بقلم غالب قنديل

ماذا وراء العدوان الأميركي ؟

غالب قنديل

التوقيع بقوة الاضطرار على اتفاق صاغته روسيا بفعل عاصفتها الجوية ونتيجة عمليات قوات الجيش العربي السوري وشركائه لا يعني ان الإدارة الأميركية التي صنعت الإرهاب وحشدته من جميع انحاء العالم إلى سورية يمكن ان تعدم الوسائل لتأكيد غايتها المركزية وهي استنزاف الدولة السورية إلى اطول امد ممكن ومنع الرئيس بشار الأسد من إعلان انتصار بلاده ومحورها على الغزو الاستعماري الذي اعتمد استراتيجية الحرب بالوكالة عبر تلك الجماعات القاعدية الإرهابية بيافطاتها المختلفة.

فكرة حرمان الأسد من فرصة إعلان النصر هي حقيقة جعلت باراك اوباما يتراجع في أيلول 2013 عن تهديده بالغزو العسكري كما صرح لمجلة اتلانتك، لكنه امر واقعيا بعد ذلك بعمليات تسلل إلى سورية قامت بها الوحدات الخاصة الأميركية والبريطانية والفرنسية في الشمال والجنوب واوكل إلى كل من تركيا وإسرائيل مهمة استكمال الاستنزاف عبر الحدود في المناطق الطرفية بواسطة جماعات القاعدة التي ترتبط بكل من اسطنبول وتل أبيب .

أولا لا يمكن لأي كان في العالم الزعم بأنه تفاجأ باكتشاف علاقة الولايات المتحدة بعصابات داعش بعد الغارات الأميركية التي مهدت لتقدم الوحدات الداعشية إلى مواقع عسكرية سورية قرب مطار دير الزور فجميع يافطات الإرهاب والتكفير في المنطقة تكاد تكون منتجات أميركية بدون استثناء مباشرة ام بالواسطة وبالذات يعرف كثيرون ان داعش هي مولود اميركي محكم الربط تم التخطيط لظهوره ولانتشاره ولتسويقه ورسمت له وظيفة في الخطة الأميركية لمنع التواصل البري بين سورية وكل من العراق وإيران ولتسعير الأحقاد المذهبية في العالم الإسلامي وتعميم التوحش وهذا التنظيم هو عمليا ثمرة عقود من الشراكة الأميركية البريطانية الفرنسية مع المخابرات السعودية والقطرية والتركية والأردنية في رعاية الإرهاب والتطرف لتنفيذ الخطط الاستعمارية.

ثانيا ليست غارة دير الزور الأميركية غلطة فنية ولا هي مصادفة بل على الأرجح إنها فعل عدواني هجومي مدبر مع سبق الإصرار والتخطيط ولها غاية محددة هي منع الجيش العربي السوري من تسييل نتائج اتفاق وقف العمليات القتالية بتحرير محافظة دير الزور وإعادة فتح الحدود العراقية السورية لاحقا وبالتاكيد فإن لدى الولايات المتحدة ما يكفي من المعلومات عن خطوات حشد وتحضير عسكرية سورية وروسية بل وما يمكن ان يكون قد جرى من اتصالات ومداولات سورية عراقية إيرانية روسية بهذا الشأن والغارة هي رسالة اعتراض ستلقى ردها بالتاكيد من جميع الشركاء المعنيين بها .

ثالثا لنلقي جانبا كل ما يتردد منذ عامين عن خلاف داخل إدارة اوباما يقال إنه تعزز مع انطلاق الحملات الانتخابية لهيلاري كلينتون التي هي في الواقع مرشحة الرئيس أوباما والبيت الأبيض الذي يروج لها بحماس شديد ولا يمكن قبول فكرة ان مناصريها يناكفونه ويخالفون توجهاته لحسابها فهذا هراء تنقضه الوقائع وتنقضه أيضا تصريحات تصعيدية للرئيس الأميركي عشية غارات دير الزور صب فيها جام غضبه على القيادتين الروسية والسورية بذريعة قوافل المساعدات التي يفترض إدخالها إلى احياء حلب التي يحتلها الإرهابيون وكانت غاية اوباما الضغط لإسقاط الشروط السيادية السورية المتعلقة بتفتيش الحمولات تحسبا لتهريب الأسلحة والعتاد كما جرى سابقا ويمكن اعتبار الغارة على المواقع السورية بمثابة رد على التصلب السيادي السوري.

رابعا ان الضيق الأميركي من الاضطرار للتعاون مع روسيا بسبب تداعي منظومة الحرب الأميركية على سورية وتراجع العصابات الإرهابية وتدني قدرتها على مواصلة القتال بات حالة عامة تشمل الجميع في واشنطن وهم يعلمون بجميع مواقعهم وميولهم ان روسيا التي يطاردونها بالشيطنة وبالعقوبات تحصد الكثير لمكانتها ولدورها في المنطقة والعالم بنتيجة هذا الاضطرار الأميركي بعدما أتعب التورط تركيا وانهكتها تداعياته الداخلية في حين تعيش المملكة السعودية حالة استنزاف خطيرة في اليمن ويقف الحكم الأردني على حد السكين التكفيري بعد كل ما قدمه من خدمات لحلف العدوان على سورية من تسهيلات وغرف عمليات وآخرها التعاون المخابراتي مع إسرائيل في مشروع الشريط القاعدي.

خامسا تخشى الولايات المتحدة من نتائج الاتفاق مع روسيا بحيث ترتفع قدرة الجيش العربي السوري على الحسم والتفكيك ونتائج اتفاق شباط السابق لوقف العمليات القتالية اتاحت للجيش العربي السوري وبالشراكة مع روسيا وحزب الله تحرير تدمر من داعش وكذلك قادت إلى تفعيل مسار المصالحات وعمليات إلقاء السلاح على محاور عديدة وبين الاضطرار والخشية من النتائج تترنح الإدارة الأميركية في مواقفها وفي هذا المناخ خلصت إلى القرار الأحمق الذي كاد يؤدي إلى تصادم سياسي خطير مع روسيا.

سادسا الدرس الأهم مما جرى هو سذاجة الاعتقاد بقرب التوصل لتسويات وصفقات حول سورية بين موسكو وواشنطن فالولايات المتحدة لم تبلغ درجة التسليم بالهزيمة والفشل وتراوغ بحثا عن وسائل لحماية عملائها وادواتها لتترك في عهدة الإدارة الأميركية الجديدة حربا يمكن اتخاذ القرار بمواصلتها وتصعيدها او السير في طريق التسويات التي تعرضها روسيا لاختبار فرص تمرير الشروط الأميركية عبر الطرق التفاوضية المتعرجة التي تمثل خطا موازيا لاستمرار الاستنزاف العسكري والاقتصادي في الأوكار الطرفية للعصابات الباقية على الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى