مطاردة الدجال الأميركي في سورية
غالب قنديل
كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض “شريكه” الأميركي جون كيري نشر نصوص الاتفاق الذي توصلا إليه في جنيف حول وقف العمليات القتالية في سورية مؤكدا الرغبة الروسية في إطلاع الرأي العام على النصوص .
هذه المفارقة تلقي الضوء على الحرج الذي تشعر به الإدارة الأميركية إزاء ما ألزمت نفسها به تحت ضغط التوازنات المتحولة وإشكاليات التنفيذ الفعلي للاتفاق الذي سارعت للتحفظ عليه العديد من الفصائل المسلحة التابعة للولايات المتحدة وللحكومات الإقليمية التابعة لها في حلف العدوان على سورية فبين المعترضين جماعات تدعمها حكومات تركيا وقطر والسعودية وإسرائيل وليس من المصادفة أن تكون النقطة المشتركة في بيانات الاعتراض هي بالذات مسألة استثناء جبهة النصرة إلى جانب داعش من آليات وقف القتال أي وضعها تحت النيران الروسية بغطاء أميركي نظريا وبشراكة مباشرة يتمناها الروس ويتطلعون إليها وفقا للاتفاق.
ظهرت مؤشرات لافتة خلال اليومين الماضيين إضافة لحملة اعتراض الفصائل الإرهابية والواجهات السياسية العميلة على الاتفاق وهي تستدعي التوقف لأنها ستكون مصدرا لتأثيرات وتغيرات كبيرة في المشهد السوري تبعا لحقيقة الموقف الأميركي الذي يتسم بالغموض والتحايل كما كان بعد اتفاق وقف الأعمال القتالية السابق في شباط الماضي الذي انقلبت عليه العصابات الإرهابية بدعم اميركي وسعودي قطري تركي .
الفرق هذه المرة هو ان روسيا وبعد مفاوضات صعبة ومتعرجة دامت لأشهر فرضت صيغة الاتفاق الجديد بتفاصيلها على نحو يحمي مكتسبات الميدان التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه لاسيما في حلب حيث جرى إحكام الطوق على العصابات الإرهابية في الأحياء الشرقية بصورة اخذت في اعتبارها ملاحظات القيادة السورية وكل من إيران وحزب الله على هدنة شباط التي قلبها الأميركيون وعملاؤهم وهو تصور تم التفاهم عليه في تقويم مشترك بين الحلفاء جرى تكريسه خلال اجتماع طهران الذي ضم وزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري وتردد انه أقر الخطط اللازمة لتعديل موازين القوى قبل مواعيد التفاوض المرتقبة بين روسيا والولايات المتحدة ومن المؤشرات الدالة على درجة التنسيق بين الشركاء إعلان دمشق انها كانت في صورة تفاصيل الاتفاق الذي أعلنه لافروف وكيري من جنيف بينما اكدت طهران أنها اطلعت على النصوص التي يرفض جون كيري نشرها .
في هذه الأجواء تطارد روسيا خروقات الاتفاق في الميدان وتلاحق الولايات المتحدة بالتزامها النظري بالفك بين عملائها وجبهة النصرة في مواقع متشابكة ومتداخلة يصعب الفصل بينها وعملاء واشنطن المقصودين بيافطاتهم المتعددة يتكشفون في المعاينة الروسية الدقيقة عن مسميات مختلفة لنسيج تكفيري اخواني متطرف يشبه الحاضنة الأم أي شبكة القاعدة او جبهة النصرة او جبهة فتح الشام وفقا للتسيمة الجديدة التي أريد بها التلاعب السياسي الذي فضحته روسيا مسبقا وهي تحتفظ بفعل شراكتها مع الدولة السورية بسجلات مفصلة لتركيبة الجماعات المسلحة وتفرعاتها على الأرض السورية وحيث تفيد المعلومات ان الحجم العسكري للقاعدة بتخطى السبعين بالمئة من عديد الفصائل مجتمعة وحيث تحتفظ القاعدة بإمكانات عسكرية ومالية ضخمة حصلت عليها بدعم من حكومات حلف العدوان بدون استثناء.
ما تخشاه الولايات المتحدة من نشر الاتفاق هو فضح تصنيفاتها لعملائها وكشف التزامها بضم المتمردين على الاتفاق إلى لائحة اهداف القصف الروسي الأميركي المشترك الذي يفترض تنسيقه من غرفة عمليات موحدة حسب الاتفاق وذلك ما يوصف بأنه بيع لجلود العملاء وفي الحقيقة إن تسييل ميزان القوى بصيغة اتفاق تضم مثل هذه البنود هو بذاته انتصار سياسي للدولة السورية ولمحور المقاومة ولروسيا بغض النظر عن المآلات العملية التي توحي بها حالة الانتباه بل الاستنفار الروسية التي تحصي التفاصيل والأنفاس وتحيط بها ثقة عالية من الشركاء .
في التحليل الأخير وعبر سياقات تطبيق اتفاق كيري لافروف تدخل مطاردة الرئيس فلاديمير بوتين للدجال الأميركي إلى باب الدار فصلها الحاسم في سورية ويوضع في امتحان صعب كل النفاق الأميركي عن مكافحة الإرهاب الذي بات اولوية مسلما بها في اعتراف ضمني بالرضوخ لمنطق الرئيس بشار الأسد ولما نادى به منذ الشهور الأولى للتمرد الأخواني القاعدي الذي دعمته الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وقطر والسعودية وألبسته ثوب الثورة المزيفة بعدما حشدت إليه وحدات من المرتزقة والتكفيريين متعددي الجنسيات عملا بخطة الحرب بالوكالة التي رسمها ديفيد بيترايوس وقاد تنفيذها من قاعدة أنجرليك التركية.