تحرير الموصل هدية أوباما لهيلاري كلينتون وتحرير حلب هدية محور المقاومة لوحدة سورية د. عصام نعمان
حيدر العبادي وجنرالات «البنتاغون» أعلنوا انّ تحرير الموصل سيبدأ مطلعَ تشرين الأول/ اكتوبر المقبل. بشار الأسد سارع الى الإعلان بلسان «قيادة العمليات العسكرية في حلب» عن مباشرة تحرير الأحياء الشرقية للمدينة. لتحرير ثانية مدن العراق دافع وغاية. الأمر نفسه ينطبق على ثانية مدن سورية.
الدافع الأول لتحرير الموصل استكمال توحيد العراق أرضاً وشعباً. الغاية الاولى رغبةُ باراك أوباما في تقديم هدية لمرشحة حزبه الديمقراطي للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون أملاً بتعزيز فرصة انتخابها مطلعَ تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. هيلاري بحاجة ماسة الى رافعة سياسية بعد تراجع شعبيتها أخيراً نتيجةَ انكشاف وضعها الصحي الدقيق. ثمة دوافع وغايات أخرى، موضوعية، لتحرير الموصل. لكن ذلك لا يحجب الدافع والغاية الشخصانيين لمطلب التحرير في هذه المرحلة تحديداً. فالسياسة، بدايةً ونهايةً، من فعل سياسيين. وهؤلاء بشر من لحم ودم ومشاعر ورغبات تُخالطها دائماً منافع ومصالح خاصة.
الدافع الأول لتحرير ثانية مدن سورية إحباطُ مخطط تقسيم البلاد. الغاية الأولى رغبةُ الأسد شخصياً كما القيادة السياسية في كلّ من إيران وروسيا في توفير رافعة ميدانية لتعزيز معنويات القيادات الوطنية السورية الناهضة بمسؤوليات المواجهة والتحرير والتوحيد. ثمة، دونما شك، دوافع أخرى موضوعية لمطلب تحرير حلب الشرقية. لكن ذلك لا يحجب الدافع والغاية الشخصانيين لمطلب التحرير والتوحيد في هذه المرحلة تحديداً.
في العراق، يشعر العبادي وأركان التحالف السياسي الذي يدعمه انّ وضع البلاد تردّى كثيراً بفعل عوامل الفساد الهائل، وانفلات النوازع الطائفية والمذهبية، وبروز دوافع انفصالية اثنية قوية لدى الوسط الكردي المؤيد لمسعود البرزاني، وتعمّق الانقسام في أوساط القوى الشيعية السياسية بين فئة موالية لأميركا وأخرى متعاطفة مع إيران، وصعود فئة ثالثة تدعو الى استقلالية عراقية عن قوى الخارج المتصارع في الساحات الداخلية. الى ذلك، يلمس الجميع دوراً أميركياً متنامياً في هذه المرحلة على الصعيدين الميداني والسياسي، يؤشر الى وجود مخطط متعدّد الأبعاد يطاول العراق كما سورية، وقد يتناول في مراميه البعيدة إيران وتركيا أيضاً. العبادي يشعر، في ضوء هذه الواقعات والتحديات، انّ بقاءه في السلطة كما بقاء العراق موحداً باتا مهدّدَين بتطور الأحداث المتوالدة، وانه بحاجة تالياً الى رافعة ميدانية وسياسية تنتشل سلطته المهزوزة من جهة وتعزز القوى الملتزمة بعراق واحد موحد من جهة أخرى.
لأوباما هواجس سياسية من طراز مغاير. هو بالتأكيد ليس خائفاً على وحدة بلاده الجغرافية، لكنه خائف على وحدة شعبه الأهلية. ثمة يقظة لافتة للعنصرية في الأوساط الشعبية يُحسن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب تأجيجها واستغلالها الأمر الذي يُضعف مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. ثمة حاجة، إذاً، الى رافعة سياسية تغطّي على ثغرات هيلاري كلينتون الشخصية وتعزز وضع الديمقراطيين المتأرجح. ليس من رافعة متاحة أفعل من نصر معجّل الإنجاز في الموصل يُهديه أوباما لكلينتون ويختتم به ولايته الثانية والأخيرة.
تحرير الموصل مطلوب، إذاً، ومرغوب فيه عراقياً وأميركياً. لكن ماذا بعد الانتصار؟ المراقبون المتفائلون يقولون إنّ التحرير سيدشن مرحلة جديدة في مسار إعادة توحيد البلاد. المتشائمون يخشون من انفجار مراجل الأحقاد والنوازع الطائفية والأهواء السياسية المتضاربة، ومن قيام الأميركيين، مباشرةً أو مداورةً، بصبِّ الزيت على نارها بغية النيل، في الوقت نفسه، من إيران وحلفائها داخل العراق.
في سورية، يشعر الأسد وحلفاؤه بأنّ واشنطن تنتهج سياسةً مراوغة ومخادعة، وأنّ ما تهدف إليه في التحليل الأخير هو تقسيم سورية خدمةً لأمن «إسرائيل» ومصالحها الإقليمية وتطويقاً لنفوذ إيران المتنامي في المنطقة. تجلّى مخطط واشنطن التقسيمي في دعم تنظيمات ما يسمّى «الإسلام الجهادي» من جهة والتنظيمات الكردية الانفصالية من جهة أخرى، وكذلك في تعطيل مساعي التهدئة والمحادثات الرامية الى استشراف حلّ سياسي للصراع. كما تجلّى تنفيذ المخطط الأميركي بشكل فاقع أخيراً بقصفٍ جوي لمواقع حاكمة محيطة بمطار دير الزور لتمكين «داعش» من السيطرة عليه. ويبدو انّ القيادات السياسية في دمشق وطهران وموسكو توصّلت الى قناعة بأنّ تعجيل واشنطن بفتح معركة إزاحة «داعش» من الموصل يرمي الى دفع مقاتليه للتوجّه نحو محافظتي الرقة ودير الزور بقصد توفير القدرات العسكرية اللازمة لمواجهة الجيش السوري وإقامة كيان سياسي انفصالي على طول الحدود السورية – العراقية يمتدّ من طرف محافظة الحسكة في الشمال الى نقطة تلاقي الحدود مع الأردن في الجنوب. الغاية الاستراتيجية المرتجاة من هذا الكيان الإسفين فصل سورية عن العراق وبالتالي عن إيران. بذلك يتمّ تعطيل فعالية محور قوى المقاومة الجيش السوري وحزب الله والحرس الثوري الإيراني بدعم الطيران الحربي الروسي ، وتسريع عملية تفكيك سورية نفسها الى جمهوريات موز ركيكة قائمة على أساس طائفي وإثني وقبلي، وعزل إيران بعيداً عن قلب عالم العرب ما يعزز أمن «إسرائيل» ويُطلق يدها في المنطقة.
في المقابل، أدّى نجاح القيادة السورية في تحقيق مصالحات وطنية وازنة في داريا والقَدَم والوعر وتالياً خروج مجاميع من مقاتلي التنظيمات الإرهابية من تلك المناطق الى تحرير ما لا يقلّ عن عشرة الآف جندي سوري من أعباء مواجهتها عسكرياً، وبالتالي أدّى إلى زجّ هذه القوات النظامية بلا إبطاء في جبهات أخرى ساخنة، تأتي في مقدّمها جبهة حلب ومحيطها. الى ذلك، يبدو أنّ دمشق وطهران وموسكو أدركت أنّ تحوّل أوباما في نهاية ولايته الى «بطة عرجاء» بطيئة الحركة ومحدودة التأثير يتيح لقوى محور المقاومة أنسب الفرص للانتقال من الدفاع إلى الهجوم وتحقيق مكاسب ميدانية وسياسية وازنة.
هديّتا حلب والموصل ستصلان، على ما يبدو، إلى صاحبتيهما، سورية وهيلاري كلينتون، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية مطلعَ تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل…
(البناء)