بقلم غالب قنديل

التلاعب الأميركي والحزم الروسي

غالب قنديل

تتمسك الدبلوماسية الروسية بشعار التعاون مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب لاسيما في سورية وعلى الرغم من تزايد التصرفات العدائية النافرة لإدارة اوباما التي تتمسك بفرض عقوبات على روسيا وبمواصلة التدخل في اوكرانيا وبسعيها الدؤوب لمحاصرة صعود الدور الروسي في العالم انطلاقا من المنطقة الأشد سخونة وحساسية ولا سيما سورية .

يعترف العديد من الخبراء والمحللين بأن الميدان السوري يصنع المعادلات الجديدة في المنطقة والعالم منذ الفيتو الروسي الصيني المزدوج الذي منع تغطية غزو عسكري اميركي لسورية بقرار اممي ومن بعد ذلك المبادرة الروسية في خريف 2013 التي احتوت تراجعا عن تهديد الرئيس اوباما بشن حرب مباشرة على سورية تخلى عنها بعد اختباره لتوازنات الردع واكتشاف البنتاغون للعواقب والتداعيات الخطيرة التي قد تنزلق إلى مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وكل من روسيا وإيران إلى جانب سورية وحزب الله.

شكلت المخادعة الأميركية لروسيا سمة لازمت زيارات وزير الخارجية جون كيري لموسكو منذ عام 2012 والإعلان في كل مرة عن تفاهمات جديدة على دفع العملية السياسية السورية وتوحيد الجهود ضد منظمتي داعش والقاعدة ومثيلاتها وتفرعاتها في سورية وقد فضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باستمرار وجوه الخداع والتلاعب الأميركي وأظهر غضبا شديدا في المرة الأخيرة عندما دفعت واشنطن من تركيا وبتمويل سعودي شحنات أسلحة وذخائر ضخمة تم استيرادها عبر بلغاريا وبعضها لا يسلم دون إذن خاص من البنتاغون وتم ذلك تحت غطاء آليات وقف الأعمال القتالية التي اتفق عليها نظريا بينما كانت الولايات المتحدة تراوغ وتماطل في التفاهم على لوائح المنظمات الإرهابية في سورية وفي تلبية المطالبة الروسية بفرز “معتدليها” عن القاعدة وداعش ومن ثم ظهر عشية هجمات الإرهابيين في حلب الفيلم الأميركي الرديء عن خروج جبهة النصرة من القاعدة بينما كان “معتدلو واشنطن” ينفذون المجازر وأعمال الذبح ويرصون الصفوف تحت راية القاعدة وشيوخها بيافطات متعددة.

أظهرت إدارة اوباما خلال الأشهر الأخيرة حرارة واضحة في تبني عصابات الإرهاب وفي مواصلة تعطيل العملية السياسية رغم التصريحات المتفائلة التي تطلب واشنطن من دي ميستورا الإدلاء بها في لعبة لتقطيع الوقت ويبدو واضحا ان البيت الأبيض تكيف مع متطرفي الإدارة الذين يدينون لزعيمة حزب الحرب ومرشحة الرئاسة هيلاري كلينتون وقد باتت كتل الحزب الديمقراطي موحدة خلفها في الانتخابات الرئاسية بقيادة الرئيس الذي تخلى عن آرائه الشخصية التي ادلى بها لمجلة اتلانتكس والتي اوحت باقترابه من وجهة النظر الروسية وحيث يدفعه السعار الانتخابي إلى توجهات مناقضة تحتمل توسيع التورط العدواني الأميركي في سورية .

خلافا لكل ما يردده البعض عن تغطية اميركية للمبادرات الروسية الهادفة إلى تعديل التوازنات في سورية ودعم جهود الجيش العربي السوري وحلفائه تشير الوقائع إلى ان الرضوخ الأميركي لهذه الخطوات المتقدمة ناتج عن توازن القوى الرادع ولا يعني قبولا اميركيا للوقائع التي تفرضها روسيا وحلفاؤها ولنتائجها المتوقعة عسكريا وسياسيا وبالطبع ليست في الأمر تفاهمات سرية بين واشنطن وموسكو كما يوحي البعض .

يرغب الرئيس اوباما بترك الباب مفتوحا امام جميع الخيارات في سورية على طاولة الرئيس المقبل وهو يبدو وقد تراجع عن تمنياته التي نقلت عنه في القنوات الدبلوماسية السرية بان يتم التوصل إلى تفاهمات على الحل السياسي السوري قبل انتهاء ولايته ومصدر هذا التراجع هو توازنات الحزب الديمقراطي الحاكم وتوجهات مرشحة اوباما للرئاسة التي تتبنى نهجا تدخليا وتصعيديا ضد الدولة السورية التي أشعل اوباما عليها حربا بالوكالة وسعى لاستنزافها بشتى السبل غير آبه بخطر ارتداد الإرهاب الذي رعته ووفرت له الموارد منظومة من الحكومات الرجعية الدائرة في الفلك الأميركي وبإشراف مباشر من البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية .

في الأشهر القليلة الباقية من ولاية اوباما سيكون السباق الفعلي بين عقيدة الاستنزاف الأميركية التي تقضي بإطالة امد الحرب وباستمرار تورط الحكومات الداعمة للعصابات الإرهابية في سورية وبين الاستراتيجية الروسية الهادفة للقضاء على الإرهاب وضمان توازنات راسخة تسترد الاستقرار السوري وتحمي الدولة الوطنية المركزية العلمانية الجامعة للسوريين تحت لوائها وبأوسع تفاهمات وطنية ممكنة.

التحدي الذي يواجه سورية وحلفاءها هو فرض امر واقع جديد خلال هذه الأشهر القليلة بحيث يصبح التورط العدواني الأميركي الأوسع اعلى كلفة على الصعيدين السياسي والعسكري وهنا تكتسي معارك الشمال والغوطة اهمية حاسمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى