«الصديق جيف» اتصل بالحريري بطلب من السنيورة لـ«فرملة» التسوية؟: ابراهيم ناصرالدين
«لا دخان من دون نار»، قول شعبي مأثور يختصر المشهد السياسي في البلاد في ضوء الحديث عن احتمال تراجع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن «فيتو» انتخاب الجنرال ميشال عون مقابل العودة الى رئاسة الحكومة، تراجع الامال بحصول ذلك في جلسة 24 الجاري، ومحاولة «التيار الازرق» التنصل من «الخبرية» لا ينفي بتاتاً وجودها، حزب الله لم يندفع علنا وسرا وراء «سراب»، تلقى اشارات «زرقاء» ايجابية قدم ما عليه حتى الان «واكثر» تبقى «الكرة» في «ملعب» الحريري المسؤول وحده عن ضياع «الفرصة» السانحة اليوم… لا «جيف» يتحمل المسؤولية، ولا «صقور» المستقبل»، ولا حتى الادارة «المتهورة» من قبل «التيار البرتقالي»..فكيف ذلك»؟
اوساط 8 آذار تؤكد ان حزب الله اراد من خلال «الرسائل» العلنية، وفي «الغرف المغلقة» ابلاغ الرئيس الحريري بان انتخاب ميشال عون الان مصلحة له اولا، قبل ان تكون مصلحة عامة او مصلحة خاصة لـ «جنرال الرابية»، فالتمسك بترشيح عون ليس بالامر الجديد وما قاله قادة حزب الله هو ترجمة امينة للكلام السابق للامين العام السيد حسن نصرالله، ثمة دين اخلاقي وسياسي لا يستطيع الحزب التراجع عنهما امام «رجل» ساهم بتحول تاريخي في شارع مسيحي كان منغلقا على نفسه، ووضع «بيضه» في «سلة» الحزب يوم كان محسوما لدى الاخرين وبـ«المعلومات» ان نهاية المقاومة قد كتبت «بحبر» دولي اقليمي ولا امل لها بالنجاة… اذا اي حديث عن مستجد في موقف حزب الله في هذا الشان لا يعكس حقيقة ان لا شيء تغير وانما يرتفع الصوت وينخفض وفقا لطبيعة المرحلة السياسية التي تمر بها البلاد والمنطقة.
اما الجديد فكان ابلاغ رئيس تيار المستقبل بأن خروجه من تردده «القاتل» يعني انه سيضمن عودته الى رئاسة الحكومة بشروط لم تكن متوافرة له من قبل، لكن هذا العرض ليس مفتوحا الى «ما شاء الله»، شروط «اللعبة» تتغير وفقا للمعطيات الداخلية والخارجية، وما يمكن ان يكون مقبولا اليوم قد لا يكون مقبولا في الغد، الحريري امام اختبار جدي ليس لنياته وانما لقدرته على الاستفادة من الهامش المتاح له لاستعادة موقعه الرسمي في البلاد والخروج من العزلة الاقليمية والدولية التي «تكبله»، حزب الله يحاول انتهاز فرصة انشغال دول الاقليم والرعاة الدوليين بالحرب السورية وتعقيداتها، لمحاولة «لبننة» الاستحقاق الرئاسي ربطا بـ«السلة الكاملة» التي تتيح لكل الاطراف مواجهة ما يمكن ان تواجهه المنطقة من اخطار في ظل استقرار داخلي يحصنه وجود «الاقوياء» في السلطة، ودون ذلك لن تتمكن اي تسويات من تحصين الوضع الداخلي وستبقي «الابواب» مشرعة امام «الرياح العاتية» التي تضرب المنطقة.
وتكشف تلك الاوساط عن «لغة» جديدة جرى اعتمادها في مخاطبة الحريري لاقناعه بالسير بالتسوية، انطلاقا من سؤال لم يجد الحريري اي اجابات منطقية حوله، وهو يتعلق بالفارق بين سليمان فرنجية والجنرال عون كمرشحين رئاسيين، السؤال لا يرتبط بالعمل السياسي المحلي وكيفية ادارة كلا الرجلين للسلطة وغيرها من القضايا التفصيلية في الداخل اللبناني، وانما في العنوان الكبير الذي يحاول البعض «تكبير الحجر» من خلاله والتهويل على رئيس تيار المستقبل وتخويفه من الغضب السعودي، عبر الايحاء بان انتخاب عون يعني انتصار الرئيس السوري بشار الاسد وحزب الله وخسارة مدوية للسعودية في مواجهة ايران؟ «طيب، اذا كان هذا عنوان الهزيمة بانتخاب عون فما هو اذا في حال انتخاب فرنجية؟ فهل ثمة من يشكك بان زعيم تيار المردة هو «الابن» المدلل للنظام في سوريا؟ وهل من لا يعرف عمق الصداقة بينه وبين الرئيس الاسد؟ هل فرنجية اكثر التصاقا بالخيارات السياسية السورية ام «الجنرال»؟ وهل ثمة من يشك بان انتخاب فرنجية سيكون انتصارا لمحور المقاومة الممتد من صنعاء وايران مرورا ببغداد وسوريا وصولا الى حارة حريك؟ «لعبة» ترشيح فرنجية لم تعد سوى «مزحة» سمجة تجاوزتها الاحداث والمواقف، حزب الله لم يقع في «المصيدة» ولم «يبلع الطعم»، وحان الوقت للتفكير بنقلة اخرى على «رقعة الشطرنج» الرئاسية لان المراوحة لم تعد مفيدة لاحد»…
هذه المقاربة لم تأت من عدم، فاستهجان قيادات في تيار المستقبل ما اسمته «الضخ الاعلامي» والضغط السياسي على الحريري وقولها ان الرجل لم يغير في مواقفه او حتى لم يفكر في تغييرها، كلام للاستهلاك الداخلي او انه دليل على غياب هؤلاء عن مركز القرار في «التيار الازرق»، فعندما طلب نادر الحريري من الحاج حسين خليل في جلسة الحوار ما قبل الاخيرة جوابا واضحا وحاسما حول موقف الحزب من عودة ابن خاله الى رئاسة الحكومة، لم يكن الامر مجرد «جس نبض» عابر في الجلسة، هو حمل «رسالة» وطالب بالرد عليها، وقد اتى الرد الايجابي، وكان سيبنى على الشيء مقتضاه بحسب ما اوحى ممثلو تيار المستقبل في الحوار، حزب الله قدم ما عليه وما يزال لمساعدة الحريري على تجاوز الامتار الاخيرة من «السباق»، لكن رئيس التيار «الازرق» اخطأ في تقدير حجم المعارضة داخل تياره السياسي، واصيب بالوهن سريعا امام مكائد «رفاق السلاح» الذين لم يوفروا وسيلة لكبح جماح اندفاعته.
وفي هذا السياق، تولى الرئيس فؤاد السنيورة مهمة رأس الحربة في التأليب عليه داخل التيار، ومع الحلفاء في الخارج، ونجح في خلق «موجة ضاغطة» زادت من قلق الحريري وتردده، التهديد «بالانشقاق» حصل، والتهويل بانفراط عقد «التيار الازرق» حصل ايضا، تكبير حجم «الغضب» السعودي كان حاضرا ايضا، تأخير مواعيد الحريري في المملكة استخدمت كدليل على وجود استياء من توجهاته، مع العلم ان لا دليل على ذلك، وقد يتم تحديد المواعيد لاحقا، لكن التيار المعارض نجح في التهويل، وهناك معلومات متداولة داخل تيار المستقبل عن استعانة السنيورة «بصديق»، فثمة من يتحدث عن اتصال مفاجىء تلقاه الحريري من «الصديق» جيف فيلتمان سفير الولايات المتحدة السابق في لبنان حاول من خلاله الاطلاع على مجريات الاوضاع في لبنان، وقدم مواربة نصائح بضرورة عدم الاستعجال بالقيام «بنقلات» نوعية على الساحة اللبنانية قبل اسابيع معدودة من الانتخابات الاميركية، «انتظار الادارة الجديدة وما ستحمله معها يستحق تأجيل الاستحقاق الرئاسي شهرين اضافيين، عندها قد تكون شروط التسوية افضل من الان»؟؟…طبعا ثمة من يروج الى احتمال تعيين فيلتمان وزيرا للخارجية في حال فوز هيلاري كلينتون..
وفي انتظار تبلور المواقف، فان استراتيجية «العصا والجزرة» من قبل التيار الوطني الحر وحزب الله مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري واقع لا يمكن لاحد تجاهله، لكن ثمة مبالغة في القول ان ثمة تنسيق بين الحليفين افضى الى ما نحن عليه الان من ضغط «برتقالي» في السياسة و«الشارع»، وبين «اغراء» الحزب للحريري بموقع رئاسة الحكومة، الهدف واحد، لكن التباين حول الوسائل ليس خافيا على احد، حزب الله يريد مساعدة الحريري على تجاوز اعتراضات قيادات تياره والرعاة الاقليميين، لا يريد اظهار الامر كأنه هزيمة، التلويح «بالشارع» وتعطيل المؤسسات الحوارية والدستورية قد يؤدي الى نتائج عكسية، وضع الحريري تحت الضغط يزيد من صعوبة المهمة، حزب الله اراد اعطاء فرصة لسياسة الترغيب لكن حليفه «البرتقالي» اختار «الترهيب»، الحليفان يحاول كل على طريقته، من السابق لاوانه تحديد المسؤوليات، الحريري امام اختبار جدي ثمة «فرصة» امامه عليه اغتنامها لانها قد لا تتكرر في ظل متغيرات اقليمية ودولية قد لا تكون في صالحه…
(الديار)