بقلم غالب قنديل

دوافع الحريري

غالب قنديل

تضاربت المعلومات حول مصدر التقدير السياسي الذي بلغ الرئيس سعد الحريري مؤخرا ودفع به إلى تحرك واتصالات مكثفة داخليا وخارجيا محورها المعلن هو الاستحقاق الرئاسي انطلاقا من إيحاء غير مصرح به علانية باحتمال تبنيه لترشيح العماد ميشال عون بينما لا يزال يبدي تمسكا في الظاهر بترشيح الوزير سليمان فرنجية.

اولا الأكيد حتى اليوم ان المناخ الدولي والإقليمي هو مناخ اشتباك وصدام وتجاذب بين الولايات المتحدة وروسيا وليس مناخ توافقات وتفاهمات كما خيل للكثيرين منذ أشهر وبالتالي فليس الحريري في اجواء تسوية ما نضجت شروطها فطلب إليه السعي لتظهيرها وبينما يتواصل التصعيد السعودي في الحروب التي تخوضها المملكة تحت القيادة الأميركية وبالشراكة مع تركيا وإسرائيل لا مجال للاستنتاج ان الرياض دفعت بحليفها الرئيسي في لبنان إلى التحرك لتنفيذ خطة إنقاذية تدعمها كما حصل في زمن الطائف والأكيد اكثر ان المملكة السعودية تربط جميع خططها وحساباتها بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بينما هي منهمكة في التصدي لأخطار وجودية اقتصادية وسياسية كثيرة نتيجة انحسار الفورة النفطية واعباء حرب اليمن ومأزق العدوان على سورية وقد أضيف إليها كابوس جاستا الذي عصف بالمملكة من الكونغرس بإجماع جمهوري ديمقراطي .

ثانيا تحيط مظاهر التفكك والانكماش بتيار المستقبل منذ فترة غير قصيرة خصوصا منذ الانتخابات البلدية والأسباب هي سياسية ومالية في آن معا فمصادر الاستقطاب والتماسك حول زعامة الحريري تراجعت لدرجة بات فيها بعض الرموز الذين انتجتهم الحريرية وغرفوا من مالها ومن رصيدها وكانوا من فريقها التنفيذي يملكون الجسارة الكافية لإعلان سقوطها وثمة مؤشرات اخرى على نزاع محتدم داخل المستقبل محوره تقاسم المتبقي من الشعبية والهياكل بين اجنحة متصارعة على النفوذ وحيث تزدحم البلدات والأحياء بطموحات وزارية ونيابية كثيرة تنطلق أحيانا من الطلاق مع القيادة والشكوى من رداءة سلوك الوكلاء الذين انيطت بهم الصلاحيات والإمرة.

ثالثا لأن الحريرية قامت أصلا على منهجية تكوين الولاءات بالتقديمات والأموال ولاحقا بضمان المصالح والنفوذ عبر هياكل الدولة فهي تعيش انحسارا طبيعيا بفعل الشح المالي الخطير الناتج عن مأزق شركة سعودي اوجيه الذي لايفسره فحسب واقع الاقتصاد السعودي المتأزم مع انتهاء البحبوحة النفطية وعن تبدل الأولويات السعودية لدرجة تراجع الاهتمام بصرف المزيد من المال من خزائن المملكة لتمويل أي خطة سياسية في لبنان بعد الفشل الذريع لجميع الخطط التي أهدرت لأجلها مليارات الدولارات في السنوات الماضية وبعدما اضطرت المملكة بطلب أميركي إلى قبول تسوية تشكيل حكومة الرئيس سلام وكسر فيتو الرياض على مشاركة حزب الله وهو ما عبرت الإدارة السعودية الحالية عن رفضها له بموجة الغضب الشهيرة التي بدت عقابا لفريقها اللبناني على الفشل والإخفاق في تنفيذ ما تعهد به وتلقى ما طلبه لتلك الغاية.

رابعا بعض ما يشاع عن تمويل سعودي مستمر لنواب ووزراء من تيار المستقبل بعضهم يناكف الحريري ويجاهر بمنافسته له يوضح عاملا آخر في الأزمة وهو مكانة الحريري المهزوزة عند الفريق السعودي الحاكم فإضافة إلى الإشكال المعروف مع ولي العهد محمد بن نايف وما نقل عن ضغينة متراكمة بسبب تصريحات للشيخ سعد داخل الصالونات وعبر وسائل الإعلام ثمة مؤشرات على ان الملك سلمان وابنه محمد يعملان لتغيير شامل في فريق المقاولات والاستثمار الذي اعتمده القصر الملكي منذ عهود ثلاثة في زمن الملوك الراحلين خالد وفهد وعبدالله وحيث يحتسب آل الحريري داخل العائلة السعودية في خانة الملك فهد وولده الأمير عبد العزيز الذي تربطه علاقة شخصية ومالية متينة بالرئيس سعد الحريري وشاعت مؤخرا معلومات عن تحقيقات ومطالبات مالية كبيرة استهدفته في الديوان الملكي منذ تولي عمه سلمان للحكم .

خامسا الحسابات التي اوصلت الحريري للتحرك وحفزته عليه وبغض النظر عن مصدرها تقوم على فرضية انه لن يستطيع تجاوز مأزقه السياسي والمالي والحفاظ على ما تبقى من حزبه قبل ان يلتهمه الاهتراء والتآكل إلا إذا عاد لرئاسة الحكومة وهو من هذا الموقع قد يستطيع ترميم صورته لدى الحكم السعودي كحاجة لايمكن الاستغناء عنها وثمة من يقول إنه بين أهداف جولة الحريري اللبنانية والخارجية شد انتباه الرياض لترسل في طلبه وتبلغه موقفها وقرارها حول الوضع اللبناني بحيث يتسنى له بسط همومه السياسية والمالية وطلب المساعدة … الحريري يبحث عن حل لأزمته الخاصة السياسية والمالية وفي الطريق يبدي استعدادا للتكيف مع الحل الممكن لأزمة الشغور الرئاسي وتلك هي الحكاية فثمة من يعتقد أيضا ان عينه على النفط والغاز في لعبة تقاسم سياسية جديدة أشد إغراءا مما كانت عليه سوليدير صفقة والده الراحل التي أعدها قبل اتفاق الطائف بسنوات واقتضت عملية إنجازها وحمايتها حصانة رئاسة الحكومة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى