بقلم غالب قنديل

التغيير القادم من الميدان

غالب قنديل

خلال سبعة أشهر تأرجح التفاوض الروسي الأميركي حول سورية عند نقطة رئيسية وهامة هي الفصل بين مقاتلي جبهة النصرة ومن تسميهم الولايات المتحدة بالمسلحين المعتدلين من عملائها الذين ساهمت في تمويلهم وتدريبهم وامدتهم مع شركائها حكومات واستخبارات تركيا والسعودية وقطر وإسرائيل بآلاف الأطنان من السلاح والذخائر وقد تخللت التفاوض الصعب محاولة اميركية فاشلة لفبركة كذبة الفصل بين النصرة وشبكة القاعدة بإعلان مسرحي قام به الجانبان وفضحته روسيا على الفور ومنعت تحويله إلى ذريعة لإخراج النصرة من قوائم الإرهاب بعد تغيير تسميتها .

من منبر مجلس الأمن الدولي خرج جون كيري يعلن استحالة الفك بين الكتلتين الذي تعهدت به واشنطن سابقا ووقعت اتفاقا بمضمونه التفصيلي مع موسكو ما يزال سريا لأنها فرضت التكتم على تعهداتها العملية واخترع كيري شروطا جديدة للتنصل من الاتفاق الذي لا يناسب الرهان الأميركي على إطالة امد استنزاف سورية واختبار فرص استنزاف حلفائها الأقربين روسيا وإيران وحزب الله كما تردد مراكز الدراسات الأميركية منذ انطلاق المبادرة الروسية العسكرية لدعم الدولة السورية وحلفائها في المعركة ضد الإرهاب .

التحايل والخداع والكذب هي سمات السياسة الأميركية منذ امد بعيد وفي الموضوع السوري راكت إدارة اوباما التي تقود الحرب العالمية على هذا البلد جبالا من الأكاذيب كما قال الرئيس بشار الأسد في حديثه الأخير إلى وكالة أسوشايتد برس .

الخلاصة التي توصلت إليها القيادة السورية منذ البداية هي ان إدارة باراك اوباما تقود العدوان على سورية ضمن استراتيجية حرب بالوكالة وهي من يرسم الأدوار السياسية والعسكرية والإعلامية في هذه الحرب وفي الواقع استغرق حلفاء سورية وقتا للتحقق من الوقائع والمعطيات لتبني النظرة السورية والفهم السوري لما يجري عمليا مع العلم ان غرف العمليات في اسطنبول وعمان كانت بقيادة اميركية وضمت ممثلين لدول حلف العدوان بدون استثناء منذ العام 2011 .

يمكن اختصار الأمور بالمشهد الذي قدمه تقرير وكالة سبوتنيك عن قصف غرفة عمليات مركزية في دارة عزة بحلب تجمع فيها ثلاثون من كبار الضباط الأميركيين والبريطانيين والأتراك والسعوديين والقطريين ومن ضباط الموساد كذلك فتلك هي الصورة الحقيقية لكل ما شهده الميدان السوري طيلة حوالي ست سنوات.

إنها معركة فعلية على مستقبل المنطقة والعالم تقدمت فيها قوات الجيش العربي السوري بمؤازرة روسيا وإيران وحزب الله لتحقق نقلات نوعية متتالية وتدمر موجات الهجوم التي قادتها غرف العمليات التي جمعت ذلك الحلف بسائر اطرافه وسخرت في اوامرها سائر فصائل القاعدة وداعش واكثر من مئة فصيل عميل للغرب ممن تعتبرهم واشنطن معتدلين ويمكن في رسم الصورة الكلية للصراع الدائر الربط بين مشهدي الغارة الأميركية على دير الزور لتمكين داعش من التقدم وغرفة العمليات القيادية في دارة عزة التي استهدفها القصف الصاروخي الروسي.

التفاوض الروسي الأميركي لم ينقطع والتواصل سوف يستمر على الأرجح ومن الواضح اليوم ان تغييرات الميدان هي التي ستقرر مستقبل السياسة ومؤشرات التغيير الميداني هي التي سوف تتحكم بالمعادلات السياسية وسترغم الولايات المتحدة على استلحاق مصالحها وعملائها بالعودة غلى بيت الطاعة الروسي .

التغييرات الميدانية قادمة بعد انطلاق عمليات الجيش العربي السوري في احياء حلب الشرقية ونتيجة إحكام الطوق على العصابات المتمركزة داخلها مع ترك ممرات لخروج المدنيين ولمن شاء إلقاء السلاح وتسوية اوضاعه من المتورطين في القتال وبالتوازي تتقدم حركة المصالحات والتفكيك في اكثر من منطقة سورية مؤشرا على تحول التوازن الميداني لصالح الدولة الوطنية والجيش العربي السوري .

فصل جديد من التغييرات سيقلص القدرة الأميركية على إطالة امد الحرب هذا هو المسار الفعلي للصمود السوري وللمقاومة ضد العدوان الاستعماري والفصول الاتية ستكون تباعا فتمكن الدولة السورية من إحكام السيطرة على حلب يعني انها حررت قلب سورية وتستعد لتفكيك منظومة العدوان في جميع المناطق المركزية اقتصاديا وسكانيا وهو ما سيؤهلها لمواصلة القتال في جميع المناطق الطرفية التي قد يتحصن فيها الإرهابيون والعملاء ولن يستطيع احد في العالم ان يعترض طريق الجيش العربي السوري وحلفائه إلى الرقة ودير الزور بعد تحرير احياء حلب الشرقية وإدلب واستكمال تحرير الغوطة وأرياف حمص الباقية بيد العصابات وبعدما وجه ضربة قوية لمشروع الحزام الصهيوني القاعدي في الجولان بالتاكيد ما زال الصراع مفتوحا وطويلا لكن التغييرات سوف تتسارع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى