الولايات المتحدة تتعامل مع اسرائيل بشكل استثنائي: تسفي برئيل
يوجد للحب الامريكي لاسرائيل جدول اسعار يُقاس بكمية ونوعية السلاح الذي ستحصل عليه اسرائيل، والمليارات التي تسجل في صالحها. أو باختصار بحجم المساعدات. المساعدات هي المفهوم الاساسي. فكلما كانت أكبر كلما كان الحب أكثر. وحسب هذا الجدول لا يمكن أن يكون هناك شك بأن واشنطن تحب القدس أكثر من حبها لمصر وباكستان وبريطانيا والمانيا وفرنسا وايطاليا والسعودية.
لا يمكن الاقناع بعد بأن المساعدات تخدم مصالح الولايات المتحدة، أو تساعد في استقرار الشرق الاوسط، وأنها تزيل تهديد الارهاب أو تخلق نوع من اعتماد سياسة حكومة اسرائيل على سياسة الولايات المتحدة. قصة الغرام المتقدة التي تطورت بين حاملة الطائرات وسفينة الصيد لا يمكن تفسيرها باعتبارات عقلانية، سياسية، عسكرية أو اقتصادية. اسرائيل على قناعة بأنها ليست مشروطة بأي شيء وأن هذا غرام أبدي.
اسرائيل هي دولة قوية، واذا قال الرؤساء الامريكيون في السابق إن اسرائيل يجب أن تكون محمية في وجه أي تحالف معادي، فان نظرة واعية لما يحدث اليوم في الساحة العسكرية، تُظهر أن تحالفا كهذا غير موجود ولن يكون في المستقبل المنظور. ليس هناك دولتان عربيتان معاديتان، فما بالك عند الحديث عن تحالف عدد من الدول، يكون الهجوم على اسرائيل على رأس اولوياتها. التهديد الايراني مجمد حتى نهاية فترة الاتفاق النووي، ولا حاجة الى طائرات “اف 35″ أو الغواصات التي تحمل الرؤوس النووية لمواجهة تهديد الارهاب، والقبة الحديدية بجميع اشكالها ليس بالضرورة تمويلها من جيب الامريكيين.
اسرائيل ليست دولة فقيرة تحتاج الى المساعدات الفورية من اجل التخلص من ازمة تهدد وجودها. فهي ليست مصر التي تغرق حتى عنقها في الديون. فلدى اسرائيل اعتمادات للعملة الاجنبية تبلغ أكثر من 95 مليار دولار، وهذا أكثر من ايطاليا والنرويج أو كندا. بينما اعتمادات مصر تقتصر على 17 مليار دولار فقط. وعند الحاجة تستطيع اسرائيل تقديم المساعدة لجاراتها الفقيرة، لكن الجزء الأكثر اثارة للفضول في خدعة المساعدات يتعلق بالجانب السياسي. فالولايات المتحدة لم تحصل ولن تحصل كما يبدو على أي مقابل سياسي من الاموال الكثيرة التي يدفعها دافع الضرائب لاسرائيل. وفي هذا المجال لا يمكنها توقع ما يتوقعه أي أحد من حبيبته: القليل من الحب والقليل من الاهتمام.
صحيح أن اسرائيل ليست الوحيدة، بل الاستثمارات الكبيرة في العراق لم تحوله الى دولة تابعة للولايات المتحدة. والاموال التي تدفقت الى افغانستان ذهبت سدى، والمليارات التي مُنحت لباكستان وصلت في معظمها الى جيوب الرؤساء. ولكن كان لواشنطن على الأقل تفسيرات عقلانية لفتح الجيب: الحرب ضد طالبان والقاعدة في افغانستان وباكستان، منع الحرب النووية بين الباكستان والهند، اقامة حكومة مستقرة في العراق بعد الاحتلال الامريكي والمنافسة أمام روسيا حول التأثير. وفي نهاية المطاف، باعت واشنطن تصدير الديمقراطية كمبرر اخلاقي لتمويل هذه الدول.
اسرائيل في المقابل، لا تحتاج الى المساعدات من اجل الديمقراطية، فهي تسوق ديمقراطيتها المعاقة كسبب رئيس لطلب المساعدات وليس العكس. فهي لا تحارب داعش أو القاعدة، وهي عادة لا تقوم بشن حروب اقليمية وليست لها نية بالتقدم في السلام مع الفلسطينيين بمقابل أو بدون مقابل.
لو قالت اسرائيل إنها بحاجة الى المساعدات من اجل ايجاد صندوق لاخلاء المستوطنات أو من اجل بناء البيوت لمن يتم اخلاءهم أو من اجل اقامة جدار حدودي بين اسرائيل وفلسطين من النوع الذي يريد دونالد ترامب بناءه على الحدود مع المكسيك، لكان يمكن الحديث عن اعتبار عقلاني من اجل المساعدات. يمكن أن الولايات المتحدة كان يجب عليها القول إن المليارات التي تمت المصادقة عليها، بل وأكثر منها، ستذهب لأهداف سياسية معروفة مسبقا. ولكن أن يتم الدفع لاسرائيل فقط لأنها شقراء؟.
هآرتس
تهديد الحاضر الامريكي: د. أوري غولدبرغ
لقد اضطرت الولايات المتحدة في الاسبوع الماضي مواجهة عدد من العمليات. وركزت وسائل الاعلام والرأي العام على الاحداث في ولاية نيويورك ونيوجرسي – حيث وقعت العمليات التي ذكرت الامريكيين بما نسوه. فجأة تحول الارهاب الى شيء معروف أكثر يشبه “الايام المزدهرة” للحرب الكونية ضد الارهاب، حيث عادت الاقوال حول الخلايا الارهابية والعلاقات الدولية الى مركز النقاش. دونالد ترامب وبصفته مرشحا جمهوريا للرئاسة قام باصدار تصريحات حاسمة حول ضرورة “الانتصار على الارهاب”. وحاولت هيلاري كلينتون أن لا تظهر كمهزومة وهي ترد على تصريحاته. لقد أصبح العدو واضحا، وطرق العمل أصبحت واضحة، والخلاصة ايضا قاطعة. نحن ملزمون بالانتصار.
لكن العمل الارهابي الاكثر أهمية لم يحدث حسب رأيي في نيويورك، بل في المقاطعة الصغيرة سانت كلاود في ولاية منسوتا حيث قام شاب من اصل صومالي بطعن ثمانية اشخاص في المجمع التجاري المحلي، وكان يصرخ “الله أكبر”. وبعد بضع ساعات من العملية أعلن داعش مسؤوليته عنها واعتبر الشاب “أحد جنود التنظيم”. وهذه الحادثة لم تحظ بالاهتمام في اسرائيل وفي الولايات المتحدة ايضا. ولم يحظ بالتغطية الواسعة بسبب الاحداث الدراماتيكية في الشاطيء الشرقي. ومع ذلك، العملية في منسوتا تعكس تهديد أكبر على الولايات المتحدة مما حدث في نيويورك.
شواطيء الولايات المتحدة، الغربية أو الشرقية، مملوءة بالمهاجرين من جميع أنحاء العالم. ويوجد على الشواطيء كون كامل معه تطرف بأشكال متعددة – من مجتمعات السلام والحب وحتى الارهابيين الغاضبين الذين ينتظرون فرصتهم. القلب الامريكي، الغرب المتوسط، هو مكان آخر، يتفاخر الامريكيون هناك بالاستقرار والتواصل والالتزام الجماهيري والولاء للقيم الامريكية “الحقيقية”. إن ما يحدث في منسوتا، على العكس من نيويورك في الشاطيء الشرقي، يعكس الحاضر الامريكي بشكل أعمق.
ومن اجل التمييز بين نوعين من التهديد لامريكا: الاول هو التهديد الامني، يمكن وصفه ببساطة بأنه تهديد يسببه الاشخاص السيئون الذين يريدون القيام بافعال سيئة. هذا التهديد الارهابي موجود في الولايات المتحدة منذ ثلاثين سنة أو أكثر. القانون الامريكي يدركه وهو يتخذ الاجراءات الكبيرة لافشاله. هؤلاء سيئون كما يفترض أن يكون السيئون، يأتون من الخارج منظمين في خلايا، ويوجد تسلسل قيادي واتصال مُشفر يمكنه التنصت عليه. وهم يريدون ايضا قتل أكبر عدد من الامريكيين والحاق الضرر بالاماكن العامة. القاعدة هي التجسيد لهذا التهديد.
التهديد الثاني هو تهديد وجودي يتعلق بالحياة التقليدية الامريكية. بعد عمليات 11 ايلول توجه الرئيس بوش للامريكيين وحثهم على الخروج الى المحلات واستمرار الشراء من اجل موسم الاعياد المقترب. الاستهلاك هو أحد التقاليد الامريكية الاكثر قداسة، وكان يفترض أن يُظهر للارهابيين أن امريكا ستنتصر عليهم. إن داعش يسعى باستمرار الى ضعضعة هذا الشعور بالأمن، الذي هو أساس الـ دي.ان.ايه الامريكي. واذا شعر المواطنون الجيدون في سانت كلاود أنهم غير آمنين في المجمع التجاري المحلي، فان داعش قد حقق هدفه بدون العبوات وبدون الخلايا وبدون التفجيرات.
الفوضى والاتصالات في نيويورك تخفي حقيقة أن داعش كفكرة تعيش في هواء وماء الولايات المتحدة. لا يمكن وقف ذلك مثلما تم وقف القاعدة (هذا إذا تم وقفها أصلا) من خلال هجوم الطائرات بدون طيار والاعمال في العمق. جنود داعش احيانا يكونون جنودا بأثر رجعي، حيث أنهم أولا ينفذون وبعد ذلك تتم معرفة انتماءهم للتنظيم. اولئك الجنود هم جزء لا يتجزأ من الولايات المتحدة، بالضبط مثلما هم جزء لا يتجزأ من فرنسا، المانيا أو بلجيكا. لذلك لا يمكن عزلهم أو استئصالهم. واذا لم يُجر الرئيس المنتخب نقاشا حقيقيا عميقا مع مواطنيه المسلمين، فمن المتوقع أنه تنتظره ولاية مليئة بالاحداث التي تشبه احداث منسوتا.
اسرائيل اليوم