الإرهابيون في جرود عرسال: «بعبع» إلى حين فراس الشوفي
من المرجّح أن يمرّ شتاء آخر على مسلحي الجرود في عرسال، من دون أن يتغيّر شيء. لا حلّ في الأفق، على الرغم من انقطاع طرق الإمداد من سوريا وقدرة الجيش اللبناني على الحسم العسكري. وحدها عرسال تدفع ثمن الانتظار
يكاد يتحوّل احتلال الجماعات الإرهابية لشمال سلسلة جرود لبنان الشرقية، إلى مشكلة محليّة لأهالي البقاع الشمالي وبلدة عرسال، مع انشغال اللبنانيين بهموم البلد الأخرى.
أربع سنوات وأكثر مرّت، غزا خلالها الإرهابيون عرسال مرّة، واختطفوا جنوداً من الجيش اللبناني، وحولوا المغاور إلى مصانع للموت تزرع الأشلاء في طول البلاد وعرضها، وأرهبوا القاع المجاورة قبل شهرين بثمانية أجساد متفجّرة، واقتتل الإخوة الأعداء في ما بينهم للسيطرة على الأرض والمغانم والنفوذ. لتبقى الأسئلة عن «متى وكيف تتحرّر الجرود؟»، بلا أجوبة، ويبقى الإرهابيون «بعبعا»، يُضَرِّج عرسال بدمها كل يوم، ويرهب اللبنانيين، كلّما دعت الحاجة.
منذ توقّفت عمليّات الجيش السوري والمقاومة اللبنانية في جرود القلمون وجرود عرسال العميقة، وأحكم الجيش السوري سيطرته على بلدتَي مهين والقريتين وصولاً إلى تدمر، أصيبت خطوط إمداد إرهابيي تنظيم «داعش» و«تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» نحو الداخل السوري بالشّح، وصولاً إلى انقطاعها في بعض الممرّات. ومع ذلك، يستمرّ أكثر من 500 مسلّح من «النصرة» وحوالي 1500 من «داعش» بالحياة في الجرود المقفرة.
ولا يمرّ يومٌ، إلّا ويستهدف الجيش اللبناني والمقاومة، إمّا بالقصف الصاروخي والمدفعي أو بغارات الطائرات المسيّرة، مواقع المسلّحين وقياداتهم، في سياسة يُنظِّر لها العسكريون وقائد الجيش العماد جان قهوجي بـ«الاستهداف عن بُعد»، ويقتنع بها صقور تيار المستقبل، لا سيّما وزير الداخلية نهاد المشنوق.
ومع أن الجيش اللبناني يشدّد حصاره على الجرود من ناحية عرسال، ويدقّق في أعداد أرغفة الخبز التي يحملها العراسلة أثناء توجّههم إلى مصالحهم في الجرود، إلّا أن أحداً لا يُنكر، أن مصدر الحياة الرئيسي لمسلحي التنظيمين الإرهابيين يأتي من داخل البلدة، ومن داخل المخيمات التي تقبع خارج سيطرة الجيش بعد وادي حميد، عبر طرقات التهريب والممرات الجردية، التي يصعب على الجيش ضبطها بالكامل. حتى صار أغلب الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية مؤخّراً، يوقفون بتهمة «مسؤول لوجستي» في التنظيم الفلاني، وهي ترجمة أخرى لـ«مهرب».
إمّا القصير أو عرسال
لا تنحصر أزمة الجماعات الإرهابية في جرود عرسال بالشّق الأمني وحده. ثمّة حقائق حول المخيّمات، لا يمكن التغاضي عنها. في التوصيف، ينتمي غالبية مسلحي تنظيم «داعش» إلى المجموعات التي خرجت من مدينة القصير والقرى المحيطة بها عام 2013. وتنقّل هؤلاء بين «الجيش الحر» و«كتائب الفاروق» في القصير، ثم بايعوا «النصرة» وأميرها أبو مالك التلّي بعد فرارهم إلى القلمون، ثم بايعوا «داعش» بعد أن أتى المدعو أبو الوليد السوري مبعوثاً من أبو بكر البغدادي إلى الجرود. ويعدّ موفّق الجربان، المعروف بموفّق أبو السوس، أبرز القيادات العسكرية للتنظيم.
يقطن عددٌ كبيرٌ من أهالي مسلحي «داعش» وأقاربهم في داخل عرسال وفي «مخيّم القصير» في البلدة، فيما يقطن الجزء الأكبر من أقارب مسلحي «النصرة»، وهم من بلدات القلمون، في المخيّمات التي تقع خارج نطاق سيطرة الجيش بين بلدة عرسال وجرودها. وسبق لأكثر من جهة، أن عرضت نقل «مخيّم القصير» تحديداً، إلى سهل البقاع في العام الماضي، وقوبل العرض بالرفض من قبل قاطنيه، وكان الجواب بحسب مصادر محليّة معنية في البلدة: «إمّا عرسال أو القصير»، والعودة إلى القصير في الظروف الراهنة تبدو شبه مستحيلة. وبحسب أكثر من مصدر أمني وميداني معني بالجرود، فإن إمداد «جبهة النصرة» بات ينحصر بما يصل إلى مسلّحيها من المخيمات الواقعة خارج نطاق انتشار الجيش في وادي حميد ومن داخل البلدة، مع حركة خفيفة لتهريب الأفراد والذخائر عبر معبر الزمراني باتجاه جرود قارة والجراجير، علماً بأن المعبر تتقاسمه الآن «النصرة» و«داعش»، بعد أن كان خاضعاً لسيطرة «النصرة» الكاملة، ثم صار خاضعاً لسيطرة «داعش» الكاملة، قبل أن تفضي المعارك الأخيرة بين التنظيمين قبل أشهر، إلى شبه اتفاق على تقاسم المعبر. فيما يستند «داعش» إلى خطوط إمداد ضعيفة لا زالت تصله بالداخل السوري وجبال الحسياء، عبر جرود بلدة القاع، بالإضافة إلى الإمداد من داخل بلدة عرسال. وتجزم مصادر عسكرية بأنه «لم يعد باستطاعة داعش تسيير القوافل من الداخل السوري عبر الحسياء، إنّما حركة عبور أفراد وبغال، معرّضة دائماً للضرب من قبل الجيش السوري وحزب الله. وتجزم مصادر أمنية لـ«الأخبار» بأن «الحصار الكلّي على المسلحين لا يتمّ إلّا في حال تمّ حصار عرسال البلدة، وهذا مستحيل، بوجود أكثر من 22 ألف عرسالي وأكثر من 80 ألف نازح سوري».
طرق الإمداد أم القرار السياسي؟
لم يكد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله يؤكّد في خطابه قبل أسبوعين أن «الجيش اللبناني يقدر على حسم المعركة في جرود عرسال لكن لا قرار سياسياً»، حتى حسم قهوجي من بعده قدرة الجيش على حسم المعركة، إن صارت، في جرود عرسال لصالحه. لكن قائد الجيش اشترط «إقفال خطوط الإمداد إلى سوريا». وبين نصرالله وقهوجي، يقول الوزير نهاد المشنوق لـ«الأخبار» إن «أزمة عرسال المعقّدة لا حلّ عسكرياً لها بوجود هذا العدد من المدنيين»، مشيراً إلى أن «ما يحصل الآن من استهدافات بعيدة للمسلحين من قبل الجيش، هو أفضل الممكن، لحين إيجاد الحلّ النهائي».
هل من سيناريوهات للحل؟ لا جواب الآن من أكثر من طرف عسكري ورسمي معني، لكن تجارب الحرب السورية علمتنا بأن كل حصار ينتهي بخروج الجزء الأكبر من المسلحين إلى مناطق أخرى بتسوية، وهذا ليس متوفّراً الآن في جرود عرسال. ولن يكون متوفّراً، بحال «لم يتمّ التواصل الرسمي من قبل الدولة اللبنانية مع سوريا»، على ما تؤكّد مصادر سورية رسمية لـ«الأخبار». وفي انتظار الحلّ النهائي، يسود «الهدوء الحذر» عرسال، فالجيش يوجّه الضربات للخلايا النائمة في البلدة، والخلايا النائمة بدورها توجّه الضربات للجيش، ومن لا يعجبها من فعاليات البلدة والمواطنين اللبنانيين والسوريين. غير أنه لكلّ جهازٍ أمني وحزبي و«إرهابي» في البلدة مخبريه وأدواته وأجنداته، من مخابرات الجيش إلى فرع المعلومات والأمن العام وحزب الله وسرايا المقاومة وتيار المستقبل، إلى «النصرة» و«داعش». ويصل الأمر بأحد فعاليات البلدة البارزين للقول، إن «عرسال ابنة قاصرة لا أهل لها، والجميع يحاول أن يكون ولّي أمرها».
التعرف إلى انتحارِيَيَن اثنين
مضى شهران على الاستهداف الإرهابي الذي أودى بحياة خمسة شهداء و31 جريحاً من أهالي بلدة القاع. ثمانية انتحاريين، انقضّوا على البلدة من دون أن تحسم هويّاتهم وتفاصيل العمليات حتى الآن، في وقت لم يتبن أي تنظيم إرهابي مسؤولية العمل. إلّا أنه حتى الآن، يؤكّد أكثر من مصدر أمني أن مصدر الانتحاريين هو جرود عرسال، التي أتوا إليها من الرّقة، ووصلوا إلى القاع عبر وادي ميرا. وتكشف المعلومات عن توصّل الأجهزة الأمنية إلى التعرّف على هوية اثنين من الانتحاريين، يحملان الجنسية السورية، من دون التوصّل إلى معلومات عن باقي أفراد العملية. كذلك يعوّل الأمنيون على الموقوف «م. م. د. ج.»، أحد أقارب موفق أبو السوس المسؤول العسكري لـ«داعش» في الجرود، الذي أوقفه فرع المعلومات قبل نحو أسبوع في ساحة اللبوة وتمّ تسليمه إلى الأمن العام اللبناني، وفي حوزته أربعة هواتف يتواصل عبرها مع الجرود.
(الاخبار)