مقالات مختارة

غارات دير الزور: دحرجة أميركية لـ«كرة الإرهاب»: علاء حلبي

لم تكن الغارات الأميركية على مواقع الجيش السوري في دير الزور عبثية، إذ إنها مهَّدت لهجوم هو الأعنف لمسلحي تنظيم «داعش» على مطار دير الزور العسكري، الحصن الواقع في خاصرة المدينة الجنوبية الشرقية ، والذي يفصل مسلحي التنظيم عن الحيَّين الآمنين الباقيين.

استهدفت الغارات قوات الجيش السوري قبل هجوم «داعش» على مرحلتَين، الأولى بالقنابل، والثانية جاءت كعملية تمشيط بالرشاشات الثقيلة، الأمر الذي أدى إلى مقتل 65 جنديا سوريا، وإصابة أكثر من 100 آخرين. واشارت التقارير الى ان الغارات استمرت لنحو 40 دقيقة على مواقع الجيش على الرغم من تواجده فيها منذ سنوات. وبرغم نفي واشنطن أن تكون الغارات متعمدة والإعراب عن اسفها، إلا أنها تأتي في سياق السياسة الأميركية المتبعة في الحرب السورية، والتي تهدف إلى تفريغ المناطق من الجيش السوري تباعا تمهيدا لإقحام قوات تابعة لها، سواء «قوات سوريا الديموقراطية» أو قوات أخرى يجري تجهيزها بإشراف من الولايات المتحدة، عن طريق دفع مسلحي «داعش» نحو مواقع الجيش السوري وتمهيد الأرض لتقدمهم.

وتُذكِّر الغارات الجديدة بغارات مماثلة نفذتها طائرات «التحالف» في السادس من شهر كانون الأول من العام الماضي، واستهدفت معسكر الصاعقة في قرية البغيلية شمال غرب دير الزور، الأمر الذي تبعه هجوم عنيف من قبل مسلحي «داعش» بعد نحو شهر على القرية التي شهدت مجزرة كبيرة راح ضحيتها أكثر من 300 شخص.

مصدر ميداني أشار خلال حديثه لـ «السفير» إلى أن طائرات التحالف قصفت مواقع الجيش في جبل الثردة برغم انها مواقع واضحة وترفع العلم السوري، وتابع: «أمعنت في عدوانها عندما قامت باستهداف كوادر الاسعاف الذين هرعوا إلى مكان الغارة بالرشاشات الثقيلة، الأمر الذي رفع عدد ضحايا الاعتداء».

وأضاف أن مسلحي تنظيم «داعش» شنوا هجوما على مواقع الجيش على تلال جبل الثردة حيث تمكنوا من السيطرة على التلة الأقرب للمطار العسكري، في خرق يعتبر الأول من نوعه على هذه الجبهة.

واعتمد مسلحو التنظيم في هجومهم الجديد، على «الانغماسيين» والأفراد، من دون أن تشارك في الهجمات أية آليات ثقيلة، الأمر الذي أخرج سلاح الجو من المعركة، في وقت تقوم فيه طائرات حربية سورية وروسية بتنفيذ غارات على مواقع التنظيم الخلفية وتحصيناته وطرق امداده، من دون أن تمنع هذه الغارات مسلحي التنظيم من متابعة التقدم الراجل، حيث تخوض قوات الجيش السوري معارك عنيفة ضمن ظروف التحام مباشر مع مسلحي التنظيم.

وفي وقت ذكر فيه مصدر عسكري أن قوات الجيش السوري استعادت المبادرة بعد الغارات الأميركية وهجوم مسلحي التنظيم و «تحولت من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم»، أوضح خلال حديثه إلى «السفير» أن مسلحي التنظيم «يستميتون لاختراق المطار الذي يمثل البوابة الوحيدة للتواصل بين دير الزور والعالم الخارجي». كما يؤدي سقوط المطار إلى زيادة خناق مسلحي «داعش» على أهالي مدينة دير الزور المحاصرين والذين يبلغ عددهم حوالي 100 ألف شخص، يعانون من شح كبير في المواد الغذائية ومياه الشرب والمواد الطبية، وهم يتلقون مساعدات جوية بين حين وآخر.

وتزامنت الغارة الأميركية مع استقدام تحصينات للجيش على جبهات القتال في أقصى الشرق السوري، حيث يعتمد الجيش في دفاعاته على «الانتشار الصحيح»، وفق مصدر عسكري، وذلك بهدف الاستفادة القصوى من المقاتلين على مختلف جبهات القتال. وتسببت الغارات بتدمير «خط دفاعي أول»، كما تسببت بخسائر كبيرة في القوات المؤازرة الواصلة حديثاً إلى المدينة.

ومع ارتفاع وتيرة المعارك، تمكن مسلحو تنظيم «داعش» من إسقاط مقاتلة سورية قرب جبل الثردة خلال تنفيذ غارات على موقع التنظيم، وفق ما أكدت وزارة الدفاع السورية في بيان.

سياسياً، تسببت الغارات الأميركية بارتفاع منسوب التوتر الروسي الأميركي، وبررت الولايات المتحدة غاراتها بأنها جاءت «نتيجة الخطأ» وعبرت عن «أسفها» على لسان السفيرة الاميركية في الامم المتحدة سامانثا باور، في حين اعتبرت موسكو أن هذه الغارات «تتراوح بين الاهمال الاجرامي والدعم المباشر لارهابيي تنظيم الدولة الاسلامية».

وفي محاولة لتبرير الجريمة، قال مسؤول في القيادة المركزية الاميركية إن «سوريا هي مسرح عمليات معقد مع وجود قوات عسكرية وميليشيات مختلفة تعمل ضمن مسافات قريبة، غير أن قوات التحالف لم تقم بضرب وحدة عسكرية سورية معروفة عمدا»، مؤكداً أن «التحالف يقوم بمراجعة الغارة والظروف المحيطة بها لمعرفة ما إذا كان يمكن تعلم أي دروس» منها.

وفي سياق متصل، قال المتحدث باسم «البنتاغون» بيتر كوك، انه «في الوقت الذي يحاول فيه البنتاغون تحديد الوقائع، تعرب الولايات المتحدة عن أسفها إذا كان قد تم قصف موقع تابع للجيش السوري عن طريق الخطأ»، مضيفاً ان «القيادة المركزية الاميركية أكدت أن قوات التحالف الدولي قامت بتنفيذ الضربة الجوية اعتقاداً منها انها تستهدف عناصر تنظيم داعش بالقرب من دير الزّور».من جهتها، أوضحت وزارة الخارجية الروسية في بيان «ان موسكو تعبر عن قلقها البالغ لما حصل، ونحن ندعو شركاءنا الاميركيين الى اجراء تحقيق شامل واتخاذ اجراءات لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل»، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن « الضربات الجوية التي نفذها التحالف بقيادة الولايات المتحدة على قوات الجيش السوري تهدد تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا».

وأشارت إلى ان الواقعة تأتي نتيجة للرفض الأميركي «المتعنت» للتعاون مع موسكو في «محاربة تنظيم داعش وجبهة النصرة التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام وجماعات إرهابية أخرى».

بدورها، اكدت مستشارة الرئيس السوري بشار الاسد بثينة شعبان في حديث لوكالة «فرانس برس» أن الغارات الاميركية كانت «مقصودة وداعش كان على علم بها، وحين دخل داعش، توقفت الغارات».

المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، قال خلال مقابلة لمحطة «تيليسور» على هامش قمة «دول عدم الانحياز» في فنزويلا، إن الضربات الجوية التي نفذها تحالف تقوده الولايات المتحدة على الجيش السوري لا يمكن أن تكون «خطأ تقنيا»، موضحا أن الهدف منها هو تقويض خطة وقف إطلاق النار الروسية الأميركية، محذراً من أن «انتهاك» سيادة سوريا سيكون ثمنه «غاليا للغاية».

من جهته، أصدر الجيش الاسترالي بيانا اكد فيه مشاركته في الغارات الجوية على دير الزور، مشددا في الوقت ذاته على ان «استراليا ما كانت لتستهدف عمدا وحدة عسكرية سورية». وقدمت وزارة الدفاع الأسترالية تعازيها لأسر جنود سوريين قتلوا أو أصيبوا خلال الغارة ، مؤكدة أنها «ستتعاون بالكامل في مراجعة يجريها التحالف للواقعة».

وتعي روسيا تماماً الهدف الأميركي من الغارة، وهو دفع مسلحي «داعش» لتحقيق اختراق يمهد له الأرض في أقصى الشرق، وهو ما أدى إلى ارتفاع النبرة الدبلوماسية الروسية، والتأكيد على أن هذه الغارات ستؤثر بشكل مباشر على المحادثات الروسية – الأميركية، حيث تنتظر واشنطن أن تؤدي هذه الاختراقات إلى استبعاد الجيش السوري من أية تسويات تفضي إلى عمليات مشتركة مستقبلاً، الأمر الذي يمثل التفافاً على الاتفاق المبرم بين موسكو وواشنطن، وهو ما عبر عنه سفير روسيا في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين عندما أكد أن «هذه الغارات هي نذير شؤم للاتفاق الاميركي الروسي».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى