في اطار سعيها للتقرب من تركيا.. الولايات المتحدة تدير الظهر للاكراد: تسفي برئيل
إن تهديد جون كيري لا يحتمل أكثر من تفسير. اذا لم تنسحب القوات الكردية الى شرق نهر الفرات فان الولايات المتحدة لن تقدم لها المساعدة. هذا ما أعلنه وزير الخارجية الامريكي، بشكل حاد وحاسم. من المشكوك فيه أن يكون الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، قد اعتمد على هذا التهديد، لكن الاهم من ذلك هو هل سينخضع للاكراد؟ وما المقابل؟ بعد هذا التصريح بيوم قامت القوات الكردية بالانسحاب من مدينة منبيج ايضا، وهي أحد المواقع الهامة للدولة الاسلامية (داعش)، حيث سبق وأن قامت القوات الكردية بتطهير هذه المدينة من داعش، بمساعدة مظلة جوية امريكية.
“هذه مثابة لطمة للقوات الكردية”، قال أحد متحدثي “وحدات سوريا الديمقراطية”، وهي المليشيا التي قامت بتشكيلها الولايات المتحدة، والتي يقاتل فيها الاكراد والعرب معا من اجل تشويش حقيقة أنها مليشيا كردية. لقد كان هذا التشويش مطلوبا كي تستطيع الولايات المتحدة الاستمرار في دعم الاكراد دون اغضاب الاتراك. ولكن الاكراد يعتقدون أنهم يدفعون في هذه الاثناء بالدم ثمن العلاقة المتوترة بين تركيا والولايات المتحدة.
مصدر كردي له أهمية في الحكومة الكردية في العراق قال لصحيفة “هآرتس″ إن التهديد الامريكي “يقوم بارسال رسالة مخيبة للآمال وخطيرة، ليس للاكراد في سوريا فقط، بل للشعب الكردي كله، النازف في الحرب ضد داعش، والذي منح ثقته للادارة الامريكية. القوات الكردية في سوريا تطمح الى اقامة منطقة حكم ذاتي، وهذا من حقهم. فقد دفعوا وما زالوا يدفعون ثمنا باهظا من اجل انشاء تواصل جغرافي في سوريا، المطلوب من اجل الحكم الذاتي. كان ذلك واضحا للامريكيين منذ البداية، لكنهم لم يقولوا أي شيء عندما أعلن الاكراد عن اقامة الحكم الذاتي في سوريا. والآن قرروا الوقوف الى جانب تركيا، وفي نفس الوقت يتوقعون من الاكراد المساعدة في الحرب ضد داعش”.
ورقة سياسية تركية
تركيا التي غيرت موقفها بخصوص التدخل العسكري المباشر في سوريا، بعد سنوات من مساعدتها لداعش والمليشيات الراديكالية الاخرى، تمسك بيدها رافعة ضغط ناجعة. استئناف العلاقة بينها وبين روسيا واقامة لجنة للتعاون العسكري والاستخباري والسياسي بين الدولتين، صحيح أنه حظي بالتأييد في واشنطن، لكنه في نفس الوقت منح تركيا ورقة سياسية هامة تستطيع التهديد من خلالها بوقف التعاون مع الولايات المتحدة اذا سمحت للاكراد باقامة حكم ذاتي على حدودها في سوريا. إن تهديدا كهذا ليس كاذبا. حيث أن تركيا قد أعلنت قبل عامين بأنها لن تسمح باستخدام موقع انجرليك لقصف اهداف في سوريا، بل لاهداف لوجستية فقط. في الماضي الابعد، اثناء حرب الخليج الثانية، رفض البرلمان التركي طلبات واشنطن لاستخدام هذا الموقع العسكري أو نقل القوات الامريكية الى العراق عن طريق تركيا. ويوجد لتركيا ايضا سبب آخر للضغط على واشنطن وهو يتعلق بطلب تسليم الداعية الديني فتح الله غولن، الذي حسب ادعاء تركيا، وقف من وراء التخطيط للانقلاب. الولايات المتحدة لا تسارع الى تسليم غولن، لكنها بدأت في هذا الاسبوع بنقاشات قانونية مع تركيا من اجل فحص الأدلة ضده. ويمكن القول إن التهديد ضد الاكراد هو جزء لا يتجزأ من جهود تهدئة التوتر السياسي.
في هذه الساحة الموحلة يوجد لاعبان اساسيان. روسيا تحولت في السنة الاخيرة الى حليفة للاكراد في سوريا، وتوسطت بينهم وبين النظام السوري. التعاون الروسي الكردي ازداد على خلفية الازمة في العلاقة بين تركيا وروسيا في اعقاب اسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني 2015، حيث حددت روسيا في هذه الازمة كل نقاط الضعف التركية من اجل الاضرار بها، بدء بمنع السياحة ومرورا بوقف التجارة وكبح نشاط الشركات التركية في روسيا وانتهاء بالتعاون العلني مع الاكراد.
لكن بعد استئناف العلاقة بين الدولتين في بداية الشهر، لم تترك روسيا الاكراد. ففي الاسبوع الماضي بادرت الى اتفاق وقف اطلاق النار بين النظام السوري وبين الاكراد في الحسكة في شمال شرق سوريا. وحسب الاتفاق، فان القوات السورية التي كانت محاصرة في مدينتي الحسكة والقامشلي، تستطيع ابقاء قوة شرطية رمزية في المدينتين، ويتبادل الطرفان المصابين والجثث، الشرطة الكردية هي التي ستدير الامن بشكل فعلي في المدن. وموظفو الحكومة الاكراد الذين تمت اقالتهم في اعقاب الحرب، يعودون الى عملهم، وتبدأ المفاوضات حول “المشكلة الكردية”.
للوهلة الاولى هذا “فقط” اتفاق محلي يشبه المبادرة الروسية في مدن اخرى في سوريا، لكن أهميته تكمن في تعزيز مكانة روسيا التي تستطيع، خلافا للولايات المتحدة، التوصل الى وقف اطلاق النار وانشاء مناطق هادئة وترجمة القصف الجوي الى انجازات في الميدان.
حسب التقارير في وسائل الاعلام السورية، روسيا تحاول الآن تغيير موقف تركيا تجاه الاسد، واقناعها بالموافقة على بقائه بشكل مؤقت الى أن تجرى الانتخابات. هذه المبادرة سجلت انتصارا جزئيا عندما أعلن رئيس الحكومة التركية، إبن علي يلدريم، لاول مرة أن الاسد هو لاعب هام في الازمة السورية، وأن تركيا مستعدة للموافقة على استمرار بقائه بشكل مؤقت وأن “تركيا وسوريا يجب أن تفتحا صفحة جديدة في العلاقات”. هذه نغمة جديدة تناقض التوجه المتشدد الذي انتهجه اردوغان ضد الاسد ونظامه على مدى سنوات الحرب.
ايران تستيقظ
إن من يحاول تشجيع تركيا هو ايران، التي عملت من وراء الكواليس للمصالحة بين تركيا وروسيا. ايران تسعى الى خلق خط سياسي فيه تركيا وروسيا وايران لقيادة الخطوات السياسية لحل الازمة. هذا الخط مهم لايران ليس فقط لوقف الحرب، بل ايضا لتحييد الخصمة المريرة، السعودية، وابعاد تركيا عن التحالف السني الذي انشأه سلمان، ملك السعودية.
الواقع السياسي لايران لا يلتفت الى حقيقة أن روسيا هي دولة “كافرة” وأن تركيا هي دولة سنية. لقد اثبتت ايران أنها مستعدة عند الحاجة للتعاون مع أي جهة تخدم مصالحها، بما في ذلك الولايات المتحدة التي وقعت معها على الاتفاق النووي.
لكن التقارب الروسي الايراني له ثمن سياسي. وقد عبر عن نفسه مؤخرا بتبادل الاتهامات الكلامية بين وزير الدفاع الايراني حسين دهقان وبين رئيس البرلمان علي لاريجاني. الجدال بدأ حول السماح للطائرات الروسية بالاقلاع من مطار همدان الايراني. وقد أعلن الدهقان أن الحديث يدور فقط عن الهبوط والاقلاع، الامر الذي ليس بحاجة الى مصادقة البرلمان.
رئيس البرلمان لاريجاني لم يستجب لاقتراح الدهقان، وأعلن أنه “من الافضل أن لا يتحدث وزير الدفاع بشكل يناقض البرلمان. الصحيفة الروسية “كومرتشنت” كتبت أنه حسب مصادر عسكرية رفيعة المستوى في روسيا “هناك سوء فهم تقني بين روسيا وايران، لذلك توقفت الطلعات الجوية من همدان”.
الخلاف ليس تقنيا حيث أن روسيا تطلب اقامة قاعدة في ايران. وايران ترفض ذلك. روسيا بحاجة الى الوقود والى تخزين الذخيرة والى طاقم تقني كبير يبقى على اراضي ايران. وايران مستعدة في الوقت الحالي للسماح فقط بالهبوط والاقلاع والتزود بالوقود.
صحيح أن الحديث ليس عن ازمة في العلاقة، بل محاولة للي الاذرع على خلفية غضب وقلق ايران مما تعتبره سيطرة روسية على سوريا. ومن هنا تنبع الاهمية التي توليها ايران لشراكتها مع تركيا. وهي تعمل الآن من اجل التوافق معها حول مستقبل الاسد. وحسب تقارير صحيفة “الشرق الاوسط” السعودية، فان تركيا ارسلت جنرال سابق يدعى اسماعيل حقي الى طهران، حيث التقى مع قادة من النظام السوري. يوجد لحقي عداد مسافات طويل مع سوريا، حيث كان المنسق التركي للتوقيع على اتفاق أدنة في 1998 والذي أنهى الازمة بين تركيا ونظام حافظ الاسد حول النشاط ضد حزب العمال الكردستاني في سوريا.
واشنطن لا تقوم بالمساهمة في جميع هذه الخطوات. الآن يمكنها فقط اعداد الهجمة ضد داعش في الموصل في العراق والرقة في سوريا. على هاتين الجبهتين تعتمد خططها على التعاون الكبير مع القوات الكردية. وبقي فقط معرفة كيف سيتصرف الاكراد بعد اللطمة التي تلقوها في هذا الاسبوع.
هآرتس