حقائق من جرابلس وأنقرة
غالب قنديل
شكلت العملية العسكرية التركية في جرابلس غزوا وعدوانا سافرا بلا أي التباس وهي كعمليات التحالف الأميركي المعلنة ضد داعش منذ انطلاقها خرق للسيادة الوطنية السورية لأنها تجري خارج القانون الدولي ومن غير اتفاق مسبق مع الدولة الوطنية السورية وقد جرى هذا العدوان تحت غطاء الطائرات الحربية الأميركية وبتغطية سياسية مباشرة وفرها من أنقرة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن.
منع ارتداد داعش والسعي لمنع انتشار قوات كردية على الحدود هي الشعارات والأهداف المعلنة للعدوان بعد حملة علاقات عامة تركية مع كل من روسيا وإيران وتصريحات سياسية لأركان الحكم التركي سجلت بعض التبدل في اللغة والمفردات بما لايخرج عن السقف الأميركي الذي انتقل بفعل الفشل من الشعار الأبله الذي فتن أردوغان طيلة السنوات الماضية ” إسقاط النظام ” الى تبني الحديث عن حل تفاوضي مع الدولة السورية ورئيسها وهو ما سلمت به الولايات المتحدة رسميا في تفاهمات فيينا التي عطلت واشنطن آلياتها من خلال تركيا والسعودية وقطر الحكومات التابعة المكلفة برعاية عصابات الإرهاب وواجهات العملاء تحت يافطة المعارضة.
في عملية جرابلس واقعتان معبرتان تحملان الكثير من المعاني :
اولا مسرحية انسحاب داعش من جرابلس تشير إلى ان الراعي الأميركي التركي ما زال مصدر الأوامر لهذه المنظمة الإرهابية التي يحركها كيفما شاء على المسرح في سورية والمنطقة والعالم وعلى الرغم من السعي الحثيث لتطويق بعض مجموعاتها الخارجة عن السيطرة داخل تركيا وفي دول اخرى تحت يافطة الحرب على الإرهاب لكنها باقية في إطارعدة الشغل الاستعمارية لاستنزاف الدولة السورية.
ثانيا المجموعات الإرهابية التي نشرت في جرابلس بإشراف القوات التركية الغازية هي حشد من عملاء المخابرات الأميركية والغربية والخليجية والتركية أساسا والتي قالت التقارير الصحافية إنها من الفصائل “المفحوصة ” التي فرزتها المخابرات الأميركية ودققت عدم ارتباطها بالقاعدة وداعش كما تزعم وهي مصنفة ضمن قوائم معتدلي واشنطن من الجماعات الإرهابية المتحدرة من تنظيم الأخوان المسلمين وهي جميعا تبدل يافطاتها بالاوامر كالحرباء واختير لها امس عنوان الجيش الحر الذي توارى من زمن.
يلفت الانتباه بداهة ما توحي به أجواء زيارة جو بايدن لأنقرة والتي تزامنت مع التحرك التركي عبر الحدود السورية من تمسك اميركي تركي بالعلاقات الثنائية وتحويل قضية غولين إلى بند للمتابعة السياسية والقانونية ضمن إطار العلاقات التحالفية الحارة التي تربط انقرة بمنظومة الهيمنة الأميركية في المنطقة والعالم ومن غير ان يخل ذلك بالشراكات التركية مع روسيا وإيران التي تطورت في سنوات العدوان على سورية ورغم حجم الاختلاف السياسي في الموضوع السوري ولم تصدر أي بادرة انزعاج اميركية منها بل اعتبرتها واشنطن دائما هامشا يضمن لموسكو ولطهران متنفسا تحت سيطرتها من حلقة الحصار الأميركي والغربي تفيد منه دولة تابعة ومضمونة الولاء وشريك رئيسي في حلف الناتو هي تركيا.
الأكيد ان الموقف الروسي الذي أدان الخطوة التركية بتناغم وتقارب مع الموقف السوري الرسمي مبني على رؤية مبدئية واحدة قوامها ان أي عمل جاد ضد عصابات الإرهاب يشترط التنسيق مع الدولة الوطنية السورية صاحبة الشرعية الدستورية والتي تقاتل قواتها على كامل الأرض السورية ضد الإرهاب الذي جلبه الأميركيون وسائر حكومات حلف العدوان ولا سيما تركيا لتدمير سورية وقد املى الصمود البطولي السوري تغييرات وانقلابات في المواقف والشعارات آخرها ما يصدر في التصريحات والبيانات التركية التي لا يجب ان تخدع احدا لأنها تحصل تحت ضغط المعادلات القاهرة .
الأوهام والتمنيات والعواطف لا مكان لها في السياسة الواقعية والدرس الذي يجب تعلمه من تطورات الأمس هو ان كثيرا من المراهنات والمبالغات التي انتشرت بعد الانقلاب الفاشل في تركيا يجب كنسها ومتابعة الأحداث بحذر ودقة لبلورة الموقف المناسب فالذين حاولوا طمس الدور التركي المتواصل في دعم عصابات الإرهاب في حلب وسائر انحاء سورية قاموا بتضليل خبيث لتسويق اوهامهم التي منيت بخيبة ثقيلة .