العجز الأميركي السعودي في اليمن
غالب قنديل
منذ زيارة جون كيري للمملكة السعودية واللقاء الرباعي الذي قاده بمشاركة السعودية والإمارات وبريطانيا يدور الجدل حول ما صرح به موجها الدعوة لتكوين حكومة وحدة وطنية في اليمن داعيا الطرفين المتصارعين على حد تعبيره لإلقاء السلاح ولتسليمه إلى جهة ثالثة وهناك من وصف الطرح الأميركي بانه مبادرة سياسية جديدة للتسوية في اليمن وقد تفاءل البعض بفرصة جدية لوقف مسلسل القتل والتدمير الذي بات يمثل أبشع حروب الإبادة المعاصرة وقد شرع العالم يصحو من الابتزاز السعودي الهادف لإحكام اطواق التعتيم على جرائم موصوفة ضد الإنسانية وبدأت تظهر الإدانات العالمية لتلك الارتكابات المشينة ومعها دعوات لحظر مبيعات السلاح الأميركية والأوروبية للمملكة السعودية فما هي العوامل التي جاءت بجون كيري وعرضه السياسي بعد فشل مفاوضات الكويت نتيجة التعنت السعودي الأميركي؟
أولا تزامن الحضور العاجل لوزير الخارجية الأميركية مع صدمات متلاحقة لحلف العدوان الاميركي السعودي بعد التقاط القوى الوطنية لزمام المبادرة السياسية والعسكرية ردا على عمليات التعطيل والعرقلة المفضوحة التي قادتها الولايات المتحدة خلال مفاوضات الكويت وهذا ما تجلى في خطوتين كبيرتين :
1- إعلان المجلس السياسي الأعلى والمصادقة عليه في البرلمان اليمني المؤسسة الدستورية الباقية في البلاد وظهور إرادة شعبية حاسمة واسعة من خلال المسيرة الضخمة التي انطلقت في صنعاء دعما لهذه المبادرة التي شاركت فيها سائر القوى الوطنية اليمنية المناهضة للعدوان الأميركي السعودي وقد بدت التفاعلات السياسية والشعبية بمثابة نزع لأي صفة تمثيلية عن هياكل تجمع منصور هادي الذي يرفع يافطة الشرعية من الرياض خصوصا وأن المجلس السياسي باشر العمل لتاكيد صفته الدستورية كامتداد للعملية الوفاقية التي قطعها العدوان وانقلب عليها.
2- قيام الجيش اليمني واللجان الشعبية بنقلة موازية في الميدان من خلال القصف الصاروخي للعمق السعودي وعبرعمليات الالتحام البري على الحدود وداخل عدد كبير من نقاط الإنتشار العسكري للقوات السعودية في المناطق الحدودية وكذلك باستهداف منشآت نفطية وهو الأمر الذي أربك حلف العدوان وهذه المسألة بالذات أي القدرة على استهداف العمق والتقدم عبر الحدود هي نقطة قوة يمنية ترغم القيادة السعودية على السعي إلى التفاوض والهدنة بأي ثمن ولها نتائجها الاقتصادية والسياسية والأمنية في داخل المملكة وليس من فراغ تركيز كيري على موضوع الصواريخ بعيدة المدى التي يمتلكها الوطنيون اليمنيون.
ثانيا من عوامل الضغط والتأثير التي تقلق القيادة السعودية التحول اللافت في الموقف الروسي وتعاظم المناخ الدولي الداعي لوقف العدوان على اليمن على صعيد الحكومات والراي العام ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى مثابرة جمعيات حقوقية يمنية ومنظمات وشخصيات خليجية داخل المنتديات الدولية وقيامها بتقديم الوثائق والوقائع ذات المصداقية التي تفضح حقيقة ما يجري ضد الشعب اليمني من مجازر جماعية وحيث لعب الحقوقي والبرلماني الكويتي الدكتور عبد الحميد دشتي دورا كبيرا في تطوير وتفعيل تلك المساهمات وهو ما كان مصدرا لاستهدافه ولممارسة ضغوط كثيفة على حكومة الكويت للتضييق عليه بعد فشل جميع محاولات إسكاته.
ثالثا التسليم بفكرة حكومة الوحدة الوطنية من حيث المبدأ هو إعلان فشل العدوان الذي صمم لشطب القوى الوطنية ونزع سلاحها وبالتالي فالعجز العسكري والسياسي لحلف العدوان يقف خلف الانتقال إلى خطاب مختلف من حيث المحتوى بعدما تمسك الوفد الوطني في الكويت بالتصدي للطروحات الأميركية السعودية البريطانية التي انصبت على طلب الاستسلام وتحقيق أهداف الحرب عبر التفاوض.
حددت القوى الوطنية اليمنية رؤيتها لآلية التفاوض الجديدة باشتراط وقف العمليات العسكرية ورفع الحصار ردا على تصريحات كيري المستعجل على وقف القصف الصاروخي للعمق السعودي والعمليات القتالية عبر الحدود فذاك هو بيت الوجع وهذا ما اعتبرته القوى الوطنية اليمنية جزءا من عملية وقف القتال أي وقف العدوان بكل أشكاله ورفع الحصار قبل أي تفاوض سياسي جديد وإذا نجحت القيادة اليمنية في انتزاع هذا الإطار ستكون قد حققت إنجازا كبيرا يستكمل خطواتها المهمة سياسيا وميدانيا ويبدو انه دون هذه الغاية مزيد من السعي لتعديل توازن القوى فقد تحركت السعودية لمحاولة تمييع ما أوحت به تصريحات جون كيري .