بقلم غالب قنديل

التطورات النوعية في اليمن

غالب قنديل

تتلاحق الأخبار الطيبة من اليمن منذ الإعلان عن المجلس السياسي الأعلى وانعقاد البرلمان اليمني للمصادقة عليه وهو ما لاقته إرادة شعبية يمنية هادرة حملتها مسيرات شعبية مليونية في صنعاء شاركت فيها غالبية القوى والتيارات الوطنية اليمنية ومن بعدها تحركت التحضيرات السياسية لتكوين حكومة يمنية جديدة وهذا ما يعني إنطلاق عملية إعادة تكوين هياكل الدولة الوطنية في سياق المقاومة اليمنية للعدوان السعودي الأميركي على البلاد فما هي المقدمات والنتائج وأين يتجه الوضع اليمني ؟

أولا شكل تكوين المجلس السياسي الأعلى بقرار مشترك بين حركة انصار الله والمؤتمر الشعبي وعدد آخر من القوى والجهات السياسية الوطنية في اليمن نقلة متاخرة في الإيقاع السياسي وتجسيدا لتحالف وطني تمناه اليمنيون لتوحيد الجهود ضد العدوان وارتقاءا بعلاقات تنسيق وتعاون لم يتم تكريسها في مؤسسات منذ انطلاق العدوان على اليمن رغم انها حققت الكثير من الخطوات المشتركة في مجابهة الحصار المفروض على البلاد وفي توحيد الجهد الشعبي القتالي دفاعا عن الوطن فجميع تجارب الشعوب تؤكد ان الجبهات الوطنية المتحدة والعريضة هي ضرورة لا غنى عنها لتحقيق موجبات الدفاع الوطني وانه لايمكن إهمال قضية السلطة السياسية في زمن الحروب الوطنية سواء لإدارة المعارك السياسية المعقدة او لتوفير مستلزمات الصمود الشعبي ضد الحرب والحصار كما هي الحال في اليمن تحت العدوان.

بعد فترة طويلة من التجريب والانتظار تم التفاهم على بناء قيادة وطنية عليا صلبة ومتماسكة لإدارة شؤون البلاد ومعركة الدفاع عن الاستقلال الوطني وهي الخطوة البديهية التي يطرحها الوضع اليمني منذ اللحظة الأولى للعدوان السعودي الأميركي لتنظيم حياة الناس في ظروف صعبة نتيجة حرب التدمير والإبادة.

ثانيا الأساس السياسي الذي قاد إلى نضج الإرادة المشتركة لجميع القوى الوطنية وبالذات عند كل من حركة انصار الله والمؤتمر الشعبي هو سقوط وهمين في التجربة الممتدة منذ انطلاق العدوان :

         سقط وهم الانفراد عند جميع الأطراف اليمنية الرئيسية بفعل قسوة العدوان وطبيعة التحديات التي طرحها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وأظهرت الحاجة إلى توحيد جهود سائر القوى الحية في البلاد واستدعت بالتالي التخلي عن الحسابات والحساسيات فقد بات واضحا ان نداء العمل المشترك هو طريق الصمود والنصر على العدوان في حين ترك الوضع على الحال سيفوت فرصا كثيرة.

         سقط وهم الحل السياسي السريع او القريب الذي يتيح إعادة هيكلة الدولة الوطنية على أسس جديدة عبر المفاوضات التي تعثرت بفعل التعنت السعودي الذي بلغ درجة المطالبة بالاستسلام والإذعان بينما كانت تجري في الكواليس محاولات لشق الصف اليمني ولعقد صفقات جانبية وبالتالي سقط وهم عدم الحاجة لتحقيق المبادرة الوطنية الكبرى بتنظيم واقع السلطة السياسية في ظروف الحرب ولقطع الطريق على مناورات حلف العدوان.

ثالثا شكلت الحافز والمؤشر لما يجب القيام به تجربة العمل المشترك على الأرض من خلال تلاحم الجيش واللجان الشعبية في معارك دفاع وهجوم توجت بالانتصار ورجحت الكفة اليمنية في معادلات القوة وهذا ما يوفر أرضية صلبة لنجاح جهود التوحيد السياسي فقد بينت أقسى المعارك ان الجيش واللجان الشعبية يمثلان كتلة قوية في الدفاع عن استقلال اليمن رغم كل ما حشدته قوى العدوان وتتواجد في هياكل هذه الكتلة جميع التيارات والقوى السياسية الرئيسية في البلاد وحيث يمثل الانتقال إلى تنظيم الشرعية الدستورية الجديدة انطلاقا من تكوين المجلس الأعلى قوة دفع نوعية لمسار الدفاع عن اليمن واستقلاله وهي عملية تطويق سياسية خانقة لحلف العدوان من خلال نزع الشرعية الدستورية والسياسية عن واجهة العدوان التي تديرها السعودية إضافة إلى إطلاق ديناميكة جديدة في المعركة السياسية والإعلامية والدبلوماسية ضد حلف العدوان في العالم والمنطقة .

بعد الخطوات الأخيرة والتوجه لتشكيل حكومة وطنية لقيادة معركة الدفاع الوطني ولحشد الجهود اليمنية ضد العدوان والحصار يمكن القول إن القوى الوطنية اليمنية ترتقي اليوم إلى مستوى المسؤولية وتحقق نقلة هجومية نوعية في سبيل الدفاع عن اليمن وهي تكتسب مشروعية دستورية وشعبية حاسمة عبر ما تقوم به من خطوات تلاقي تطلعات الشعب الحقيقية مما يعري حلف العدوان ويفقده الكثير من الأوراق.

رابعا مما يكسب الخطوات الأخيرة أبعادا هامة ومؤثرة هو تزامنها مع تحولات دولية وإقليمية ستكون بنتائجها لمصلحة الشعب اليمني :

         انتقال روسيا والصين إلى اتخاذ مواقف جديدة تدعم صمود الشعب اليمني وتناهض حلف العدوان .

         ظهور الارتباك في ردود الفعل الغربية على التقارير الدولية والتحركات الحقوقية الفاضحة لجرائم الإبادة في اليمن.

         الإدانات الدولية المتلاحقة للحكومة السعودية وتحميلها المسؤولية عن قتل الأطفال وسائر جرائم الحرب وعن تدمير المؤسسات الاقتصادية والتعليمية والصحية .

         الدعوات الشعبية والسياسية في الغرب لحظر مبيعات السلاح للمملكة السعودية نتيجة جرائمها ضد الشعب اليمني .

هذه المظاهر هي في جلها نتائج للصمود اليمني وإنجازات لتحركات قامت بها منظمات حقوقية وشخصيات وهيئات يمنية وخليجية داعمة لشعب اليمن المظلوم وتنظيم وتفعيل تلك التحركات في حملة شاملة يتطلب قيادة مركزية متماسكة في صنعاء تنتزع شرعية تمثيل اليمنيين والتعبير عن إرادتهم الوطنية الاستقلالية في كل مكان .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى