مقالات مختارة

الفرصة مؤاتية للحسم في الجرود ابراهيم ناصرالدين

 

العجز السياسي عن اجتراح الحلول الكفيلة باخراج البلاد من المراوحة القاتلة، وعدم مبالاة المجتمع الدولي ودول الاقليم بالازمة على الساحة اللبنانية، يقابله حال من الترقب لانعكاسات التطورات الميدانية على الجبهات السورية على الواقع الامني على الحدود الشرقية. فاذا كانت نتائج الحرب السورية ستترك انعكاسات سياسية مباشرة على الواقع اللبناني، وهذا الامر يحتاج الى المزيد من الوقت بانتظار نضوج التسوية بين القوى المتصارعة، فان الاستفادة من التطورات العسكرية لا تحتمل التأجيل، وهذا ما يرتقب حصوله بعد اكتمال الطوق على مدينة حلب، والمتوقع حصوله خلال ايام، يضاف الى ذلك عامل شديد الاهمية يتمثل بالمصالحات التي ينتظر ان تتدحرج كحجارة «الدومينو» بعد تسوية مدينة داريا واقتراب انجاز مصالحة المعضمية في غوطة دمشق الغربية، وحي الوعر، آخر البؤرالعسكرية للمسلحين في حمص… ولكن كيف ستنعكس هذه التطورات على واقع الحدود اللبنانية – السورية؟

اوساط مطلعة على مجريات الميدان السوري، تؤكد ان هذه التطورات المتلاحقة في غاية الاهمية وستكون لها تداعيات كبيرة وحاسمة في المرحلة المقبلة، يضاف اليها الدخول التركي العسكري المباشر الى الاراضي السورية، وهو تطور لا يأتي بمعزل عن ترتيبات امنية وعسكرية ستشهدها تباعا الجبهات السورية. وعندما اتخذت انقرة قرارا تنفيذيا على الارض، بمعزل عن حدود التفاهمات والاطراف المشاركة فيها، فانها عمليا فتحت الباب امام نمط جديد من التعامل مع الملف السوري لم يكن متاحا في السابق، وهو امر سيسمح لقوى اقليمية باتخاذ خطوات مشابهة، «فتنظيف» الحدود وتأمينها لن يكون محصورا بالجانب التركي، فانقرة تجاوزت «الخطوط الحمراء» المرسومة، وهذا يسمح للاطراف الاخرى بتجاوزها، وهذا يتيح للقوى الفاعلة على الجانب اللبناني الذهاب بعيدا لاقفال ملف ما تبقى من بؤر ارهابية على الحدود اللبنانية، وتجاوز العقبات والمعوقات التي كانت تضعها قوى اقليمية ومحلية.

وفي هذا السياق تؤكد تلك الاوساط، ان ملف الحدود الشرقية وضع مجددا على «نار حامية» وفق مقاربة امنية وعسكرية جديدة تسمح للمقاومة والجيش السوري بالحسم بالتنسيق مع الجيش اللبناني، ومسألة التنسيق لن تحتاج الى قرار سياسي، فحزب الله يشكل «صلة الوصل» العملانية التي تقوم بعملية التنسيق بين الجيشيين، وما تشهده خطوط التماس من تمهيد ناري بالمدفعية والاسلحة الموجهة تأتي في سياق «جس النبض»، وافهام المجموعات المسلحة ان خياراتها باتت محدودة، فاما تسليم الاسلحة الثقيلة والانسحاب عبر ممر آمن الى الرقة او ادلب، او دفع ثمن المكابرة عبر اسقاط تلك المناطق بالقوة العسكرية… وثمة جهات سورية تقوم بالتواصل مع المسلحين لاقناعهم بالخروج «الآمن»..

وبحسب المعطيات فان الظروف اليوم مؤاتية جدا لاتخاذ قرار بالحسم، فالمصالحات المتتالية في محيط العاصمة دمشق زادت من الضغوط على المجموعات المسلحة التي باتت في موقف استراتيجي ضعيف بعد ان فقدت دورها المحوري المرسوم لها للاطباق على دمشق، فمع سقوط «بؤر» المسحلين الواحدة تلوى الاخرى في محيط العاصمة السورية، فقد هؤلاء قيمة وجودهم تحت الحصار، وبات خروجهم من المنطقة امراً حيوياً، باعتبار ان بقاءهم ضمن دائرة مغلقة يشكل استنزافا بشريا وماديا مكلفا دون اي افق وذلك لاستحالة تحقيق النتائج العسكرية والسياسية المرجوة، ومن المرجح ازدياد حدة الضغط العسكري اليومي من قبل الجيش والمقاومة على مواقع المسلحين لابقاء هؤلاء تحت الضغط ومنعهم من «التقاط الانفاس»، ودفعهم الى اتخاذ خيار المغادرة «الطوعية».

وتلفت تلك الاوساط الى ان ثمة مصلحة سورية – لبنانية مشتركة لاقفال هذا الملف، فالدولة السورية تحتاج الى تخفيف الضغط عن وحدات الجيش السوري المكلفة حماية العاصمة دمشق، ثمة عدد كبير من القطاعات العسكرية، اغلبها من قوات النخبة وفي مقدمها الفرقة الرابعة، موجودة في هذه المنطقة وهي غير قادرة على التحرك الى جبهات ساخنة أخرى، وقد دلت التجربة في جبهة «الليرمون» في حلب على مدى فعالية وقدرة تلك المجموعات العالية التدريب على التأثير في مجريات المواجهات الاقتحامية المباشرة، وقد ساعد سحب عدة سرايا من الفرقة الرابعة الى تلك المنطقة في ملاقاة القوات التي يقودها العقيد سهيل الحسن المعروف «بالنمر» من جبهة مزارع الملاح، ما ادى الى اطباق الخناق على المسلحين في شرق مدينة حلب… وتدرك القيادة العسكرية السورية ان اقفال ملف بؤر المسلحين في محيط العاصمة وعلى الحدود اللبنانية سيمنحها القدرة على توسيع مهام قواتها المسلحة الموكلة بحماية العاصمة…

في المقابل يحتاج حزب الله ايضا الى تخفيف الاعباء اللوجستية على مقاتليه، فاقفال هذه الجبهة سيخفف من حجم العديد الضخم الذي تخصصه المقاومة لحماية الحدود والانتشار في مناطق القلمون المحررة، و«تنظيف» المنطقة سيتيح له ارسال مجموعاته المقاتلة الى النقاط الحيوية في العمق السوري… وسحب اخرى الى مراكز تموضعها في الداخل… والامر نفسه ينطبق على الجيش اللبناني المستنزف بشريا على الحدود الشرقية، فنحو خمسة الاف وخمسمائة جندي وضابط اضيفوا الى القوات الموجودة في المنطقة هناك، يشكلون عاملا ضاغطا على المؤسسة العسكرية المحتاجة الى عديد يغطي المهام الموكلة للجيش في الداخل وعلى الحدود الجنوبية والشمالية، واقفال ملف الحدود الشرقية هو الاكثر قابلية للمعالجة في ظل «توازن الردع» مع اسرائيل وعدم القدرة عن التخلي عن المهام الامنية في الداخل.

وفي هذا السياق، لا بد من الاشارة الى ان الانفلات الامني على الحدود الشرقية انهك الاجهزة الامنية اللبنانية وجهاز امن المقاومة خلال الاشهر القليلة الماضية، فتزامن شهر رمضان مع بداية موسم الصيف، شكل عبئا كبيرا على تلك الاجهزة، خصوصا ان موجة الشائعات لم تكن مجرد تسريبات تهدف الى تعكير الاجواء الامنية وزعزعة الاستقرار، فهي لم تأت من عدم، وتبين من خلال اعترافات المجموعات التي القي القبض عليها، كشف عن بعضها وبقي الاخر طي الكتمان، ان الخطر جدي للغاية، ومعظمه يأتي من الحدود الشرقية حيث تحصل الخلايا «النائمة» و«الناشطة» على كل ما تحتاجه من دعم لوجستي وامني من تلك «البؤر»…

وبحسب المعطيات فان الفرصة متاحة لوضع حد نهائي لهذا الخطر، وثمة توجه لتجاوز القرار السياسي المتردد والمتخاذل، فالملف الامني في يد الجيش والأجهزة الامنية، وثمة تعاون مثمر مع جهاز امن المقاومة، العمليات العسكرية في الجرود قرار بيد حزب الله والجيش السوري، والجيش اللبناني يخوض مواجهة «الامر الواقع»، ويمكن وضع السلطة السياسية الغائبة عن اتخاذ اي إجراء جدي امام مسؤولياتها كما حصل سابقا في ملف عبرا، وغيره من ملفات الارهاب في الداخل… ويمكن ايضا استغلال مظلة التوافق السياسي الداخلي والخارجي على حماية الاستقرار وتحصينه، للقيام بما هو ضروري لتحصين الوضع الامني وهي فرصة باتت متاحة اليوم… وثمة معلومات جدية عن وجود خطط عسكرية جاهزة للتنفيذ حين تصل الجهود المبذولة لاقناع المجموعات المسلحة بالمغادرة الى «حائط مسدود»، ووفقا للمعلومات فان هامش الوقت بات ضيقا والجميع في سباق مع الزمن في «لعبة عض اصابع» بات من المؤكد ان المسلحين ومن يدعمهم «سيصرخون اولا»…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى