عندما يقوم جندي اسرائيلي عمره 20 سنة بالدخول الى مخيم للاجئين ويصوب بندقيته نحو شخص مُسن فهو يؤكد أن ما حدث في عام 1948 مستمر الى الآن: عميره هاس
في اقتحامات الجيش الاسرائيلي لمخيمات اللاجئين تخرج الشياطين الأقدم. فروح 1948 تحلق فوقها، حتى لو كانت غير دموية مثل القصف على قطاع غزة، الذي اغلبية سكانه من اللاجئين، والذي ينتهي بشباب مصابين، ويحتمل ايضا بأحد القتلى. الدهيشة، الفارعة، الفوار والأمعري، هذه هي المخيمات التي تم ارسال الجنود اليها في الاسابيع الماضية من اجل الاثبات مرة تلو الاخرى قدرة اسرائيل على اشباع رغبة الجنود بقليل من الاثارة.
حبل سميك من التواصل يربط بين اقتحامات الاماكن السكنية الحالية لسكان المخيمات وبين طرد عائلاتهم من قراهم ومدنهم الاصلية وأحيانا بضعة كيلومترات نحو الغرب. الاحفاد وأبناء الاحفاد موجهون في معظمهم، ليس باتجاه المطرودين أنفسهم، أبناء الـ 70 سنة فما فوق. البيت الذي ولد فيه المطرودون، شجر الصبر الذي أحاطوا به ارض عائلاتهم، الطريق الترابية التي تؤدي الى المسجد أو الى المدرسة، الاشجار التي تم زرعها من قبل اجدادهم والاماكن، يا لهذه الاماكن، التي ما زالت تعيش في قلوبهم. لا يخطر ببال الجنود أن القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المعدني الذي يطلقونه، يخنق ويخيف المسنين الذين تم طردهم وهم رضع واطفال من قبل اجداد الجنود الذين يقتحمون الآن.
الجنود يدخلون الى مخيمات اللاجئين المكتظةـ بعد غسل دماغهم وتحريضهم من قبل قادتهم ووسائل الاعلام، يدخلون الى الأزقة الضيقة والى مباني الاسمنت الرمادية. الفقر يطل من كل زاوية. الجنود يشاهدون الفقر والبؤس مع الخطر، وهم يحملون السلاح، أبناء 19 – 20 سنة، مع كثير من الهرمونات والخوف على حياتهم، الامر الذي يحولهم في نظر أنفسهم وفي نظر تقرير الجيش، الى ضحايا محتملين، ساذجين وأبرياء، من قبل أي شاب يبلغ 15 أو 17 يرشق الحجارة ويعيق النظام الذي يمثلونه.
التاريخ بالنسبة لهم يبدأ بوعد إلهي للمهاجر باسم ابراهيم، وعلاقاتهم مع المستوطنين والمستوطنات التي تبنى معسكراتهم في ظلها، ومن اجلها هم موجودون. هذا التاريخ أو التاريخ الموجه يصل حتى الحجارة التي يرشقها أبناء أحفاد المطرودين باتجاههم أو باتجاه السيارات في شارع 60، الذي تمتليء اطرافه بالمستوطنات، أو باتجاه الجدار القبيح في شمال وغرب بيت لحم. واحيانا المتحدث بالعبرية (الذي قام ببناء منازل أو حدائق في مدن اسرائيل من اجل مصدر الرزق قبل أن يولدوا) أو معلم للغة الانجليزية، يتحدث رغم السلاح الموجه اليه في غرف النوم، الامر الذي يخرج من الجنود لحظة انسانية، مثلما حدث في الفوار في الاسبوع الماضي.
لكن في تلك اللحظة، الدور الموضوعي للجنود حتى لو كان غير معلن، هو الاستمرار في 1948 كي نثبت أننا كنا وبقينا، مجتمعا استيطانيا كولونياليا هدفه وطموحه هو استبدال السكان الاصليين. ولشدة السعادة، هذا لم “ينجح” تماما (مثلما نجح في دول مثل استراليا، كندا والولايات المتحدة). الطرد ليس مثل الابادة. يمكن جمع الشظايا وبناء شيء متجدد منها.
اسرائيل تقوم في هذه الاثناء بعمل حل وسط بين رغبتها القوية في استبدال سكان بسكان، وبين عدم التوافق بين هذا الطموح مع السياسة الدولية والاقليمية. الحل الوسط هو تقييد البناء وتركيز الفلسطينيين في جيوب مدنية ونصف مدنية مكتظة على جانبي الخط الاخضر والاستمرار في منح الاماكن لليهود. مخيمات اللاجئون هي جيوب جاهزة. ولأن سكانها يرفضون النسيان ويستمرون في مقاومة منطق المجتمع الاستيطاني – فهم هدف ثابت. طرق الزج، اضافة الى شروط البناء والتراخيص والاخلاء، هي تدمير، قمع، اقتحامات، التخويف، الاصابة والقتل. عمليات الدس ومطبقو حل الوسط مسؤول عنها جنودنا.
هآرتس