ستبكون لأجل اتفاق كداريّا
ناصر قنديل
– تُكثر وجوه الفضائيات السعودية من سوريّي الائتلاف وجماعة المفاوضين ومَن يحملون ألقاباً بمسمّى «الجيش الحر» وخبراء ومحللين، من البكاء على اتفاق داريّا، الذي سمح لمجموعة من القتلة بالخروج بأمان إلى منطقة بعيدة هي إدلب، ربما تتجمّع فيها كلّ بقايا الجماعات المسلحة ويبكون فيها طلباً لاتفاق كداريّا، ووفّر لبيئتهم الحاضنة وعائلاتهم أماكن سكن آمن منعاً لأيّ انتقام من مئات الذين فقدوا أعزاءهم من الجنود والضباط على أيديهم. وهذا نادر في حروب كالحرب السورية، وهو ما دفع بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي رافق ويرافق وراقب ويراقب مسار الحرب، للقول إنّ نموذج داريا جدير بالتعميم، ليس فقط لأنه يرغب برؤية مشاهد سقوط البؤر التي يتجمّع فيها قتلة يحملون زوراً لقب «ثوار»، وهي تعود إلى حضن الدولة السورية، بل تشجيعاً للدولة السورية على متابعة مسار داريا، الذي يخشى لافروف من صعوبة تطبيقه في المراحل المقبلة من الحرب عندما نقترب من مصير إدلب، ولأنّ المتتلفزين يعملون بإمرة صاحب الأمر والمال، فلا قيد على كلامهم، طالما يعلم من وضعهم كوضع داريا معنى كلام لافروف، فيسارعون إلى طلب تكرار المثال عليهم قبل أن تدق الساعة. وهنا ليست الأمثلة المهمة من حي الوعر في حمص ولا من الأحياء الشرقية في حلب، ولا المعضمية بالتأكيد، بل من دوما حيث بدأ التفاوض على تسوية تبدأ بتسليم مئات من الرهائن يحتجزها مسلّحو دوما من أيام مجازرهم في عدرا العمالية، وصولاً إلى تسوية تُنهي القتال.
– الذي يجري أكبر من أن تدركه عقول مسطّحة كعقل ميشيل كيلو، ومَن مثله، فالتوافق قد تمّ على أن تدفع السعودية ثمن حروب المنطقة، وأن تنجو تركيا بجلدها، وبسبب الغباء الذي تصرّفت به القيادة الكردية شمال سورية، ستجعل الخسارة من نصيب قضية الأكراد التي كانت موضع عناية روسية سورية إيرانية، قبل أن يضع قادة الأكراد مصيرهم بيد الأميركيين الذين باعوهم للأتراك. وكلّ جماعات السعودية ستدفع الثمن معها، والفصل بين الإرهاب والمعارضة يتمّ وفق معادلة الفصل بين جماعات السعودية التي تتجمّع في إدلب، وجماعات تركيا الذين يذهبون لقتال داعش، وحجز مقعد مقابل ذلك في جنيف، ومثله في حكومة موحدة في ظلّ رئاسة الرئيس السوري بشار الأسد، بانتظار الانتخابات التي يعلمون أنها ستعود بالرئيس الأسد إلى قصر الرئاسة، والسعودية التي يسقط مشروعها في سورية، بسقوط داريا، لأنه ريف دمشق الذي تشكل داريّا قلبه وعصبه وتشكل دوما حديقته الخلفية، المكان الوحيد لنفوذ سعودي لا تحرسه الحراب الانكشارية التركية، كما هي الحال في شمال سورية، فمنح الأتراك فرصة التخلّص من كابوسهم الكردي، بعدما ارتكبت القيادة الكردية خطيئة مميتة بإنكار سوريتها لحساب تبعية مباشرة للأميركيين، وها هي تدفع ثمنها. وفي المقابل سلّم الأتراك فروة الرأس السعودية، فالمكان لا يتسع لاثنين، ولا الوقت يسمح بالانتظار طويلاً.
– فروة الرأس السعودية يتساقط شعرها في نجران وجيزان وعسير، حيث الأنباء من هناك تتحدّث عن قرب سقوط المحافظات اليمنية التاريخية بيد وحدات الجيش واللجان الشعبية التي باتت على أبواب المدن، والمعلومات المؤكدة من هناك أنّ شاحنات محمّلة بوحدات صواريخ الباتريوت تهرع إلى الخطوط القريبة تحسّباً للجولة المقبلة من الحرب، التي بات يتصرّف السعوديون على قاعدة أنها ستكون مع دخول المدن في المحافظات الثلاث وسيطرة الجيش اليمني المعارض للسعودية ومعه اللجان الشعبية المؤيدة للحوثيين، ومشكلة الرياض أنها قبلت المبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي جون كيري بحكومة وحدة وطنية يمنية، متأخرة كما يقول اليمنيون، لأنّ بلورة خطة كيري كإطار صالح لوقف النار سيستغرق وقتاً أطول من الوقت اللازم لإنجاز الجيش واللجان مهمة تطهير محافظات جيزان ونجران وعسير، وقد استنفد السعوديون كلّ حلفائهم من الخليج إلى السودان، وبقي أمامهم طريق واحد هو إعلان الخروج من حرب اليمن من طرف واحد، بأيّ ذريعة، مقابل تفاهم ضمني على وقف الزحف اليمني داخل الحدود السعودية الرسمية وفي المناطق اليمينة التاريخية، وإلا سيتمنى الضباط والجنود السعوديون المنتشرون في محافظات عدن وتعز ومأرب، تسوية واتفاقاً كتسوية واتفاق داريّا.
– لحظات الهجوم الشامل تبدو قريبة، في جبهات اليمن وسورية، وقد تبلورت الأدوار، والاصطفافات، وفهم الأميركيون والأتراك أنّ الوقوف على ضفة المنتصرين ممكن ومتاح بشرطين، الأول أن يزيلوا الدولة السورية ورئيسها وجيشها من لائحة أحلام انتصاراتهم. والثاني أن يشاركوا في النصر على أعداء الدولة السورية وليس على أصدقائها، ولو كانوا أصدقاءهم. وهذا يصحّ بالنسبة للأتراك في حال السعودية وجبهة النصرة، وأحرار الشام، ويصحّ أميركياً بالنسبة للسعودية أصلاً وكذلك للميليشيات التي درّبوها وسلّحوها كردية وإسلامية، والكلّ يدرك ذلك، النصر للأذكياء والأقوياء طبعاً، ومَن يبذلون دماءهم بسخاء أصلاً. ومشكلة الأميركي والتركي والسعودي أنهم يخشون بذل الدماء، وكلّ ذكائهم هو بتجنيد أغبياء يبذلون الدم عنهم، بينما يجتمع في محور المقاومة الذكاء وبذل الدماء، وسقوف الانتصارات تتراتب على درجة تراتب الذكاء وبذل الدماء. فالحلف الروسي الإيراني السوري ينتصر على تركيا وأميركا، لكنه يدعهما تنتصران على السعودية والقاعدة وداعش، والميليشيات الكردية. تراتب الأذكى فالأدنى ذكاء هو مشهد النصر السوري ولهذا يقف السعوديون والقاعدة في أسفل الهرم، وتبقى نافذة لتموضع القيادة الكردية في مكان صحيح لتنجو من تراكم ردم الحجارة فوق الرؤوس.
(البناء)