مقالات مختارة

الخطيئة والعقاب.. خازوق أمريكي: ناحوم برنياع

المال، هذا ما يشعل الجدال حول مذكرة التفاهم الامريكية – الاسرائيلية، التي تقرر إطار المساعدة العسكرية لعشر سنوات. صحيح، يدور الحديث عن الكثير من المال. صحيح، يدور الحديث عن مال أقل مما كانت الادارة مستعدة لان تعطي في أثناء الصراع على اقرار الاتفاق النووي مع ايران. لقد كلف خطاب نتنياهو في الكونغرس اسرائيل مبلغا معتبرا. كم بالضبط لن نعرف أبدا، لان المفاوضات شوشها نتنياهو من بدايتها. والتقدير المتحفظ يتحدث عن ملياري دولار؛ التقدير الاقصى عن سبعة مليار دولار، هذا منوط بالتوقيت، بالظروف وبمزاج المحفل المقدر.

كتبت هنا في الماضي بان هذا سيكون أحد الخطابات الاغلى في التاريخ، ولعله الاغلى على الاطلاق الذي يلقيه رئيس في اي مرة من المرات على مسامع دولة صديقة. من هذه الناحية، على الاقل، فانه جدير بان يدخل كتاب جينيس للارقام القياسية.

ثمة، من جهة اخرى، شيء ما مثير للحفيظة في التركيز على الجانب المالي من الاتفاق. فمحظور علينا أن نتصرف بنكران للجميل، قال أمس نتنياهو في مستهل جلسة الحكومة. وهو محق، بالطبع. ومع ذلك، لا شك عندي انه عندما وصلت ترجمة اقواله الى شاشة الحاسوب في البيت الابيض كان رد الفعل ضحكا مريرا. فليس هناك اسرائيلي ناكر للجميل اكثر منه.

قصة المساعدة تحمل معنى يتجاوز المبالغ. يمكن أن نصفها بتعابير انزال الايادي. في أحد الطرفين رئيس وزراء واثق بان امريكا كلها تحت قدميه؛ وفي الطرق الآخر الرئيس الاسود الأول. فالراعون الامريكيون لرئيس الوزراء يستخفون بالرئيس ويلصقون به أوصافا عنصرية نكراء. اما رئيس الوزراء فقد انجرف وراءهم.

وعندها يلقن الرئيس رئيس الوزراء درسا في المفاوضات. فقد فهموا في البيت الابيض بان نتنياهو في مشكلة. فبعد فشل المحاولة لتجنيد الكونغرس ضد الرئيس ملزم هو بان يثبت للاسرائيليين، وقبل كل شيء لنفسه، بانه لم يلحق أي ضرر. مثله كمثل السائق الذي قام بحادث طرق ويخجل ان يروي عنها في البيت.

المساعدة ستحصلون عليها، قرر البيت الابيض. اما المبلغ فسيكون مشابها للمبلغ الذي تلقيتموه حتى الان من الادارة ومن الكونغرس. ولكن اللعب بين البيت الابيض والكونغرس انتهى: كانت هذه خطيئتكم وهذا سيكون عقابها. سيتعين عليكم ان تتعهدوا الا تتوجهوا بعد الان الى الكونغرس بطلب مساعدة.

لقد عمل البيت الابيض من خلاف ظهر الكونغرس – بالضبط مثلما عمل الكونغرس من خلف ظهر البيت الابيض بدعوة نتنياهو الى واشنطن. العين بالعين. فعندما سمع لندزي غرام، رئيس لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ عن الشرط – تميز غضبا. فقد ادعى، وبقدر ما من الحق، بان السلطة التنفيذية لا يمكنها ان تملي على السلطة التشريعية خطوة تشريعية. فضلا عن ذلك، لم يرغب في أن يتخذ اوباما، كريه روحه، صورة المخلص والمفدي. وهدد بان يخصص لاسرائيل هذه السنة مئات الملايين رغم أنف اوباما.

وعندها جاءت المرحلة التالية في ترويض نتنياهو. فقد فرض البيت الابيض عليه أن يكتب رسالة مهينة، يتعهد فيها بان تعيد اسرائيل الى الادارة في السنتين القريبتين كل دولار تخصصه لها الادارة. لماذا في السنتين القادمتين فقط؟ لان الاتفاق للسنوات العشرة سيدخل حيز التنفيذ بعد سنتين، في تشرين الاول 2018.

ومثلما كتب أمس اليوت أبرامز، من رؤساء مجلس الامن القومي في عهد الرئيس بوش، لا توجد سابقة لرسالة اضطر رئيس وزراء اسرائيلي لكتابتها. لقد تباهى نتنياهو بالاتفاق، ولكنه نسي ان يروي للاسرائيليين عن الرسالة. أمر الرسالة ومضمونها علمت بهما الاسبوع الماضي على لسان مصادر في واشنطن.

السناتور غرام لم يغفر. ففي حديث مع منظمة يهودية يمينية في نهاية الاسبوع هاجم نتنياهو بحدة وافترض أن نتنياهو سيجد السبيل لمصالحته ومصالحة نظرائه – اذا لم يجدِ التملق فستجدي دولارات اصدقائه المليارديريين.

الضربة الاشد اوقعها الاتفاق على ايباك، اللوبي المؤيد لاسرائيل. فنصف عمل ايباك يوظف في العمل وصيانة المساعدة التي يعطيها الكونغرس لاسرائيل. اذا ما اخرج الكونغرس من اللعبة، يمكن لنصف الفاعلين في اللوبي ان يبقوا في بيوتهم. نصف المتبرعين يمكنهم أن يوجهوا اموالهم لاهداف اخرى. رؤساء ايباك، الذين عارضوا خطاب نتنياهو في الكونغرس ولكنهم لم يتجرأوا على الصدام به، سيدفعون ثمن الخطاب. هم أيضا.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى