اتصالات دولية لجسّ نبض الفصائل حول عزل «النصرة»: دمشق – عبد الله سليمان علي
تشهد أوساط الفصائل المسلحة اتصالات إقليمية مكثفة تهدف إلى جسّ النبض لمعرفة موقفها الحقيقي تجاه عزل «جبهة النصرة» واستهدافها تنفيذاً للاتفاق الروسي ـ الأميركي، فيما استغل الجناح السياسي لـ «أحرار الشام» سريان الهدنة لوضع حدّ لمساعي الاندماج التي شكلت إحراجاً كبيراً له، محاولاً في الوقت ذاته الترويج لبعض النتائج التي انتهت إليها المراجعات التي أجراها، مؤخراً، على استراتيجيته السياسية.
وبعد صدور التعليمات الأميركية، سارعت بعض الدول إلى الاتصال بالعديد من الفصائل المسلحة الناشطة في الشمال السوري بغية رسم صورة واضحة عن الموقف الحقيقي لهذه الفصائل من التخلي عن «جبهة النصرة»، وعما إذا كانت عملية الفصل بين مواقع «النصرة» ومواقع باقي الفصائل ممكنة أم لا، بحسب ما أفاد «السفير» عددٌ من الناشطين الإعلاميين العاملين لدى بعض الفصائل التي تلقت مثل هذه الاتصالات.
وتشير الاتصالات إلى أن الدول المعنية لم تأخذ بيان الفصائل الذي عبّرت فيه عن رفضها القاطع لاستهداف «جبهة النصرة» على محمل الجد، إدراكاً منها لحقيقة العلاقة التي تربط بين الطرفين.
وبحسب الناشط حمزة العبد الله، ركزت الاتصالات على طرح أسئلة حول الآليات التي يمكن الاستناد إليها لتحقيق الفصل، وما هي الصيغة المناسبة للقيام بذلك، والمدة الزمنية اللازمة التي يفترض أن تستغرقها العملية. كما ركزت الأسئلة على التداعيات التي من المحتمل أن تترتب على عزل «جبهة النصرة»، وطبيعة الأثمان التي يمكن أن تدفعها بعض الفصائل جراء ذلك وكيف يمكن تفاديها.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت، الثلاثاء الماضي، أنها تتوقع «انفصال المعارضة المعتدلة في سوريا عن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في الأيام القريبة المقبلة». ويعتبر هذا الانفصال من البنود الجوهرية التي نص عليها الاتفاق بين موسكو وواشنطن بخصوص الهدنة السورية التي دخلت حيز التنفيذ مساء الاثنين.
وينص الاتفاق على أنه في حال صمود الهدنة «تبدأ الولايات المتحدة بالتعاون مع الروس للعمل على هزيمة تنظيم «داعش» و «جبهة فتح الشام» (النصرة). ويتم تنسيق ضربات جوية مشتركة بين روسيا والولايات المتحدة»، على أن يسبق ذلك «إقامة مركز مشترك للتحقق من تطبيق الهدنة، وتشمل التحضيرات تبادل المعلومات وتحديد مناطق وجود كل من جبهة النصرة والمعارضة، ويعتبر هذا التحديد أولوية أساسية». وتأتي هذه الاتصالات التي تقوم بها بعض الدول «عربية وغير عربية» مع الفصائل المسلحة للتأكد من مدى القدرة على الالتزام بتنفيذ هذه الأولوية الأساسية وطريقة القيام بها.
وبالرغم من التحفظات الكثيرة التي أبدتها الفصائل وعلى رأسها «أحرار الشام» على الاتفاق الروسي ـ الأميركي، إلا أن هذا الاتفاق شكّل طوق النجاة الذي تمسكت به بعض القيادات في حركة «أحرار الشام» للتخلص من الضغوط التي كانت تمارس عليها من أجل الاندماج مع «جبهة النصرة».
وبدهاء شديد، استغلّ مدير العلاقات الخارجية في «أحرار الشام» لبيب النحاس فرصة إعلان الاتفاق من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة، غازل «النصرة» من خلال تشديده في البيان الذي تولى صياغته بنفسه على رفض استهدافها، بينما كان يتحضر لدق المسمار الأخير في نعش مشروع الاندماج معها. ومن جهة ثانية، سعى إلى التهويل من شأن الاتفاق ومدى خطورته على «ثوابت الثورة ووحدة الفصائل»، في حين بدأ الترويج لنتائج المراجعات السياسية التي قام بها مع بعض قادة الحركة لتعديل سياسة الحركة وجعلها أكثر مرونة.
وبعد ساعات من بيان «احتضان النصرة»، سارع النحاس في تغريدات له عبر حسابه على موقع «تويتر» إلى الدعوة «لرفع علم الثورة (الانتداب)»، مؤكداً أن هذا العلم سيكون «هو علم سوريا الجديدة» بعد «تحقيق الانتصار».
وتشكّل هذه الدعوة استفزازاً كبيراً لـ «جبهة النصرة» التي خاضت في شهر آذار الماضي معركة عنيفة ضد «علم الثورة» في أعقاب حملة أطلقها ناشطون لتبني العلم واستبداله برايات الفصائل. كما تعتبر دعوة النحاس خروجاً على ميثاق «جيش الفتح» الذي اتفقت عليه الفصائل، وينص صراحة على أن يكون «علم جيش الفتح هو العلم الوحيد الذي يجري رفعه في مناطق سيطرته». أما العبارة التي شكلت وأداً لمساعي الاندماج فهي تأكيد النحاس على أن «أي مشروع توحد يستثني الجيش الحر أو يصطبغ بلون واحد هو مشروع سيزيد الساحة استقطاباً ويدفعها للهاوية»، ولدى «جبهة النصرة» الكثير من الأسباب العقائدية التي تمنعها من التوحد مع فصائل «الجيش الحر» وهو ما يعني عملياً استحالة تحقيق ذلك.
ويبدو أن النحاس وجد الفرصة سانحة لرد الصاع صاعين إلى بعض قادة الحركة ممن هاجموه بقسوة بسبب مقابلته مع صحيفة «الحياة»، والتي تناول فيها موضوع الديموقراطية بطريقة لم ترض آنذاك التيار «القاعدي» في الحركة. فاستغل النحاس لحظة الاعلان عن الهدنة من أجل تسجيل نقطة في مرمى مهاجميه، محاولاً إحياء مشروع طالما شكّل هدف «التيار الاصلاحي في الحركة»، الذي يعتبر النحاس أحد أبرز رموزه.
ومضمون هذا المشروع هو انضواء «أحرار الشام» تحت راية «الجيش الحر» متخلية عن راية «السلفية الجهادية»، والعمل على تشكيل «هيئة أركان مشتركة» مع باقي الفصائل، وهو الأمر الذي ألمح إليه قبل أيام قيادي آخر في الجناح السياسي هو إياد الشعار، المعروف بلقب أبو الحسن التبوكي، في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط».
وثمة العديد من الروايات التي أكدت أن الاجتماع في «المقر صفر»، الذي قتل فيه قادة الصف الأول والثاني من الحركة، كان مخصصاً لدراسة هذا المشروع الإشكالي والتباحث لاتخاذ قرار نهائي حوله.
وجاءت الضربة الثانية في إجراء المراجعات من خلال شريك النحاس، وعضو المجلس الشرعي للحركة أيمن هاروش، الذي أصدر فتوى تشكل انقلاباً جذرياً على مبادئ الحركة ومفاهيمها الفقهية والسياسية.
وتتعلق هذه الفتوى بالموقف من «الحكومة المؤقتة» المنبثقة عن «الائتلاف السوري المعارض»، إذ أفتى هاروش أن هذه الحكومة هي «حكومة ثورية منبثقة عن الداخل»، مشيراً إلى أن هذه الحكومة ستكون البديل الوحيد في حال عدم توحد الفصائل! مع العلم أن «أحرار الشام» تنظر إلى «الائتلاف المعارض» على أنه كيان مرتبط بالخارج ومجرد أداة لتسويق المؤامرات ضد «المجاهدين» وكانت ترفض شراكته بأي مشروع أو موقف أو بيان.
وجاءت فتوى هاروش، التي تحمل بذور التغيير تجاه الائتلاف، بعد ايام فقط من فتوى أخرى تضمنت جواز الاستعانة بالجيش التركي. وقد أثارت هذه الفتوى سجالاً واسعاً بينه وبين بعض قادة ومرجعيات «جبهة النصرة» منهم أبو محمد المقدسي الذي كان أفتى بردة الفصائل التي قاتلت تحت إمرة الجيش التركي في جرابلس، ما يشير إلى مدى اتساع الهوة الفقهية بين الطرفين.
يشار إلى أن أيمن هاروش كان قد نفى ما نشرته «السفير» حول دوره في المراجعات السرية التي قام بها بعض قادة الحركة، ووصف هذه الادعاءات على صفحته على موقع «فايسبوك» بأنها «افتراء وكذب». غير أن فتاويه الجريئة الأخيرة التي انفرد بها من دون غيره من «شرعيي الحركة» تثبت أنه يلعب دوراً مهماً إلى جانب لبيب النحاس في إدارة الدفة السياسية للحركة، وفق ما تتطلبه رياح الأجندات الخارجية وخصوصاً الأجندة التركية، التي سبق للشعار في مقابلته السابقة أن وصف تركيا بأنها «حليف وشريك».
(السفير)