنفس الاعتبارات التي أدت الى تدخل ايران. ولكن الدولتين وجدتا انفسهما في نفس الطرف، وهما تريدان الحاق الضرر بالولايات المتحدة وتقليص تأثيرها في المنطقة. ويبدو أن الطرف الايراني هو الذي يجد صعوبة في ملاءمة نفسه مع العلاقات بين الدول، الامر الذي أخذ في التسارع مع توقيع الاتفاق النووي مع ايران.

إن لقاءات الزعماء زادت منذ ذلك الحين وتم التوقيع على اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة والسلاح، الامر الذي له أهمية للطرفين. إلا أن ايران ما زالت تتذكر احتلال بعض اجزاء منها من قبل روسيا في الحرب العالمية الثانية، والحساسية من التدخل الاجنبي كبيرة جدا. لذلك عندما تم الاعلان عن استخدام سلاح الجو الروسي لأحد المواقع العسكرية في ايران قبل شهر بادرت ايران الى وقف ذلك.

حدود القوة

سؤال هام يطرح في ظل جهود روسيا الكبيرة هو في أي نقطة ستتصادم طموحاتها بجدار قدرتها المادية المحدودة؟ صحيح أن الحديث عن دولة كبيرة، لكن سكانها يتضاءلون واقتصادها على شفا الانهيار. ومع ذلك فقد استثمرت بشكل كبير في التقدم وتحديث جيشها، وهي تخرج الى مغامرات مكلفة.

هل يمكنها الاستمرار في ذلك في المستقبل؟ لا يوجد جواب جيد لهذا السؤال. لذلك فان العالم، كما يبدو، سيفاجأ باستمرار من كل خطوة روسية اخرى تزيد من انتشار القوات العسكرية.

توجد خلافات صعبة بين اسرائيل وروسيا وخصوصا بعد بيع السلاح المتقدم لايران وسوريا ووصول جزء من هذا السلاح لحزب الله. ومن جهة اخرى استعداد روسيا لتنسيق النشاط الاسرائيلي الجوي في سماء سوريا الامر الذي يعكس نوعا من الفهم لاعمال اسرائيل لافشال نقل السلاح.

في مجمل العلاقات مع روسيا، اسرائيل هي دولة واقعية: تحاول فهم ما يمكن تحقيقه وما لا يمكن تحقيقه.

لقد فهمت اسرائيل انها لا تستطيع وقف التعاون بين ايران وحزب الله وسوريا في الحرب ضد المتمردين، لكنها فرضت ترتيب عملي لمنع نشوء حادثة اذا عمل الطرفان في نفس المكان في ظل غياب الاتصالات بينهما. وحتى لو لم نعتمد على الأمل بأن روسيا ستقيد حزب الله وايران في العمل ضد اسرائيل. فان على اسرائيل الاستمرار في التعايش مع القوات الروسية بالقرب منها وتوضيح مصالحها، واحيانا استخدام القوة للدفاع عن نفسها. ولكن بدون تصادم مباشر مع روسيا – التي يجب التحاور معها على جميع المستويات.

اسرائيل اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى