فرضية الاستنزاف الأميركية
غالب قنديل
منذ المبادرة الروسية العسكرية والسياسية في سورية قبل سنة بنتيجة اتفاق بين الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد وبدعم من حلفاء الدولتين إيران والصين وحزب الله عملت الولايات المتحدة على خطين متوازيين هما :
– زيادة الدعم العسكري والمالي للجماعات الإرهابية من خلال قطر وتركيا والسعودية والأردن وإسرائيل وإنشاء غرفة العمليات المشتركة بقيادتها الأميركية في منطقة حلب المركزية مع استمرار النشاط التدريبي والتخطيطي لحلف العدوان في تركيا والأردن بحيث دفعت نحو حلب وإدلب جحافل قدرت بالالاف وآلاف اطنان السلاح التي نقلت جوا إلى تركيا وكذلك أرسلت حشود متزايدة نحو جبهة الجنوب السوري وخصوصا إلى منطقة الجولان بعد تشتيت هجمات الإرهاب في درعا والسويداء وريفهما.
– المراوغة والمماطلة على خط التفاوض الروسي الأميركي للجم احتمالات الحسم التي رافقت الخطوات العسكرية الأولى الروسية التي عدلت ميزان القوى في ما عرف بعاصفة السوخوي وبحيث كان التمييع الأميركي لموضوع الفرز بين عملاء واشنطن الذين تدعوهم بالمسلحين المعتدلين وجماعة القاعدة وداعش وبينما كانت روسيا تعطي الفرصة تلو الفرصة للمفاوض الأميركي انتقلت إلى عمل توثيقي ميداني وضعه الوزير لافروف على طاولة التفاوض مطالبة بإجراءات عملية ضمن منطق الشراكة في محاربة الإرهاب وصولا إلى توقيع الاتفاق الذي انقلبت عليه الولايات المتحدة .
ظهرت في واشنطن مراهنة على إطالة امد الحرب لاستنزاف الدولة الوطنية السورية وحلفائها وخصوصا روسيا وإيران وحزب الله فجاءت الوقائع الاقتصادية والسياسية معاكسة لرغبات إدارة اوباما بعد هذه السنة وهو ما تبينه المعطيات لمن يدقق :
اولا اكدت الانتخابات النيابية الروسية مؤخرا تعزز شعبية الرئيس فلاديمير بوتين وسقوط المراهنة على النيل من رصيده بحملات الشيطنة الأميركية التي بنيت على يوميات سورية واوكرانيا وجميع التقارير الإعلامية حول نتائج الانتخابات اجمعت على ان الرئيس الروسي يحظى بشبه إجماع شعبي وهو الرمز القومي الذي تأتلف غالبية شعبية ساحقة حول زعامته اكبر من الوزن التمثيلي لحزبه السياسي الذي عزز موقعه عبر صناديق الاقتراع .
ثانيا على الصعيد الاقتصادي بينت التقارير الغربية ارتفاعا نوعيا في مبيعات السلاح الروسية خلال السنة التي اعقبت الانخراط الروسي في سورية بفعل ما اظهرت العمليات العكسرية من كفاءة وقوة ودقة صناعة السلاح الروسية وكذلك تسنى للاقتصاد الروسي التغلب على العقوبات الأميركية علما ان كلفة العمليات الروسية في سورية كما اوضح بوتين تغطى من موازنة التدريبات الخاصة بالجيش الروسي عدا عن العائدات الاستراتيجية الضخمة للدور الروسي سياسيا واقتصاديا من خلال الحضور المباشر على ساحل المتوسط وما يمكن ان يحمله ذلك من شراكات اقتصادية وتجارية مع دول المنطقة وخصوصا إيران وسورية والعراق .
ثالثا من الواضح ان الديناميكية المتسارعة في حركة الميدان السوري منذ الحملة الجوية الروسية تسير لصالح الدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة وهي واقعيا تعزز رصيد الدولة شعبيا وسياسيا من خلال تحرير المزيد من المناطق المهمة سكانيا واقتصاديا وعبر تفكيك التشكيلات المتمردة على الدولة بالمصالحات وباعادة استيعاب المسلحين في صفوف الجيش او في قوات الدفاع الوطني الرديفة كما حصل مؤخرا في القلمون وحيث تمثل الخطوات الجارية في حمص والغوطة وما هو قادم من الأحداث في حلب تراكما نوعيا ضد فرضية الاستنزاف .
رابعا تعترف التقارير الصهيونية بأن حزب الله راكم مزيدا من عناصر القوة والخبرة والتأثير من خلال وجوده في سورية وبالتالي بتصاعد قدراته الردعية والصاروخية خلافا لفرضية الاستنزاف خصوصا مع العائد اللبناني الكبير بحماية البلد من التهديد الإرهابي وباكتساب الحزب لثقل إقليمي معترف به إلى جانب إيران وروسيا والدولة السورية .
خامسا مما لاشك فيه ان الولايات المتحدة رغم كل ما تقدم تظهر تمسكا بنظرية الاستنزاف وتسقط من حسابها حقيقة ان انتقال سورية ومحورها الإقليمي الدولي إلى عمليات هجومية مدروسة وباداء سياسي متناغم يسهم في كسب غالبية الشعب السوري إلى جانب فكرة سيطرة الدولة على سائر المناطق وتحريرها من عصابات الإرهاب التي ناء السوريون باعباء هيمنتها التي تتخذ اكثر فاكثر صفة الجماعات التكفيرية الأجنبية التي تمارس اللصوصية والبطش والتنكيل وتنفذ خططا خارجية.
سادسا تبقي دمشق وحلفاؤها ابواب الحل السياسي مفتوحة بينما تحكم الولايات المتحدة وعملاؤها سد تلك الأبواب وتعطل أي عملية جدية لوقف القتال ولو في حدود الهدنة التي اتفق عليها الوزيران لافروف وكيري وهذا يظهر للسوريين حقيقة المواقف والخيارات وبالتالي فالأحداث باتت مصدر استنزاف سياسي فاضح للولايات المتحدة ولشركائها في سورية بينما تحصد روسيا والدولة السورية وإيران وحزب الله مزيدا من المصداقية السياسية والحصانة الأخلاقية.
سابعا تحريك حلف العدوان الأميركي لكل من تركيا وإسرائيل على التخوم الشمالية والجنوبية لإدامة الاستنزاف ضد الدولة السورية هو بمثابة التهديد الذي يمكن للقيادة السورية وحلفائها تحويله إلى فرصة في التوقيت المناسب بعد رسم خطوط سياسية وعسكرية رادعة كما فعلت دمشق مؤخرا بصاروخ في الجولان وبإنذار سياسي موجه إلى انقرة لكن احدا لا يستطيع إنكار جاذبية فكرة الانخراط في مقاومة سورية ضد الجيشين الغازيين اللذين يحتلان مناطق وأراض سورية يتطلع الكثير من السوريين لاسترجاعها وتحريرها وهو ما سيضع انقرة وتل أبيب في حالة الاستنزاف الجدي التي تنطوي على تفاعلات غير محمودة العواقب في ظل ما تواجهان من تعقيدات وازمات.