الروس… وسيناريو “الأفغنة” في سوريا د. ليلى نقولا
بدأت الحملة العسكرية للجيش السوري لتحرير حلب بعد انهيار الهدنة الروسية الأميركية التي كان واضحاً أنها لم تكن جدّية من الأساس، والتي نشر الروس بعض وثائقها، بينما سرّب الأميركيون في وقت سابق بعض بنودها.
ولعل التستُّر الأميركي على بنود الهدنة، ثم قيام مقاتلات التحالف الدولي بشنّ غارة على الجيش السوري في دير الزور، والتمهيد لـ”داعش” لاحتلال بعض المراكز الاستراتيجية، يشيرون إلى أن الاستنزاف – استنزاف الجميع – ما زال الخيار الأفضل بالنسبة للإدارة الأميركية والبنتاغون، وهو ما دفعهم إلى التصعيد العسكري والإعلامي والاشتباك الدبلوماسي مع الروس في مجلس الأمن.
ولعل التصريحات الأميركية حول أن انهيار الهدنة في سوريا قد يؤدي إلى قيام حلفائهم الخليجيين والسعوديين، وحتى الأتراك، بإمداد فصائل المسلحين السوريين بصواريخ مضادة للطائرات قد تكون جزءاً من التفكير الاستراتيجي الأميركي بتحويل الساحة السورية إلى مستنقع للروس، مستعيدين التجربة الأفغانية، ويعتقد الأميركيون أنهم يستطيعون ذلك، كما قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد، خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلَّحة في مجلس الشيوخ، حين اعتبر أنه ما زال من غير الواضح إن كانت روسيا قد باتت في مستنقع في هذا الوقت في سوريا، قبل أن يستدرك ويُطمئن بأن الأميركيين وحلفاءهم يملكون مجموعة واسعة من الخيارات العسكرية التي يمكن أن تساعد في تغيير الحسابات الروسية في سوريا.
فما هي الاحتمالات المتاحة أمام خيار “الأفغنة”؟
بداية، شكّلت أفغانستان – تاريخياً – بالنسبة للروس درساً عسكرياً مؤلماً يستفاد من خبرته ويُخشى من تكراره، تمامًا كما الدرس الفيتنامي للأميركيين، وهو درس عسكري استفادت منه جميع الدول الكبرى التي تقاتل في حروب لامتماثلة، حيث يغرق الجنود في حروب العصابات التي من الصعب جداً لأي جيش نظامي أن ينتصر فيها. من هنا، يدرك الأميركيون أهمية أفغانستان في الذاكرة الجماعية الروسية، لذا يحاولون بشكل دائم التهويل على الروس – إعلامياً وسياسياً – بالمستنقع السوري لثنيهم عن التقدُّم العسكري في سوريا.
أما عسكرياً، فتجزم الدراسات العسكرية أن سلاح الجو وحده لا يستطيع أن يحسم معركة، لذا تحتاج المعارك إلى جيوش برّية تقاتل على الأرض لكسب الحرب. من هنا، فإن ما يخفف من الخسائر الروسية وإمكانية استنزافهم بشرياً في سوريا، الاتكال على القوة البرية التي يشكّلها الجيش السوري وحلفاؤه للتقدم برياً في المعارك التي يمهّد لها سلاح الجو الروسي.
أما بالنسبة للصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، والتي تمّ بالفعل إدخال البعض منها إلى الساحة السورية، وهي التي ساهمت في إسقاط بعض الطائرات السورية في وقت سابق، والتي يهدد الأميركيون باحتمال مدّ المجموعات المسلحة بها لإسقاط الطائرات الروسية، فأمام هذا الخيار مصاعب عدة، أبرزها:
1- تبدُّل ولاءات المجموعات المسلحة في سوريا، وتفلُّت بعضها من قبضة الراعي الإقليمي أو الدولي والالتحاق بتنظيم “داعش” أو “النصرة”، وللأميركيين تجربة مُرّة مع “نواة الجيش السوري” الذين حاولوا تأسيسه في تركيا ولم يبقَ لهم منه سوى خمسة عناصر، بينما استسلم الآخرون وسلّموا أسلحتهم الأميركية لـ”جبهة النصرة”.
2- سوق بيع الأسلحة الذي يدرّ ملايين الدولارات على المُتاجرين به، وإمكانية قيام المجموعات المسلَّحة ببيع هذه الصورايخ لجهات غير مرغوب فيها، تقوم بإطلاق تلك الصواريخ على طائرات التحالف الدولي في سورية والعراق، أو على الطائرات التركية التي تقاتل في الشمال السوري.
3- يعمل الطيران الروسي بشكل أساسي في وسط وشمال سوريا أكثر من الجبهة الجنوبية (الحدود الأردنية – أو الحدود مع الجولان المحتل)، لذا يجب إدخال الصواريخ تلك بعد موافقة تركيا على إدخالها، فهل يغامر أردوغان بالسماح بإسقاط طائرة روسية أخرى في الشمال السوري؟
4- احتمال أن يقوم بعض خبراء التحالف الدولي بإدخال بضعة صواريخ، وإطلاقها على الطائرات الروسية لإسقاطها، لإرسال رسالة تهديد للجيش الروسي، لكن أمام هذا الخيار مصاعب أخرى، أهمها شخصية فلاديمير بوتين، الذي سينتقم بشكل شديد، وإمكانية الرصد والاستطلاع المتطورة التي ستمكّن الروس من كشف مسار هذه الصورايخ ودخولها والجهة التي أطلقتها، والتي قد تسبب حرب مباشرة بين الغرب وروسيا، وهو خيار عالي الكلفة والمخاطر قد لا يتحمل أحد تكلفته.
في النتيجة، يبدو خيار استنزاف الروس من خلال “الأفغنة” صعباً في المدى القصير والمتوسط، بينما قد يكون متاحاً على المدى الطويل، ويدرك الروس جيداً هذا الأمر، لذا يهرولون إلى التفاهم مع الولايات المتحدة كلما سنحت لهم الفرصة، إذ تبقى كلفة أي حل سياسي أفضل بكثير من الاستنزاف الطويل الأمد، ولعل تجربة فشل الهدنة الأخيرة دفعتهم إلى الإيمان بأن لا حلّ متاح أمامهم للتخلص من سيناريو “الأفغنة” المرعب، سوى الذهاب إلى محاولة حسم عسكري يقلب موازين القوى السورية، ويدفع الرئيس الأميركي القادم إلى طاولة المفاوضات.