بقلم ناصر قنديل

الراعي يقدّم بديلاً لعون أم بديلاً عنه؟

ناصر قنديل

– يقترح البطريرك بشارة الراعي على العماد عون المفعم بالكرامة أن لا يرتضي لكرامته مناقشة أي شأن آخر غير انتخابه رئيساً بداعي اعتبار كل نقاش وتفاهم في شأن آخر شروطاً تمس كرامة الرئيس، وتنتقص من تمسكه بالدستور. والعزف على وتر الكرامة في التخاطب مع العماد عون، ومن موقع بكركي المعنوي في شأن الرئاسة التي يفترض أنها شأن يهم المرجعيات المسيحية في لبنان، لكونها المنصب الأول الذي يترجم شراكتهم الوطنية والسياسية، عزف فعّال لمن يعرف معنى العازف والمستهدَف بالعزف، فماذا يعرض سيد بكركي على الجنرال وهما يعرفان أن الرئاسة تفرّق بينهما عقلاً وقلباً، فلا البطريرك من المحبّذين لوصول عون، ولا عون من الذين سيكون لبكركي «مونة» عليهم في الرئاسة.

– للتفاهمات السياسية والسلال منها، تسميات تعبر عن موقف الأطراف من مضمونها، فالكل يعلم أن استحقاقاً بحجم الرئاسة لا يمكن أن تقاربه القوى السياسية المحلية والخارجية بقياس طول المرشح ووزنه ولون عيونه، بل بالمضمون السياسي الذي يجسده، فإن راقت التفاهمات لمن يراقبها أسماها مقتضيات الميثاقية والشراكة والوفاق التي لا قيامة للبنان بدونها، كما حدث من كل منابر الكنيسة في الحديث عن تفاهمات الدوحة التي جاءت بالرئيس ميشال سليمان، وإن لم ترق أو لم يرق من سيتوّجها في منصب الرئاسة صارت صفقة وشروطاً ومهانة للكرامة، ليس لشخص الرئيس العتيد وحسب، بل للطائفة التي سيشغل الرئاسة بحكم الانتماء إليها، ووجب الأخذ على يده، وتحذيره من مغبة التفريط بالكرامة والسؤال كيف لا يأبى، كما كانت الوطنية اللبنانية بالسؤال مع بدء الحرب على سوريا، بكيف لا ينأى؟

– من المفيد أخذ الأمور بحسن النيات هنا، وتوضيح معنى السلة والتفاهمات بكونها ليست شروطاً على مرشح ولا قيوداً على صلاحياته الدستورية، فالحديث يجري على تفاهمات بين الكتل النيابية تمهيداً لتوافقها على السير بمرشح رئاسي ومرشح لرئاسة الحكومة، يمكن افتراض أنهما من خارج الكتل أو خارج الكتل الكبرى، وخصوصاً الكتلتين الكبريين في المجلس النيابي، وبالأخص الكتلتين اللتين تمثلان حصراً طائفتين كبيرتين تتمثلان في مناصب الدولة الأولى بالرئاستين الأولى والثالثة، عندها سيبدو الأمر أبسط وأسهل على الفهم، لأن المرشحَيْن ليسا طرفين في التفاهمات أو السلة، بل مقيدان بها، لأن لا انتخاب وتسمية وتشكيل حكومة وثقة وتشريع بلا الأغليية اللازمة نيابياً، وهي أغلبية متفقة على تفاهمات أنتجت توافقها على اسمَي المرشحَين، وهذه قمة الديمقراطية، أما عندما يكون المرشحان الرئاسيان زعيمين لأكبر كتلتين، فالتفاهم مع كتلتيهما اللتين تتوجهان نحو سائر الكتل طلباً لدعم مرشحيهما، يبدو تقييداً للمرشحين الزعيمين، وهو تفاهم بين كتل نيابية شرعي وطبيعي وميثاقي، يظلل تفاهمها على اسمي مرشحين للرئاستين، تماما كما جرى في الدوحة التفاهم الذي جاء بالرئيس ميشال سليمان والرئيس فؤاد السنيورة والتزماه، لأن لا حل ولا ربط بلا الأغلبية النيابية وفقاً للدساتير الديمقراطية… إلا إذا كان البعض يريد أن يقول للمرشحين أن التفكير هو بشيء آخر لا دستوري ولا ديمقراطي، ثنائية زعامتين لطائفتين ربما تستعيدان بعضاً من ذكريات مضت؟ وهو يعلم استحالتها فيضعهما وسط النار لا تستطيعان التقدم ولا تستيطعان التراجع؟

– إذا كان لدى غبطة البطريرك بديل عن التفاهمات أمام العماد عون وليس ما لديه هو بديل عنه، فماذا عساه يكون؟ يكفي تخيل المسار الذي يعتبر البطريرك اعتماده انسجاماً مع الكرامة. إن أفضل السيناريوهات يقول باستجابة الجميع مع نداء بكركي بنيته الإيجابية، أي تسهيل انتخاب العماد عون بلا تفاهمات ولا سلة تنجزها الكتل النيابية ولا مَن يحزنون، فيصل العماد عون للرئاسة ويصبح الرئيس سعد الحريري مكلفاً بتشكيل الحكومة، وتبقى الحكومة الحالية لتصرّف الأعمال، ويبدأ الرئيس الحريري مساعيه لتشكيل الحكومة، ويضع حزب الله موقفه من المشاركة وشكلها في عهدة شريكه في تمثيل الطائفة، حركة أمل التي وضعت موقفها من رئاسة الجمهورية بتصرفه، وفقاً لتفاهم بينهما. فهل هذا ديمقراطي ويستقيم مع كرامة الرئاسة؟ بالتأكيد الجواب هو نعم، ويبدأ الرئيس المكلف مشاوراته لتشكيل الحكومة العتيدة، ويصل لمشاركة طائفة تمثل شريكاً رئيسياً لا بد من مشاركتها، بقواها الفاعلة، ولا نظن أن أحداً يغوي عون والحريري بتجاهل الشراكة الفاعلة، فإذن على الرئيس المكلف وفقاً للسيناريو هنا الذهاب للتفاهم مع رئيس المجلس النيابي الممثل المكلف من الشريكين حزب الله وأمل بالتفاوض مع الرئيس المكلف على شكل المشاركة في الحكومة ونوعها وشروطها. والسؤال على ماذا تدعونا يا شيخ سعد؟ حكومة ستنتج قانون انتخابات وتجري انتخابات نيابية بعد شهور؟ فما هو القانون؟ وحكومة سيكون لها بيان وزاري يتناول الأوضاع الداخلية والإقليمية ومصير المقاومة وسلاحها، والحرب على الإرهاب ومقتضياتها، فهل تريدنا أن نذهب مغلقي العيون لمنح ثقتنا ومشاركتنا لحكومة بلا تفاهمات؟ وهل في هذا انتقاص من الكرامة؟ أم هو صلب الديمقراطية وروح الدستور لكيفية مشاركة الكتل النيابية في الحكومات، في لبنان وسويسرا والبرازيل وفرنسا وبريطانيا؟

– سيدور النقاش الديمقراطي والرئيس المكلف لا يملك أن يعطي ضمانات بلا تفاهم مع رئيس الجمهورية، وكلاهما سيبحث مع كتلته والكتل الأخرى، لتشكل جبهة نيابية داعمة للحكومة تتبنى برنامجاً للعمل الحكومي، وعادة هذا يستهلك في ظروف لبنان، وبعدما يكون الفراغ الرئاسي قد جرى ملؤه قرابة التسعة إلى عشرة شهور. كل حكومات ما بعد الدوحة استهلكت هذه المدة تقريباً، وهذا يعني أن يحكم الرئيس المنتخب في أول عهده بالكرامة الممنوحة له ببركة بكركي مع حكومة تصريف أعمال، حتى تحين الانتخابات النيابية فتجريها حكومة الرئيس تمام سلام وفقاً لقانون الستين، ويأتي مجلس جديد ومشاورات لتسمية رئيس حكومة جديد، يرجح أن يكون الرئيس فؤاد السنيورة لأن الريس الحريري سيشعر بالتعب والملل واليأس ويقول، يكفيني ما فعلت، وتبدأ المشاورات للتفاهمات حول الحكومة شكلاً وحجماً وبياناً وزارياً، وحكماً وجهة وربما أسماء التعيينات، ولتسعة شهور أخرى، تكون قد مضت سنتان من عمر الرئاسة… بكرامة؟؟؟

– البديل أن ينتفض العماد عون للكرامة بقوة نخوة بكركي وتتعطل التفاهمات والرئاسات ويصير البحث ببديل لا يحتاج للشراكة بالتفاهمات، لأنه سيلتزم بها دون أن يكون شريكاً بصناعتها، كالرئيس سليمان، لأنها تفاهمات الكتل النيابية، والزعماء، كما تقول الديمقراطية ويشرع الدستور، فرئيس الكرامة ليس زعيماً، تقول بكركي؟!

– ثمة بديل أن تنعقد طاولة الحوار ويعود الجميع إليها بحسن نية يباركان تلاقي عون والحريري ومساعيهما، وتصيغ الطاولة بأركانها، شبكة أمان سياسية وحكومية تتيح إقلاعاً سريعاً وفاعلاً للعهد الجديد ببركة بكركي، لأن التفاهمات لم تتم مع المرشحين ولا هي شروط عليهما، بل هي تعبير الكتل النيابية عن فهمها للممارسة الديمقراطية التي لا ترى المشاركة على طريقة «كوني جميلة واصمتي»، كما هي تعبير عن التزامها مفهوم الميثاقية والشراكة، كتعبير عن فهم مقدمة الدستور وجملته العبقرية المعبرة «لا شرعية لسلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى