في الصراعات لا مكان للرماديين: د.فهد حجازي
منذ بداية صراع حركة المقاومة العربية مع قوى الهيمنة والعدوان, تصدر أصوات ومواقف هنا وهناك, إما مشككة في جدوى المقاومة, من منطلق اختلال موازين القوى, أو من منطلق ثأري بسبب اصطفاف هذه الحركة أو تلك , هذا النظام أو ذاك, هذه الطائفة أو تلك, هذا السياسي أو ذاك, ضمن القوى التي أنبرت لمواجهة العدو المهيمن الناهب لثروات هذه الأمة وإرادتها, وإما متلفعة بالرمادية بحجة أن الصراع يدور بين الروس والإيرانيين والأميركيين من أجل السيطرة على بلادنا!
ومن أطرف المواقف وأخطرها, تلك التي تتخذ مواقف ثابتة لا تسقط بمرور الزمن, ولا بتغير القيادات أو الأشخاص ولا حتى الأنظمة في هذا البلد أو ذاك, فيما يبقى تقديس هذا الزعيم وذاك, والاستشهاد والاسترشاد بمواقفه حتى بعد أن يمضي في مسارات تنازلية, أو خيانية للقضية التي بسببها تسنم موقع الزعامة!
هذا في العموميات, أما المناسبة لهذا المقال, فهي موقف بعض السياسيين و”المناضلين” العرب, من معسكر المقاومة اليوم, بقواه وفصائله وأنظمته, وحتى جدوى مقاومته!
كي لا ننسى, نذكر من يهمهم الأمر, ان “الأمة العربية” اليوم, تواجه عدواناً إمبريالياً في أخطر مراحله, بغض النظر عما يعتقده البعض من وجود للأمة في عرفهم, أو عدم وجودها, حيث أغرق الكثيرون في القطرية التي أورثتنا إياها مؤامرة “سايكس- بيكو” حتى صرنا نقدسها ونستميت في سبيل الإبقاء عليها. وأن القوى التي تناضل ضد هذا العدوان الإمبريالي تصطف في معسكر المقاومة, الذي يطلق البعض عليه مسمى “دول الممانعة”, هذا المسمى الذي يستعمله البعض تهكماً, من باب معارضتهم لما يسمونها أنظمة استبدادية, أو قوى يأخذون عليها انطلاقها في المقاومة من منظور عقائدي بعينه (ديني أو حزبي).
كي لا ننسى كذلك, أن هناك بعض القوى والشخصيات التي تتخذ مواقف ثأرية من هذه القوى, تعود في أساساتها إلى مناسبات قمعية, أو خلافية تعود إلى سنين مضت, وفي ظروف لا يزال الالتباس يغلفها. من مثل هذه المواقف, الموقف من النظام السوري الذي يصفونه بـ”الاستبدادي”, عودة الى قمعه وسجنه لبعض القيادات والرموز السياسية لهذا الفريق, أو ذاك, أو استنادا إلى الانقلاب الذي جاء بالرئيس الأسد إلى السلطة. أما المواقف الأكثر غرابة فتلك التي توارثها الكثيرون عن القيادة العرفاتية التي خاصمت النظام السوري بعد قضائه على التمرد الدموي الذي قامت به “حركة الأخوان السلمون” ضد الدولة السورية, والتحجج بأن الموقف العدائي ينبع من مساندة النظام السوري لقوى اليمين اللبناني. فيما السبب الأوجه هو اتجاه عرفات للذهاب إلى تسوية منفردة مع الكيان الصهيوني, لم تسمح به سورية حينها.
وبرغم أن عرفات ذهب في تسوية مدمرة للقضية الفلسطينية, وأقام سلطة تابعة للاحتلال وأسوأ منه, تلاحق المقاومين وتشي بهم, إضافة إلى منظومة من الفساد قل مثيلها, فإن الكثيرون لا يزالون يعتبرون عرفات “القائد الرمز”, بينما يطلق على الرئيس السوري لقب “ديكتاتور”, ونظامه “استبدادي” و”فاسد”, بغض النظر عن البنية التحتية الهائلة والنظام الصحي والتعليمي الذي أنجزه هذا النظام, والأنكى أن أبرز حراس منظومة الفساد في النظام قد انتقلت بقضها وقضيضها إلى صفوف القوى المعادية للدولة السورية!
نفس الموقف الثأري تتخذه بعض قوى اليسار اللبناني, بسبب اتهام النظام السوري بقتل زعيم الحزب الجنبلاطي في السبعينات, وجعل هذا الموقف ميزاناً لمواقف هذا الطيف من سورية على مر العهود واختلاف الظروف!
نعم, النظام السوري ليس نظاماً ديمقراطيا, وليس حزب الله حزباً يسارياً علمانيا, كما أنه ليس النضال ضد قوى الهيمنة حكراً على من يعتبرون أنفسهم حراساً على العلمانية والديمقراطية, ولكن الدولة السورية (يعني النظام السوري اليوم) تمثل رأس الحربة في النضال العالمي ضد منظومة الهيمنة والعدوان التي تقودها الإمبريالية الأميركية, أما المتمترسين اليوم ضمن المعسكر النيوليبرالي الإمبريالي العدواني تحت مسميات الدمقرطة والثورة, فهم إما واهمون أو سذج, أو الأصح مرتزقة يعبثون بمصير بلادنا وشعوبنا!
أما من يعتقدون بأن الأمر صراع بين قوى لها مصالحها الخاصة التي لا تعنيهم, فهم كذلك واهمون, حيث يقبعون في الموقف الرمادي الذي يصِب في خانة معسكر العدوان!