الفيتو الحريري أصل التعطيل
غالب قنديل
يقف الفيتو الحريري في طريق أي حل لبناني وليس المقصود فحسب رفض تيار المستقبل لانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية بناء على توجيهات سعودية اميركية واضحة بل إن موقف الحزب الحريري من مجموع القضايا السياسية والاقتصادية الراهنة التي تزداد تعقيدا وخطورة بفعل تصميم كتلة المستقبل في الحكومة والمجلس النيابي على رفض السير في الخيارات الواقعية والعملية لحلها .
في ظاهر الأمور تقدم وسائل الإعلام صورة للرأي العام اللبناني تظهر التيار الوطني الحر في موقع الجهة المسؤولة عن تعطيل الحكومة ولكن واقعة الاحتجاج العوني على تعليق التعيينات العسكرية والأمنية والاعتراض على ما يعتبره التيار طعنا بموقعه التمثيلي في الشراكة الطائفية داخل النظام السياسي لم تولد حديثا وسبق ان قادت إلى توترات سياسية كثيرة لم يجر اي عمل جدي لبحثها ومناقشتها والتفتيش عن مخارج لها ولو بمنطق التسويات اللبنانية المعتادة بل طبق نهج سياسي يعزز الشعور بالتهميش والتجاهل والغبن السياسي عندما جرت تعيينات كثيرة غب الطلب دون اعتبار لما يلقى في وجه العونيين من ذرائع الصد والرفض في كثير من الحالات وليس فحسب في موضوع قيادة الجيش .
الأزمة هي ازمة نظام وصيغة حكم واقتصاد كسيح ومريض تهيمن عليه الريعية المصرفية والعقارية وهي تركيبة لم تعد قابلة للحياة ولاهي قادرة على إنتاج نفسها مجددا والدليل هو استعصاء الاتفاق على قانون انتخابات جديد بل ومن الأصل تعطيل الانتخابات الذي ما زال خطرا قائما ومستمرا للعام القادم بسبب الفيتو الحريري لأن تيار المستقبل يخشى كلمة الناخبين في صناديق الاقتراع على قاعدة أي قانون انتخابي كان وحتى لو كان قانون الستين بدوائره المفصلة لأنه يخشى ان يخسر الكثير مما لديه من مقاعد نيابية ستطيح بها التغييرات السياسية في قاعدته وفي خارطة التحالفات المقابلة بعد تفاهم القوات والتيار ولذلك فالفيتو الحريري قائم على قانون الانتخابات الجديد وربما سيطرح الفيتو على إجراء الانتخابات بأي ثمن كما فعل الحريري عشية التمديد الأول للمجلس النيابي للاحتفاظ بغالبية نيابية فاقدة للمشروعية الشعبية بدافع استمرار الهيمنة على السلطة ومواصلة التحكم بالسياسات الاقتصادية الاجتماعية التي تعطل كتلة المستقبل أي مراجعة او إعادة نظر في مضمونها لتحرس مصالحها الناتجة عن الخصخصة والتقاسم والدليل في ازمة النفايات وسكلنة الإدارة العامة بما فيها من محاصصة وكذلك رفض الحريرية القاطع لإقرار سلسلة الرتب والرواتب .
إن من افظع التعبيرات الهجينة في الواقع السياسي المريض ان يتردد الكلام مؤخرا عن حاجة الرئيس سعد الحريري للعودة إلى الحكم ليخرج من ازمته المالية وهذه حقيقة تفضح مضمون المشروع السلطوي للحريرية منذ البداية .
النظام اللبناني العاجز والمتصدع مختوم بالشمع الاحمر الحريري ممنوع عليه ان يقر قانون انتخاب وممنوع عليه ان يجري انتخابات وممنوع عليه تطبيق الشراكة الطائفية كما نص عليها الطائف وبالتساوي والتكافؤ وكذلك ممنوع عليه ان يتقدم إلى تطبيق أهم بنود الطائف بقانون انتخابات على أساس النسبية وبنظام المجلسين وهو بند كان منذ التسعينيات وحتى اليوم أسير الفيتو الحريري الذي يمنع هو نفسه حتى اليوم تحرير الجرود من احتلال جماعات التكفير والإرهاب القاعدية والداعشية والفيتو نفسه يمنع التواصل اللبناني الرسمي مع الدولة السورية التي راهن الحريري على إسقاطها وشارك في دعم التمرد عليها الذي قادته فصائل إرهابية قاعدية قدم لها المال والسلاح والدعم الإعلامي انطلاقا من لبنان .
إن كل ما يعيشه الناس يدعو إلى الاحتجاج ولكن الشعب اللبناني الممزق بالعصبيات الطائفية والمذهبية والذي تختنق في صفوفه الطلائع النخبوية المؤمنة بالتغيير الجذري لا يبدي استعدادا واقعيا لانتفاضة تقلب قواعد الصراع وتفرض مسارا جديدا ويبدو بوضوح ان دوامة التآكل والنزيف سوف تستمر حتى إشعار آخر بينما يستدعي التهميش الطائفي ردودا طائفية يستدرج إليها حزب كالتيار الوطني الحر بنى وجوده على رفض السياسة التقليدية وتحصن بخطاب الوحدة الوطنية وبشعارات الإصلاح فنجح الفيتو الحريري باستدراجه إلى اللعبة الطائفية التي هي بنت نظام الطائف وقاعدته المتبقية باستمرار سد السبل إلى إصلاح حقيقي بقانون انتخاب جديد يتيح استفتاء الإرادة الشعبية وتجديد التمثيل السياسي وبالتالي تبلور خرائط وتوازنات جديدة بأصوات المقترعين أليس ذلك هو الطريق السلمي والسليم الوحيد ؟