هل تسعى واشنطن إلى التسويات ؟
غالب قنديل
شاعت انطباعات في المنطقة عن ترجيح اتجاه الولايات المتحدة للدفع نحو مسار تفاوضي حول التسويات الممكنة في كل من سورية واليمن وقد انطلقت الفرضيات والتوقعات من الاجتماع الماراتوني بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي في جنيف والذي تعمد سيرغي لافروف الإعلان عن شمول جدول أعماله للوضع في سورية واليمن ورغم ما بدا واضحا من تعثر الوصول إلى تفاهمات نهائية بسبب التعنت الأميركي في الموقف من الجماعات الإرهابية في سورية وكذلك في تبني الشروط السعودية للحل في اليمن.
يستند منطق فرضية السعي إلى التسويات إلى حاجة باراك اوباما لمحفظة من الإنجازات السياسية يضعها في رصيد مرشحته الرئاسية هيلاري كلينتون ويتوج بها رصيده قبل ختام ولايته بضم سورية واليمن إلى إنجازاته التي تشمل الاتفاق النووي الإيراني والعلاقة الأميركية مع كوبا وفيتنام وهي في الواقع تضم أيضا مبادراته الهجومية العدوانية في اميركا اللاتينية المكرسة لضرب الحكومات الاستقلالية وجهوده لتكوين حلف ضد الصين عملا بمبدأ محور آسيا الذي اقترحته هيلاري قبل سنوات وحملته المتواصلة منذ انقلاب اوكرانيا للحشد سياسيا وعسكريا ضد روسيا الاتحادية في جوارها الأوروبي والآسيوي.
هذه الفرضية السياسية نظريا ينقصها الفحص الضروري لطبيعة المصالح الأميركية في المنطقة وما تقتضيه من خيارات استراتيجية في حربين كبيرتين شنهما باراك اوباما كرئيس للولايات المتحدة وقاد فصولهما ولم يرثهما كما هي حال حربي العراق وأفغانستان فالرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي هي مرشحته للرئاسة اليوم قادا هجوميا فصول العدوان على سورية وحشدا تحالفا دوليا في الحملة لإسقاطها.
ميزة تلك الحرب الأميركية انها شنت بواسطة جيش عالمي متعدد الجنسيات من فلول القاعدة وفصائل الأخوان المسلمين وتورطت فيها حكومات إقليمية تدور في الفلك الأميركي أبرزها حكومات تركيا والمملكة السعودية وقطر والأردن ومعها مباشرة إسرائيل وقد جرى الالتفاف على فشل تلك الحرب العالمية نتيجة الصمود الشعبي والعسكري والسياسي لسورية بقيادة الرئيس بشار الأسد بتحويلها إلى حرب استنزاف قابلة للإطالة والاستثمار السياسي وصولا إلى النتيجة المنشودة وهي منع الدولة السورية وحلفاءها من تحقيق انتصار واضح والتلاعب بالعملية السياسية من خلال زحمة التعقيدات والضغوط الأميركية المتواصلة لمنع نهوض الدولة الوطنية مرة بتعطيل العملية السياسية ومرات عبر تفخيخها بالوصفات الطائفية وبالطروحات الفدرالية التي يعمل الأميركيون بجهد لتثبيت مرتكزاتها من خلال استغلال نفوذهم في وسط القيادات الكردية التي راهنت على وعودهم وأسلمت أعناقها لحبال التلاعب الأميركي بينما تنتحل واشنطن شعار الحرب على الإرهاب الذي وفرت له مع شركائها في العدوان كل أسباب الدعم تحت يافطة الثورة السورية المزعومة.
طروحات كلينتون وفريقها ترجح الرغبة في تسلم الملف السوري بوضعية تسمح باختبار المزيد من التدخل الأميركي المباشر عسكريا وسياسيا خصوصا وأن الميدان السوري ينطوي على مجالات افتراضية لصد تنامي وصعود قوة كل من روسيا والصين وإيران في المنطقة والعالم وهي الدول التي يستهدفها حزب الحرب الأميركي إلى جانب حليفتها سورية التي يعتبر اللوبي الصهيوني الفاعل في فريق كلينتون ان خروجها منتصرة بقيادة الرئيس الأسد سيكون هزيمة مدوية للكيان الصهيوني يصعب حصر آثارها ونتائجها التي تقلق تل أبيب رغم كل ما يتردد عن التطمينات الروسية وحيث وجد قادة الاستخبارات الصهيونية قبل أشهر في تقديرات معلنة أن مؤشرات انتصار سورية التي تظهر واقعيا هي الخطر الداهم .
أما في اليمن فعلى الرغم من تصدر المملكة السعودية لقرار الحرب ضد هذا البلد كانت إدارة اوباما هي القائد الفعلي لتلك المذبحة ومعها حلفاؤها الدوليون والإقليميون المشاركون في العدوان على سورية ومن الواضح ان المرشحة كلينتون ترتبط بعلاقات وثيقة مع العائلة السعودية الحاكمة وهي تتبنى اجندتها الإقليمية ضد إيران والقوى المتمردة على منظومة الهمينة الاستعمارية في المنطقة بينما يربط الحكم السعودي جهوده في تعطيل التسويات المقترحة وخصوصا في اليمن برهانه على احتمال فوز كلينتون بالرئاسة بينما يجد في الاحتمال المقابل أي فوز ترامب فاتحة عهد من المتاعب والتعقيدات بعلاقته الحيوية مع الولايات المتحدة .
يمكن القول ان التمادي في توهم السعي الأميركي للتسويات سيجلب إحباطات كثيرة وأضرارا لا تحصى على معسكر مناهضي الهيمنة والإرهاب فحتى الساعة ليس الفشل الذي أصاب الخطط الأميركية في المنطقة بمظاهره الراهنة كافيا لإرغام واشنطن على الرضوخ للتسويات الممكنة رغم التصميم الروسي على استثمار الفرص المتاحة وحيث تحتمل المسارات المتعرجة للمباحثات الروسية الأميركية قيام واشنطن بالمناورة لتمرير الوقت بأقل الخسائر ولتضييع فرص التعجيل بحسم الحروب العدوانية بمبادرات هجومية وجريئة قد يتخذها محور الدول الاستقلالية المناهضة للعدوان والهيمنة وهو الخيار الأنسب قبل تولي الإدارة الجديدة للسلطة أيا كان خيار الصناديق الانتخابية التي لا يستبعد ان تدخل في حيرة الحساب والعد كما حصل في انتخاب “نبي” الحروب الاستعمارية الأميركية المعاصرة جورج دبليو بوش.