ماذا لو لم يُعلَن السبت التفاهم الروسي الأميركي؟
ناصر قنديل
– يقول المبعوث الأممي إلى سورية إنه ينتظر السبت لإعلان التفاهم الروسي الأميركي، الذي قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إنه قطع الأشواط الرئيسية وبقيت بعض التفاصيل للساعات المقبلة. ويضيف دي ميستورا أنه يُعدّ لمبادرة واقعية للحلّ السياسي والمحادثات تنطلق من المتغيّرات التي شهدتها الأزمة السورية، ويعلق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالأمل بتحقيق النجاح في دعوة المعنيين إلى جولة جديدة من محادثات جنيف قريباً، ويربط دي ميستورا النجاح بالاستعداد للإنجاز قبيل بدء الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما تتحدث التقارير الأميركية عن إصابة بالغة لسياسة اللعب مع الوقت التي انتهجها الأميركيون في التعامل مع المساعي الروسية بالتغيّر في الموقف التركي، الذي تبنّى بصورة محرجة لواشنطن مضمون دعواتها المستمرة لأنقرة بالانخراط في الحرب ضدّ داعش، لكن أنقرة فعلت ذلك هذه المرة من ضمن تفاهمها مع موسكو وطهران بالتعاون لإسقاط مشاريع ترك سورية تتفتّت، التي ترعاها واشنطن، ويشكل دعم نشوء كيان كردي مكتمل الشروط وغير معلن محورها الرئيسي، ويشكل إسقاطه هدف أنقرة المركزي، وتنهش تركيا لحم الشريط الكردي الذي صار الإبن المدلل لواشنطن وحصان الرهان الوحيد، بعدما انتفخ وتضخم دوره.
– في واشنطن يكتب الكثير من المحللين عن سقوط لعبة الوقت من يد الرئيس أوباما، لأنّ لدى روسيا وإيران أداة أطلسية ستتكفّل بتدمير الحلم الأميركي بتفتيت سورية، ويضيفون أنّ مقايضة وقف التسهيلات التركية عبر الحدود للجماعات المسلحة لجبهة النصرة ونقل المسلحين الذين ترعاهم أنقرة للمشاركة في حربها ضدّ داعش والأكراد، قد تمّت لقاء التغاضي الروسي الإيراني عن التوغل التركي رغم تأييد موسكو وطهران اعتراضات سورية على عدم التنسيق التركي مع الحكومة السورية، وأنّ الرقة لن تكون على جدول الأعمال التركي والروسي والسوري والإيراني ما لم تنخرط واشنطن في التفاهم الكبير مع موسكو، وأنّ ثقل الحرب التركية سيتجه غرباً نحو عفرين، مع تنظيف شمال حلب من وجود داعش، كحال مدينة الباب. وفي سياق الحرب تتكفل الحرب بالتضييق على الميليشيا الكردية وتقطيع أوصال الشريط الذي قامت ببنائه على حدود تركيا، وفي المقابل سيتجه ثقل الحرب السورية بدعم من حزب الله وإيران ومساندة روسية كاملة على حلب وإدلب وريفيهما، كلما نجح الأتراك بتحقيق الفصل العملي بين مسلحي المعارضة والنصرة عبر سحب مسلحي المعارضة من ممرّ باب الهوى الحدودي وإعادة إدخالهم من معبر كشميش المحاذي لجرابلس.
– ماذا لو لم يتمّ التفاهم مع موسكو؟ يطرحون السؤال في واشنطن ويقولون، ستستمرّ التفاهمات التركية الروسية الإيرانية بمفاعيلها، ويضعف الأكراد والنصرة معاً، وتبقى قوة داعش بانتظار التفاهم لتضرب في الغرب وترسل المزيد من الانتحاريين والرسائل الدموية إلى العواصم الأوروبية وربما إلى المدن الأميركية، ولن يسعف الإدارة الأميركية الرهان على خوض معركة الموصل والفوز بها بالظن أنه قد تمّ استرضاء إيران بحلّ مقبول في اليمن، لا يبدو حلفاء إيران مستعجلين عليه، رغم إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري لمبادرة تقترب من مطالبهم، فواشنطن تعلم حجم الترابط بين معركة إنهاء داعش في كلّ من سورية والعراق، وارتباطهما معاً بالشراكة مع إيران وروسيا، فهل تتحمّل واشنطن أن تتبلور جغرافيا سورية متصلة وقوية تحت سيطرة الجيش السوري، تمتدّ من حدود الأردن والجولان ولبنان والبحر المتوسط حتى الحدود التركية، باستثناء مناطق سيطرة داعش، في الرقة ودير الزور؟ وهل سيتحمّل السوريون وحلفاؤهم في المقابل الانتظار الذي ترغبه واشنطن ضمن حرب استنزاف طويلة لتفتيت سورية جزراً موزعة على الأكراد والأتراك والنصرة وداعش؟ وهل ستتمكن النصرة من الصمود طويلاً وهي تفقد مسلحي الجماعات التي يعيد الأتراك تدويرها في حربهم عبر الحدود، بعدما اقفلوا عليها هذه الحدود؟
– تركيا التي كانت تختنق اقتصادياً، تصلها جرعات سريعة من الأوكسجين الروسي بفتح الأسواق فوراً لمنتجاتها الزراعية، ودعوة شركات المقاولات لاستئناف أعمالها، وبدء إرسال عشرات آلاف السياح الروس إليها، لا تملك الكثير من الهوامش للعب مع روسيا، ولا تملك في المقابل القدرة على تحمّل العبث بالورقة الكردية أميركياً، وربما تكون هي وإيران أقرب لتمني عدم حدوث التفاهم الروسي الأميركي قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية لخوض الحرب وفقاً لروزنامة ثنائية شطب إمارة النصرة والشريط الكردي بدلاً من صبّ الجهد المتوازي على هذين الهدفين ومعهما مقتضيات التفاهم الروسي الأميركي بتصعيد الحرب على داعش وتحقيق انتصارات سريعة عليها، خصوصاً في الرقة تخديماً للحاجات الانتخابية للحزب الديمقراطي الذي يريد منح مرشحته المزيد من فرص الفوز المضمون، بعدما صار تنظيم داعش هو الناخب الأول لدى الرأي العام الأميركي.
– إذا كان كلّ ما يجري في جنيف حبراً على ورق، ومئات ساعات العمل التي يمضيها الخبراء الروس والأميركيون مع الخرائط وصياغة بنود التفاهمات، فإنّ الأميركيين سيستفيقون من النوم الانتخابي وقد صاروا لاعباً ثانوياً في الشرق الأوسط، ورسالة فشل مفاوضاتهم مع الصين وباكستان وأفغانستان حول الانسحاب الأميركي من بلاد الأفغان تقول إنْ لا تفاهمات بالمفرق وإنّ التفاهم حول سورية اولاً هو مفتاح سائر التفاهمات، وزمن الدلع الأميركي ووهم الإمساك بخيوط اللعبة لم يعد كما كان، وأنّ حالتهم الدولية تشبه إلى حدّ بعيد حال السعوديين الإقليمية، ويحتاجون مَن يُسمعهم ما قالوه للسعوديين عن أنّ السعوديين يملكون القوة، ولكنهم لا يملكون خارطة طريق لجعلها تنتج في السياسة، فصارت التفاهمات قدراً لهم لا يمكن تفاديه.
(البناء)