عندما يتم قتل فلسطيني فان اسرائيل لا تهتم بالقدر الذي تهتم به لو كان قتل كلب اسرائيلي: جدعون ليفي
في ساعات الصباح المتأخرة.كانت في اسرائيل التحضيرات للسبت. المراقبون العسكريون اشتروا الخبز، الجنود خرجوا الى نهاية الاسبوع، على حاجز يبرود شاهدوا انسان. وهم عمليا لم يشاهدوا انسان بل أقل من الانسان. فقاموا باطلاق النار عليه مثلما علموهم. المراقبون العسكريون تحدثوا ايضا كما علموهم: “مخرب أطلق النار على موقع في عوفرا بدون اصابات. القوة ردت باطلاق النار فقتل المخرب”. روتين “بدون اصابات” و”المخرب قتل”، لا يوجد هنا أي تناقض: “قائد فرقة في “كفير” لاحظ مخربا وهو يلقي زجاجة حارقة على موقع للجيش في سلواد، فقام باطلاق النار وقتله. لا يوجد مصابين”. الآن تحول اطلاق النار الى زجاجة حارقة. وبعد مرور وقت قصير: “يبدو أن الحديث يدور عن مريض نفسي. وبدون أدلة بعد تفتيش جسده”. بكلمات اخرى: قتل.
هكذا ورد أول أمس في تويتر من المراسل أوري هيلر من القناة 10، ومثله فعل بعض زملاؤه. منهم الون بن دافيد. هيلر ليس الاسوأ من بين المراسلين العسكريين الذين يرددون بشكل تلقائي ما يفرضه عليهم المتحدث بلسان الجيش دون نسب ذلك الى الجيش الاسرائيلي – ويعتبرون أنفسهم صحفيين – لا يوجد مجال تغطية آخر يتصرف فيه الصحفيون هكذا. يشترون بشكل أعمى ما تفرضه عليهم السلطات. هذه الاكاذيب حول ما حدث أول أمس في حاجز يبرود نشرها بالطبع الجيش الاسرائيلي. وبعد ذلك قوّم الجيش نفسه. وفقط في أعقابه قوّم الصحفيون انفسهم: “الفلسطيني لم يحاول الاضرار بالقوات”. مساء الخير وسبت آمن.
كانت ساعة صباح متأخرة. اياد حامد، من سكان سلواد، كان في طريقه لصلاة يوم الجمعة في المسجد. وقبل سنوات أصيب برأسه في حادثة طرق. ومنذئذ هو يعاني من مشكلة نفسية. كان عمره 38، أب لثلاثة منهم طفل صغير. وحسب شهود العيان الذين التقى معهم باحث “بتسيلم” اياد حداد، فهو ضل الطريق وخاف عند رؤية الجنود في الحاجز وبدأ بالركض. أراد الهرب، لم يكن مسلحا بأي شيء ولم يعرض حياة أحد للخطر. الممرض يحيى مبارك يعتقد أنهم قد أطلقوا النار على ظهره اثناء هربه. فقد شاهد ثقب في ظهره دخلت منه الرصاصة، وثقب آخر في صدره، خرجت منه. حامد توفي على الفور. وبعد وقت قصير تمت اعادة جثته. نهم الجثث الاسرائيلي توقف في هذه المرة بعد أن كان واضحا أن حامد قُتل بلا أي ذنب.
مات عربي. جيد. نحن نذهب الى شؤوننا الأهم والاكثر أهمية. عندما يسقط صاروخ قسام من غزة ولا يصيب أي أحد ولا يحدث ضرر، تخرج اسرائيل في حملة انتقام بالقصف، تزرع الدمار والرعب. مسموح لها. المراسلون خائبو الآمال يتحرشون بوزير الدفاع “لماذا العقار فقط؟”، وماذا عن حياة اسماعيل هنية، كما وعد افيغدور ليبرمان. مسموح لاسرائيل كل شيء. هل مسموح للفلسطينيين الانتقام على قتل صديقهم؟ هذا سؤال مضحك. هل مسموح لهم محاولة “ردع″ جنود الجيش الاسرائيلي كما تتصرف اسرائيل نحو حماس من اجل عدم قتل أبرياء مرة اخرى؟ سؤال آخر مضحك. هل سيعاقب أحد على هذا القتل؟ هذا سؤال مضحك أكثر فأكثر. لو كان قتل كلب اسرائيلي على يد مخرب فلسطيني لكانت اسرائيل تزعزعت أكثر من زعزعتها بسبب قتل حامد. ألف مقال عن كل مستوطن يتم قتله وتثاؤب واحد كبير بسبب القتل الذي حدث أول أمس. وهذا ليس ارهابا، ليس فصل عنصري ولا عنصرية ولا عدم أنسنة، هو فقط قتل لما هو شبه انسان.
كنت في سلواد قبل تسعة اشهر. حينها قتل جنود حرس الحدود مهدية حامد، وهي امرأة عمرها 40 سنة وأم لاربعة. وقد زعم حرس الحدود أنها حاولت دهسهم بسيارتها. وأفاد شهود العيان أنها سارت ببطء.في البيت انتظرها إبنها البالغ عشرة اشهر من اجل ارضاعه. أطلقوا عليها عدد من الرصاصات التي مزقت جسدها. ولم يحاكم أحد. الأرمل أديب حامد سألني بسذاجته: “هل يعرف الاسرائيليون ما الذي حدث؟ هل هناك نقاش جماهيري في اسرائيل في أعقاب قتلها؟”. وأنا صمت من شدة الخجل.
هآرتس