بقلم غالب قنديل

روسيا وإيران وخيبة الغرب

غالب قنديل

يثير تاريخ العلاقات الروسية الإيرانية حذرا متوارثا في النظر إلى الماضي اشتغلت دوائر التخطيط الغربي على نبشه واستثماره والبناء عليه خوفا من التقارب المحتمل بين دولتين هامتين تتطلعان معا لإنهاء عهد الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم.

ظهرت في الأشهر الماضية رهانات كثيرة في الغرب على فرص استثارة الخلافات بين الدولتين ومنذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني بالذات ظهرت كمية من التقارير والدراسات التي تفترض إذكاء منافسة وخلافات بين موسكو وطهران مرة في سورية ومرة اخرى في السباق إلى تفاهمات وشراكات محتملة مع الغرب وتخصصت الآلة الإعلامية الغربية والخليجية في تعميم السيناريوهات وتسويق الانطباعات التي يعمل عليها لنسف جسور الثقة بين البلدين .

التقارب بين موسكو وطهران مستمر ويتطور رغم ذلك الضجيج وتعززه عوامل موضوعية راسخة تكسر رهانات الساسة ومواقع التخطيط في الغرب وقد جاء التعاون العسكري الذي انعقد حول سورية الحليف المشترك لروسيا وإيران ليتوج مرحلة طويلة من الشراكة السياسية والاقتصادية الإيرانية الروسية بانطلاق قاذفات روسية عملاقة إلى الأجواء السورية من قاعدة همدان الإيرانية في حدث هو الأول من نوعه منذ انتصار الثورة الإسلامية وإعلان الجمهورية في طهران بخيارها الاستقلالي وبرفضها لسياسة المحاور الدولية التي كان يحركها آنذاك الاستقطاب السوفيتي الأميركي في العالم خلال الحرب الباردة وبعدما فككت الثورة الإيرانية منظومات التجسس الأميركية على روسيا والتي كانت في عهد نظام الشاه قواعد متقدمة للناتو على الأرض الإيرانية.

محاور الشراكة الروسية الإيرانية وحوافزها كثيرة وهي مرشحة للتطور على جميع المستويات ويمكن إجمال أبرزها بما يلي :

اولا التصدي للهيمنة الأحادية الأميركية على العالم هو موضوع شراكة استراتيجية روسية إيرانية فإيران التي فرضت في مسار صمودها ومقاومتها اعتراف الولايات المتحدة بوزنها وبدورها وباستقلالها تواجه تعنتا أميركيا في رفض الاعتراف بحقوقها السيادية وتصميما من الولايات المتحدة والغرب على استمرار الحصار الاقتصادي الذي صمدت في وجهه اكثر من ثلاثين عاما ورغم الاتفاق النووي وملحقاته التي تعرقل الإدارة الميركية تنفيذها لمنع إيران من استرداد الودائع المجمدة ولابتزازها وتأخير عودتها إلى أسواق العالم ونظامه المصرفي وتعتبر طهران ان الولايات المتحدة تقود منظومة للهيمنة على المنطقة التي تنتمي إليها بالشراكة مع الكيان الصهيوني ومجموعة من الحكومات التابعة التي يجندها الأميركيون للعمل بكل الوسائل ضد إيران سياسيا وامنيا وإعلاميا.

اما روسيا المحاصرة بالعقوبات الغربية والتي تواجه ضغوطا متجددة لمنعها من تأكيد حضورها الدولي اقتصاديا وسياسيا فهي في الوقع تعامل من واشنطن كعدو رئيسي رغم الخطب السياسية الممالئة والمعسولة التي يدلي بها الرئيس باراك اوباما احيانا لكن جميع التصرفات تقول شيئا آخر من حشد قوات الناتو على مقربة من الحدود الروسية إلى جدران الصواريخ الموجهة ضد روسيا من شرق اوروبا إلى التدخل المستمر في اوكرانيا وسوى ذلك من مصادر الاشتباك بين العملاقين.

ثانيا تعمل روسيا وإيران معا بالشراكة مع الصين لنسج شراكات محورها الحاسم تكتل آسيوي مستقل عن هيمنة الغرب يتعاون مع دول مستقلة في القارات الأخرى كأفريقيا واميركا اللاتينية وتعمل اطرافه لتنمية قدراتها ولنقل التكنولوجيا المتقدمة وتبادلها وتطوير الأسواق المشتركة والقدرات الصناعية وبناء شراكات كبيرة في مجال استثمار ونقل النفط والغاز وقد شكلت منظمة شانغهاي الإطار الذي تقدمت من خلاله هذه الشراكة التي تتطلع إيران إلى دور رئيسي فيها خلال الفترة المقبلة.

ثالثا تدرك طهران وروسيا معا ان الحرب على سورية هي حرب عالمية بالوكالة استخدمت فيها فصائل الإرهاب والتكفير العالمية ومتعددة الجنسيات وان الغاية المركزية لتلك الحرب هي تدمير الاستقلال السوري وفرض الهيمنة الأميركية والغربية على المنطقة وتعرف العاصمتان كمية ضخمة من المعلومات عن الدور الأميركي القيادي وعن الحكومات والدول التي حشدت باوامر اميركية للنيل من سورية ومن رئيسها وجيشها واقتصادها وقد وفر صمود سورية في مواجهة العدوان الاستعماري فرصة لكل من روسيا وإيران والصين لانتزاع حضور قوي وفاعل سياسيا وعسكريا من خلال دعم الجهود الدفاعية السورية وبمساعدة هذا الحليف المشترك على الصمود الاقتصادي في وجه التدمير والحصار والعقوبات .

رابعا تدرك موسكو وطهران معا مخاطر ارتداد الإرهاب من سورية إلى جوراها الآسيوي ووجود من يخطط في واشنطن لإعادة استعمال فصائل الإرهابيين ضد روسيا وإيران والصين وبالتالي تقضي مصالح الأمن القومي للدول الثلاث بتوحيد الجهود في محاربة الإرهاب وتدعيم قدرات الجيش العربي السوري لمساعدته على حسم الصراع في أقصر وقت ممكن وهو ما استدعى رفع مستوى الشراكة الإيرانية الروسية المرشحة لتطويرات متلاحقة بالتعاون مع الدولة السورية وليس مصادفة تزامن خطوة همدان مع نقلة صينية جديدة في مستوى الدعم العسكري الذي تقدمة بكين لدمشق .

خامسا هذه الدعائم الاستراتيجية الهامة للتعاون الروسي الإيراني وغيرها تدفع إلى الاستنتاج ان رهانات الغرب على دق الأسافين بين الدولتين سقطت بالفعل لأن اختبارات التعاون خلال السنوات الأخيرة أسست مداميك الثقة والشراكة الندية بينما ولدت التحديات إرادة صلبة في العمل المشترك ضد الأخطار المصيرية التي تواجه البلدين معا ومن البديهي ان تكون سورية الصديق الحميم لكل منهما واسطة العقد لنواة تحالف قابل للحياة والاستمرار في مجابهة الهيمنة الاستعمارية والتسلط الأميركي على العالم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى