عن الاتفاق الأميركي ــ الروسي حميدي العبدالله
أدلى مسؤولون روس، وفي مقدّمتهم الرئيس فلاديمير بوتين بتصريحات أكدوا فيها أنّ إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول سورية إمكانية مرجحة، وقد لاذ المسؤولون الأميركيون بالصمت حول التصريحات الروسية المتفائلة، ولكن على هامش قمة العشرين في الصين صرّح مسؤول أميركي من دون أن يكشف عن هويته مؤكداً أنّ احتمالات التوصل إلى اتفاق مع روسيا قائم بقوة. ولكن الرئيس الأميركي باراك أوباما بدّد موجة التفاؤل عندما قال إنّ هناك خلافات خطيرة مع روسيا لا تزال تحول دون التوصل إلى اتفاق. وهذا بدء الاستنتاج الذي يؤمن به مراقبون كثر حول عدم جدية الولايات المتحدة، واقتراب تصريحات المسؤولين فيها من التصريحات الروسية حول احتمال التوصل إلى اتفاق.
إذا تمّ التوصل فعلاً إلى اتفاق، فإنّ ذلك سيكون محصلة لمجموعة العوامل أهمّها خلط الأوراق الذي نجم عن المصالحة الروسية التركية، والانقلاب الفاشل في تركيا، والصدام الذي شهدته مدينة الحسكة بين الجيش السوري والقوات الكردية. نجم عن خلط الأوراق هذه نشوء أرضية سياسية مشتركة بين سورية وحلفائها من جهة، وتركيا من جهة أخرى، قائمة على أساس الاستشعار بالخطر الكردي على وحدة سورية وتركيا، كما نجم تقابل حلفاء الولايات المتحدة في الميدان السوري، وتحديداً الأكراد السوريين الذين يشكلون القوة البرية الوحيدة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة لتكريس نفوذها في سورية ولتركيا التي تشكل أهمّ حليف إقليمي للولايات في المنطقة، إذ بات من الصعب على الولايات المتحدة وضع حدّ للخلاف من المستعصي، ومن غير المرجح أن تنجح محاولاتها لرأب الصدع بين الطرفين في ضوء تجاربها السابقة مع الجماعات الإرهابية المسلحة التي كانت خلافاتها أقلّ حدة وأقلّ ميدانية من خلاف الكردي التركي. ونجم عن كلّ ذلك إرباك الاستراتيجية الأميركية في مواجهة داعش وفي مواجهة الدولة السورية وحلفائها، بمعنى أنّ أوراق الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الخاصة في سورية، بما في ذلك هدف استمرار حرب الاستنزاف الذي أشار إليه روبرت مالي مستشار الرئيس أوباما، لم تعد فاعلة بالمستوى الذي كان عليه قبل هذه التطورات، وإذا ما أخذ بعين الاعتبار المكاسب الميدانية في حلب التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه وإصرار روسيا على محاربة الإرهاب والفصل بين «جبهة النصرة» والتنظيمات الأخرى كشرط مسبق للعودة إلى اتفاق وقف العمليات، وتعاظم الهجمات الارتدادية في الغرب وفي المنطقة للجماعات الإرهابية، يمكن الاستنتاج أنّ ثمة أرضية سياسية قد تتيح التوصل إلى اتفاق روسي – أميركي في سورية قائم على أسس تفاهمات فيينا ومحاربة الإرهاب والفصل بين الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة الأخرى.
(البناء)