محفوظ للشرق الجديد: البناء الفكري الذي أرساه الامام الصدر يصلح كخريطة طريق لخلاص لبنان والمنطقة
اعتبر رئيس المجلس الوطني الإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ ان تغييب الامام موسى الصدر ارتبط بشكل او بآخر بواقع استخباري معقد كون الامام موسى الصدر كان في الفترة التي سبقت تغييبه يعمل على محاولة تحييد العامل العربي عن تعقيدات الوضع اللبناني وتأمين موقف عربي جامع ازاء وحدة لبنان والبحث عن مخارج فعلية للأزمة وايضا لحماية الجنوب اللبناني، واستطاع ان ينتزع موافقة عدد من الدول العربية على راسها سوريا والجزائر والسعودية وبقيت في تلك الفترة دولة ليبيا التي كانت تطرح طروحات ينظر اليها الامام موسى الصدر نظرة سلبية منها تحديدا موقف ليبيا حينها من المسيحيين وما شابه ذلك.
وقال محفوظ في حديث لوكالة أخبار الشرق الجديد، ان المهم هو البناء الفكري الذي ارساه الامام موسى الصدر وهو بناء يتجاوز حدود الزمان والمكان ويصلح كخريطة طريق لخلاص لبنان وحتى لخلاص المنطقة .
وتابع قائلا: “الامام موسى الصدر كان سياديا اصلاحيا، استطاع ان يكسب جمهورا واسعا بين المسلمين والمسيحيين وكان يقف ضد الطوائفية السياسية ويعتبرها علة ومشكلة كبيرة للبنان، ولا يمكن تخطيها الا ببناء فكرة المواطنة الحقيقية من خلال تعزيز فكرة الدولة وبناء الدولة العادلة والقادرة، أي بناء الدولة المرتبطة بفكرة العدالة الاجتماعية وانصاف المحرومين في كل الطوائف، وربط الاطراف مثل عكار وبعلبك الهرمل بالدولة المركزية باعتبار ان الدولة اللبنانية آنذاك بالنسبة الى الامام موسى الصدر لم تكن الا نظام المتصرفية الذي ضم شكليا الاقضية الاربعة بدون ان تستفيد هذه الاقضية من منافع الدولة ولذلك في تقديره كان هذا هو السبب لنشوء ما يمكن تسميته احزمة البؤس”.
واضاف محفوظ: “كان الهدف الرئيسي للإمام الصدر هو وقف الحرب الاهلية التي اعتبر انها اعتراض اساسي لمشروعه الاصلاحي وخصوصا انه لمس في الحرب الاهلية عنصر التدخلات الخارجية وانها تؤسس لفتنة داخلية ولذلك اتخذ موقفا ضد الحرب الاهلية عبر الاعتصام في مسجد الصفا وكان سبق ذلك موقف للإمام ضد شعار عزل “الكتائب” لأنه رأى ان هذا الشعار سوف يترجم الى عزل المسيحيين وهذا ما حصل، ولذلك ومن اجل وقف هذه الحرب وحتى المطالب الاصلاحية التي كان يتمسك بها اعتبر انها غير ممكنة في ظل الفتنة الاهلية، لان الفتنة الاهلية في تقديره هي اشد خطرا من العدوان الاسرائيلي باعتبار انه في مواجهة العدو يلتقي اللبنانيون انما في حالة الفتنة يقتتل اللبنانيون في الداخل اللبناني”.
وقال محفوظ: “لا بد من الوقوف عند ظاهرة هذا البناء الفكري او هذه النظرية الفكرية للإمام موسى الصدر والتي يمكن اختصارها بالنقاط الاتية:
اولا، التركيز على فكرة الدولة الجامعة والدولة الملجأ لكل الناس باعتبار ان السقوف المتعددة للطوائفية هي نقيض فكرة المواطنية.
ثانيا، ان فكر الامام هو فكر اصلاحي يقوم على مواجهة الفساد وعلى انصاف المناطق المحرومة ويرتبط بسياسة تعليمية تلبي حاجات السوق ويرى في الاساس بان الدين في جوهره هو واحد غايته بناء الانسان ويعتبر ان الانسان هو القيمة المشتركة بين المسيحية والاسلام.
ثالثا، التركيز على فكرة الوحدة الوطنية لأنه خارج هذه الوحدة الوطنية تنشأ كل مظاهر التفتيت. رابعا، اعتبار ان الحوار هو المدخل لحل كل المشاكل وخصوصا في الموضوع اللبناني فقد كان الامام الصدريرفض فكرة التحدي في العلاقات بين الطوائف وبين القوى السياسية ولذلك كانت اهمية فكرة الحوار لديه لأنه كان يعترض على سياسات التحدي”.
وتابع محفوظ: “الامام الصدر اعتبر ان ثمة شرخا كبيرا بين المركز والاطراف ولذلك عندما تكلم عن نظام المتصرفية كان يقصد ان كل منافع الدولة تجمعت في المركز بيروت بينما اهمل الريف ولذلك اضطر الكثيرون ان يأتوا الى بيروت بحثا عن العمل وكان هذا هو السر في نشوء احزمة البؤس ومن هنا ركز في مطالبه على بعلبك الهرمل ومنطقة عكار وعلى كل المناطق المحرومة حتى في اطراف المركز، وشدد الامام موسى الصدر على دور المرأة والشباب واعتبر ان فكرة التغيير لا يمكن ان تتم في لبنان عبر طائفة واحدة او عبر ثنائية طائفية، التغيير يأتي من كل المحرومين في كل الطوائف وعبر رؤية غير طائفية. كما اعتبر الامام بان الاعلام خلال الحرب الاهلية كان له احيانا كثيرة دور سلبي وهو حدد دور الاعلام بالوظيفة التي تعطى له فإنما ان يكون الاعلام بناء واما ان يكون هداما، لذلك تكلم عن ان الحرب ليست فقط فعل المدافع بل هي فعل الالسن والعقول والنفوس وان الكلمة احيانا لها فعل الرصاص . وشدد على الحوار الاسلامي المسيحي ولذلك كانت الندوة اللبنانية هي المكان الذي تم العمل فيه على هذا الحوار ومن هنا كانت محاضراته المتعددة في الكنائس والمساجد. وشدد على فكرة الدولة المدنية وهذه المسألة التقى فيها مع المطران غريغوار حداد والاب يواكيم مبارك والدكتور حسن مجذوب والشيخ الدكتور صبحي الصالح”.
وختم محفوظ قائلا: “هذه بعض العناوين للأفكار التي طرحها الامام موسى الصدر واعتقد انها تصلح الان اذا ما تم الاخذ بها كمخارج للتعقيدات التي نعيشها ولواقع التفتيت، فالإمام موسى في مقال له على الصفحة الاخيرة للنهار العربي والدولي قبل تغييبه تكلم عن الاخطار التي تهدد المنطقة في حال وقوع التفتيت في لبنان، واعتبر ان التفتيت والتقسيم سوف يبدأ من لبنان ويصيب كل دول المنطقة وصولا الى باكستان وافغانستان، هذه رؤية جديرة بان يتم النظر اليها وخصوصا بعدما شهدنا ما سمي خطأ بالربيع العربي قد كرس عنصر التدخلات الخارجية والفوضى وبالتالي اعتقد بانه في مثل هذه الحالة لا بد من الاخذ بهذه الافكار للإمام موسى الصدر وخصوصا انه كان هو السباق الى طرح فكرة حوار الحضارات، فأول من طرح فكرة حوار الحضارات والاديان كان الامام موسى الصدر عندما اعتبر بان الصيغة اللبنانية هي نموذج لحوار الحضارات والاديان وعندما اعتبر ان الدين في جوهره هو واحد وهذه مسألة جديرة بان يأخذها الباحثون في عملهم . واعتقد ان الكثير من المشاكل القائمة الان سواء مثلا على المستوى العربي والاقليمي مع الاتراك او بين ايران والمملكة العربية السعودية تفترض تعميق الحوار سيما وان الامام الصدر دعا الى فكرة التسامح والانفتاح والقبول بالاخر بالتالي هذا النمط من النظرة الى الديانات هو الذي يمكن ان يكون عنصر المواجهة الفعلي مع الفكر التكفيري الذي يهدد المنطقة”.