الجنوب السوري يفضح المساكنة بين إسرائيل و«النصرة»: خليل حرب – محمد بلوط
ما أقرَّ به الوزير الأميركي جون كيري بالأمس حول سحق الجيش السوري والقوات الروسية للفصائل المسلحة، اختصره المشهد في الجنوب السوري بعدما خرجت المساكنة السرّية بين «جبهة النصرة» وغيرها، وإسرائيل الى تحالف علني، في مغامرة عسكرية عبثية انتهت على ما يبدو بنحو 500 قتيل وجريح في صفوف المهاجمين.
نحو 120 قرية سورية على حدود الجولان وبعمق 10 كيلومترات داخل سوريا، وعلى طول نحو 75 كلم، تحت سيطرة فصائل مسلحة تتحرك بحرّية كاملة بمحاذاة الشريط الإسرائيلي الشائك، كانت الحسابات الموضوعة لها، أن تتوسع شمالاً، برعاية إسرائيلية مباشرة، في تجسيد واضح لفكرة «الشريط الأمني» الذي أقامه الاحتلال في الجنوب اللبناني، بالاعتماد هذه المرة على «جيش لحد السوري».
سيحتاج الأمر الى الكثير من التدقيق لفهم مدى التداخل بين متطلبات الحركة الإسرائيلية في الجنوب السوري، وحضور «غرفة عمليات الموك» في الأردن، في المعارك التي دارت في الأيام الماضية، على هامش «الهدنة السورية» المرعيّة أميركياً وروسياً.
لكن الواضح بحسب مصادر ميدانية مطلعة أن الهدف الأساسي للهجوم اليائس الذي جرى التحضير له طوال شهرين، كان محاولة استكمال الحزام، أولا بمحاولة السيطرة على الحضر وتلول فاطمة ووصل بيت جن بجباتا الخشب، والهدف الثاني استعادة الشيخ مسكين، وإعادة وصل ريف القنيطرة بريف درعا، وقطع طريق درعا الدولي، لتتبلور صيغة الحزام المنشود مقابل منطقة الجولان ومزارع شبعا وجبل الشيخ.
وعلى غرار ما جرى قبل عام بالضبط بفشل دموي لهجوم «عاصفة الجنوب» الذي شنّته الفصائل المسلحة، والتي انتهت وقتها بنحو 1500 قتيل، وبفاجعة اجتماعية خلّفت نقمة في صفوف المجتمع العشائري ـ الحوراني، تكرر مشهد مشابه في الأيام الأخيرة.
مواقع الجيش السوري والحلفاء، بما في ذلك «حزب الله»، شديدة التحصين، وتتميز بعمليات تشريك فاعلة وخنادق محيطة بالمناطق المحمية، وساهمت فيها خبرات متراكمة من تلك الجبهة ومن غيرها من الجبهات السورية، بما في ذلك خبرة التحصينات في جبهات حلب.
والأرجح أن غرفة العمليات «الإسرائيلية ـ السلفية» المشتركة، قد بالغت في التفاؤل في اعتمادها على الإسناد الجوي الإسرائيلي لاختراق الجبهة الجنوبية. وكان الجيش قد أرسل تعزيزات لعلمه أن التحضيرات للهجوم على المنطقة قد بدأت منذ اسابيع، وهو عنصر يزيد من الاسئلة حول هدف هجوم كانت كل تفاصيله معروفة في دمشق، باستثناء ساعة الصفر.
وتستطيع «جبهة النصرة» و «احرار الشام» تعزية النفس انها كانت لا تزال حتى مساء أمس تسيطر على تلة الحمرية، النقطة الوحيدة التي استطاعات انتزاعها من الجيش في شبكة الدفاع عن مدينة البعث، في هجوم واسع شارك فيه سلاح الجو الاسرائيلي بكثافة غير مسبوقة منذ بداية الحرب في سوريا.
وأخرجت عملية «قادسية الجنوب»، «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «الوية الفرقان» و «سيف الاسلام» و «المعتز بالله» و «لواء السبطين»، من مساكنة سرية مع اسرائيل الى تحالف سلفي صهيوني، من دون ان يعود ذلك على الطرفين بأي اختراق حقيقي في خطوط الجيش السوري.
وينبغي التساؤل عما اذا كان الإسرائيليون يعتقدون صبيحة الأحد الماضي عندما دقت ساعة الصفر للهجوم، انه يمكن فعلا اختراق واحدة من اعقد جبهات سوريا الجنوبية وأكثرها تنظيما والسيطرة على كامل الشريط الحدودي، بمجرد حشد 1500 مقاتل من الألوية التي اعادوا تشكيل اكثرها من مئات المقاتلين العائدين من مشافي نهاريا وصفد، حيث عالجتهم الأيدي الإسرائيلية لأشهر من جروح معارك سابقة مع الجيش السوري. ويبدو الهدف غير متناسب مع العديد المخصص للعملية، حتى مع الاعتماد على الاسناد الجوي الاسرائيلي الذي شنَّ غارات كثيرة لتعويض نقص العديد السلفي، ومنع الطيران السوري من التدخل في المعركة.
كما ذهبت غرفة العمليات السلفية ـ الإسرائيلية التي خلفت غرفة عملية عمان في ادارة الجبهة الجنوبية، الى نشر المقاتلين على اربعة محاور معقّدة. الأول في مثلث الموت في كفرناسج ودير العدس، حيث يحتفظ الجيش السوري مع الحرس الثوري الإيراني والمقاومة، بقوة كبيرة لمنع المجموعات المسلحة من السيطرة على عقدة الوصل الاستراتيجية بين ارياف درعا والقنيطرة ودمشق، وقطع طرق الإمداد الأقرب للجيش السوري من درعا والقنيطرة نحو دمشق. بالإضافة الى محور مدينة البعث، التي ارسل اليها الجيش السوري تعزيزات ضمن أكثر من الف جندي. وفتحت بشكل متزامن جبهة السرايا، لا سيما السرية الرابعة شمال القنيطرة، وجبهة جباتا الخشب.
وحتى مساء امس، استعادت الجبهة الجنوبية بعض هدوئها الذي تفوح منه رائحة الهزيمة التي الحقها الجيش السوري بـ «قادسية الجنوب» بعد ان فشلت في عزل حضر، او اختراق مدينة البعث او التقدم في مثلث الموت. وسلّم الاسرائيليون عند بوابة الرفيد 18 جثة، لمقاتلين جرحى فارقوا الحياة في مشافي نهاريا وصفد. والمشهد سيضاعف من انهيار البيئة الحاضنة للمجموعات المسلحة في الجنوب، جراء سقوط اكثر من 100 قتيل، و400 جريح ، اي ثلث المجموعات المهاجمة في اربعة ايام من المعارك، وهو ما ينبئ بكارثة اجتماعية وبشرية في القرى الجولانية التي تحتلها المجموعات المسلحة، وتجند بعض ابنائها للقتال الى جانب اسرائيل.
وقد يعود الاسرائيليون الى الهجوم، ولكنه سيكون من الصعب تعبئة بيئة من بضع قرى، قليلة السكان، وتحتل مساحة ضيقة من الارض الجولانية، ولو بظهير اسرائيلي في الجولان المحتل، لتحقيق اهداف تتجاوز بكثير قدراتها العسكرية والبشرية، وتحتاج الى تنسيق بري جوي لا قبل لها به، وقد فشلت طيلة العام الماضي في التقدم نحوه، بقوة كانت تضم اكثر من ثلاثة الاف مقاتل، قبل عام تماما، في عملية «وبشّر الصابرين»، التي انتهت الى هزيمة مشابهة.
ورغم ان الجيش الاسرائيلي بذل كل ما يستطيعه لدعم المجموعات السلفية جوا، او من خلال التشويش والتنصت على اتصالات الجيش السوري التي كانت تقوم بها الوحدة 8200 الاسرائيلية المتمركزة في تل ابو الندى المحتل، ومقر غرفة العمليات السلفية ـ الاسرائيلية المشتركة، الا انه لم يكن مستعدا للذهاب ابعد من ذلك وإرسال اي قوة برية على الارض لدعمها. وحاول الاسرائيليون عبثا استفزاز الدفاعات الجوية السورية، لضرب راداراتها في الجولان، عبر التحليق لساعات طويلة ليلا فوق مواقع الجيش السوري، وقصف احد مرابض مدفعيته في قلعة جندل. وشكّل تنشيط شبكة الصواريخ السورية لصد وتهديد الطيران الاسرائيلي امس الاول، عامل احباط اضافي امام الاسرائيليين لوقف العملية.
وحتى الان، الهدنة السورية لا تترنح برغم انتهاكها 35 مرة من جانب الفصائل المسلحة امس في دمشق والقنيطرة وحماه واللاذقية وحمص، بالاضافة الى حلب بما في ذلك طريق الكاستيلو المراد له ان يتحول شريان اغاثة نحو المدينة.
وفي مواجهة الانتقادات لتفاهماته مع الروس، قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري إن الرئيس الاميركي باراك اوباما سبق له ان اتخذ قراره بعدم إرسال الجنود الاميركيين إلى سوريا لحسم الصراع. وتسائل كيري «ما هو البديل؟… آلاف آخرون من القتلى؟ أن يتم اكتساح حلب بالكامل؟ أن يوجه الروس والأسد ببساطة قصفا عشوائيا لأيام مقبلة وأن نجلس هناك ولا نفعل شيئا؟». وأقرّ كيري بأن «المعارضة المعتدلة» التي تدعمها بلاده وحلفاءها في الخليج كانت في الجانب الخاسر أمام القوات الحكومية التي تتلقى المساندة من روسيا، قائلاً «معادلة أن الأسد يسحقهم وأن روسيا تسحقهم كانت ستلقي بهم في أيدي النصرة وداعش، وستكون (هناك) درجة أكبر من التطرف».
(السفير)